في غمرة التحرك لترميم النفس وفي عنفوان التشبث بالحياة تهاوت الحياة ... واندلقت كزجاجة حبر ...
وكما تموت الأشجار المستيقظة وتغمض عينيها ... كان وجهي ينغمس في نهر الشمس ويستحم في نهر الحقيقة .
" الموت هو الشيء الوحيد في الحياة الذي يتخطى حدود الشك .. ليرقى الى مستوى اليقين .. "
وابتدأت الكلمات تكبر .. وتلتمع بندى الليل الغض ..
في ليل الرحيل المكفهر الملامح ، كان العالم يمتد أمام عيني ملونا أخاذا ، جزيرة أسطورية رائعة ، حلما ورديا .. يترقرق في مخيلتي ..
أما الآن ، وفي لحظات الاندحار المر .. عبر غمار الطرقات الصعبة ..
يتوارى العالم ، يغرق .. وأنا منفي في حرائق العصر .. وسط الهجير ..
سأموت يا أمي .. سأموت ، وستمسخ انتصاراتي هزيمة مرة ..
سأموت ، وسيلحقني العويل ..
وتعزيتي أن كلماتي الكبار ، المخضبة بدم المعارك والتي ترهق حنجرتي ..
ستظل تسير في جنازتي ، حتى تواريني الثرى ..
وهناك ، ستضيء حول رأسي القفر .. فلن أظل وحيدا ،
ويا أمي لقد نسيت حتى وجهك , ولكني ما زلت أتحسس رائحة صدرك
وأتذكر بأن لي من تبكني ، وتضرع الى الله من أجلي ..
في صمت الموت
وطعنات الأعداء تتوالى على جسدي .. وجنودي يتساقطون من حولي ، وعلى وجههم يترع نشيج الهزيمة
أشعر بالعار يخترق أعماقي .. فيشلني من الداخل .. وتنهمر الدموع من عيني ،
ويا أمي لو تعرفين كم هو قبيح بكاء الرجال ..
بعد لحظات .. ستنهار حياتي ..
وقلوعي البيضاء المنشورة في عرض البحر ، سوف تهوي ، جريحة , تنزف منها الدماء .
أننا نحتضر .. ببطء نموت ..
وأخبط في أماسي الضجر ، دون جدوى
أسبح في نهر الألم وحوالي تضج أفاعي الحقد ، وتنبح سياط الهزيمة ..
لحظات .. ويخصف نعلي عبر أروقة السنين ..
تتساقط الذكريات فيما حولي ، تهزني ، تهرول في ردهات رأسي ..
مقبرتي خرساء ، ومدينتي ميتة ، ومشيعون حزانى يسفحون الدموع بلا عيون ..
جيراني ينحبون ، يشاجرون الزمن ، والسنين الفولاذية التي عاشوها سوية .. ! وهم يهولون ..
" حمامات الدم في كل مكان .. "
اننا نحتضر .. ببطء نموت ..
وأخبط في أماسي الضجر ، ينفذ في السخط .. ويلفحني الهجير ..
نهارا ذبيح ، يتوارى في ظلمات نفسي ..
أغتدي خمارة وحدتي .. أخلع وجهي ، ونعلي ، وأسترخي على السرير كحطام عربة بالية ...!
في خضم هذا المساء الضاج ...!
أمشي .. أخرج وجهي الذي حجبته الكلمات .. أتطاول وسط الزحام ..
أبحث عن عينين ، أغرق حزني فيهما ..
لا شيء سوى القهر .. عقربا الساعة يزحفان ببطء ، زمن أبله يخترقني ..
وفي غرفتي ، أخلع وجهي ، ونعلي .. أستلقي على السرير ، حطام عربة بالية
وتلوح لي ، أماسي الموتى ، شمس هزيلة تمخر أيامي ،
فأرتد الى الخلف ، كالتحدي .. وفي نفسي ، تقهرني تلك الكلمات ،
كلماتي الكبار ، المخضبة بدم المعارك ..
وانتصاراتي الفاتحة ، التي قلبت هزيمة كاسحة ...
جنازتي ، سوف تخترق الشوارع المضاءة بدم البشر ..
وسوف تسيل دموع المتعبين ، حين يفتقدون بطولاتي ..
وقبل الرحيل أهبط في دوامة الأيام ، أبصق في أعين الرعاع ..
وأقذف غضبي بوجوه القتلة ، الحقد يحترب في أعماق نفسي ، ولفح الجريمة ما زال يلسع ظهري كالسياط ..
وأمشي في الشوارع ، اخترق الصفوف ،
وورائي تتلاشى ضجة المتظاهرين ، وتطفر الى عيني دمعة ، تحمل حرقة دهر مضى ..
ليت لي جنحان من دخان ..
لأخمد الألم ..
ولأحمل السرور للقلوب، والفرح ..
لأمخر الزمان ..
حصدت الشوك ، والأحزان من دربي ..
وجئت اليوم أشكوكم الى ربي ..
فلا والله ما جاشت بها دنياك في قلبي ..
فدم يا دهر ، للعشاق ، للفقراء من شعبي ..
مع تحياتي : غزوان رمضان ..!