منذ ما يقارب العام ناقشنا في إحدى حلقات البحث ضمن دراستنا للماستر في قسم علم الاجتماع في جامعة دمشق موضوع إساءة معاملة الخادمات الآسيويات، وخرج الجميع متفقين تقريباً أن الظاهرة فردية، وغير عامة، ولا تمارسها شرائح واسعة في مجتمعنا لأن ديننا الحنيف، وتقاليدنا المليئة بالرحمة و الرأفة، والمحبة والسلام التي تملأ قلوبنا، تردعنا عن مثل هذه الممارسات، وهكذا خرجنا راضين سعيدين بعد أن مارسنا مهامنا ومسؤولياتنا كمثقفين.
ما أعاد هذا الحوار إلى ذاكرتي، هو خبرٌ قرأته عن جريمة قتل ارتكبت بحق خادمة فيليبينية في مدينة حلب*
1 . وفي تفاصيل الخبر: عاقبت السيدة الآمرة الناهية خادمتها نورايدا لأنها لم تمسح الأرض جيداً بربطها إلى صنبور الماء في الحمام وضربها، وبعد أن بقيت عدّة ساعات على هذه الحالة توفيت نتيجة انهيارٍ عصبي.
مشهدٌ آخر لا أنساه، عاد إلى ذاكرتي، عُرِض في التلفزيون السوري، أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان، حيث هرب عدد من الخادمات الآسيويات إلى سورية خوفاً من القصف الإسرائيلي، فبقين في الشارع دون عون لأنهنّ آسيويات، واستُثْمرن فقط في الدعاية الإعلامية ضد العدو الإسرائيلي، ومن خلال مشهد تلفيزيوني عابر لم يتكرر.
أتساءل هنا : كيف ستكون ردات فعل القراء على هذا الخبر، هل سنلجأ كعادتنا إلى النفاق ؟
أجد نفسي مضطراً للحديث بشكل عام عن الظاهرة في ظل غياب الدراسات الجدية والإحصاءات الرسمية.
دأبنا في السنوات الأخيرة بعد أن غزت الحياة الاستهلاكية مجتمعنا الأبوي على تلقف كافة مظاهر الأبهة والترف، وكان آخرها استقدام الخادمات الآسيويات، مثلهن مثل علبة السجائر الفاخرة، أو ماركة الموبايل والسيارة. معظمهن قدمْن من بلدانٍ يأكلها الفقر، يعملن في شروط أقرب إلى حياة الرقيق، أجور متدنية، غربة وبعد عن الأهل، يتعرضن لشتى صنوف التحرش والإساءة الجنسية في مجتمع يستنفذه الكبت.
أتيحت لي فرصة الالتقاء بالكثير من الخادمات من خلال عملي في مهنة التدريس التي مكنتني من دخول بيوت بعض الفئات من الأرستقراطية محدثي النعمة، وشهدت بنفسي شتى صنوف العنف اللفظي الممارس من قبل سيدات البيوت على الخادمات دون خجل حتى من وجودي، و بتبرير بسيط كنّ يسُقْنه: ((عرق عبيد لا تنفع معه المعاملة الحسنة))، كما روى لي العديد من طلابي وطالباتي عن العقوبات التي كانت تطال الخادمات من قبل مخدوميهن، من ضرب، وربط، وتعذيب، وحرمان من الطعام، وتحرش واعتداء جنسي.
أما الإعلام السوري فقد استشعر الخطر الجلل الذي تتعرض له تربية أبنائنا نتيجة وجود خادمات من ثقافة مغايرة لثقافتنا مسكوناً كعادته بحس المؤامرة، و كأن معظمنا لا يعرف أية فئات تستقدم العاملات الآسيويات، فأغلب السيدات لسن من الموظفات اللواتي لا يجدن وقتاً لأبنائهن.
في الوقت الذي نتحدث فيه في إعلامنا عن العنصرية التي يتعرض لها المهاجرون العرب في أوربة، لا نتحرج من ممارسة شتى أصناف الاضطهاد و العنصرية تجاه من نعتبرهم أدنى منّا عرقياً.
هي دعوى لصحافتنا وإعلامنا لتناول الموضوع بجدية، علّنا نكفّر عن شيء من ذنوبنا تجاه العمالة الآسيوية الوافدة.
* اعترفت بتعذيب خادمتها حتى الموت, مجلة أيام الأسرة , العدد 122 , تشرين الأول 2010 , دمشق , ص :47.