نتيجة تحكم الفلسفة المادية في الحياة المعاصرة سواء تلك الفلسفة التي تفصل الدين عن الحياة وتحصر الخالق في الكنيسة أو المسجد, أو الفلسفة التي تنكر وجود الخالق أصلا، كالفلسفة الديالكتيكية الشيوعية. أصبح الناس نتيجة وجهة النظر هذه في دنيا البشرية يلهثون وراء المادة ولقمة العيش ونعيم الحياة، يريدون أن يأخذوا اكبر قسط من متعها، فأصبحت شغلهم الشاغل.
ولحقت امتنا بركب البشرية المتماوج، واضطرابها المتهالك خصوصاٌ وإننا فقدنا مركز القيادة، ولم نعد موطن الإشعاع، ولا عاد مبدأ، تحمله للناس كافة فأصبحنا المقلدين بعد أن كنا المعلمين، وأصبحنا المستجدين بعد أن كنا المعطين، وغدونا نبحث في (مزابل) المبادئ، (وقمامة) الأفكار، نستخرج منها أنظمة نضحك بها على أنفسنا، فنسميها إسلامية تارة، وعربية تارة أخرى، ونتبجح أنها مأخوذة من واقعنا تارة ثالثة..!!
وهكذا دواليك حتى اختلط حابل المبادئ بنابله، وحتى غدت بلادنا سوقا لكل نظام، ولكل مبدأ ولكل فكر..!!
واغلب الظن إنها أفكار عفنة، ومبادئ شريرة، وأنظمة عرجاء لا تصمد في واقع الحقيقة، ولا تصلح للفطرة السليمة، ولا يسعد بها إنسان، واكبر دليل على ذلك هو هذه التعاسة التي تعيشها البشرية والقلق الذي يسيطر عليها، والصرع الذي حل بها، فأن اتجهت في الدنيا فلا ترى إلا ثورات أو حروباُ أو مجاعات، أو خوف حرب متوقع أو ترقب انفجار ذرة لا تبقى ولا تذر.
وأصبحت علب الليل في أكثر عواصم الدنيا متنفساٌ للإنسانية القلقة تفر إليها من واقعها الشقي لتنسى نفسها في اللذة المحرمة والمجون الممجوج.
ولقد غاب الإسلام عن المجتمع اليوم في دنيا الإنسانية عامة، ودنيا المسلمين خاصة، غابت نظمه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغابت فلسفته عن الحياة، فعادت المبادئ تتصارع في غياب الإسلام عن الأرض، فأصبح الناس في الدنيا أو الأقوياء بالأحرى يتناقشون ويتنافسون، من أحسن للبشرية؟ النظام الرأسمالي بحريته الشخصية ورباه واحتكاره مرقعاُ بالعدالة الاجتماعية والهبات والتبرعات وأعمال الجمعيات الخيرية، أم النظام الاشتراكي العلمي، أم الاشتراكية الدولية الأممية؟ أم القومية؟ وسرنا على غير هدى في درب معركتهم، ودخلنا معركة الأفكار وولجنا اصطراع المبادئ بدون سلاح فكري خاص بنا.
وأصبح المفكرون فينا، والكتاب والمؤلفون، يتبارون في عب المؤلفات التي تبحث عن المبادئ، وتشرح الأنظمة، وانقسمت الجماهير وتجاذبتها الأفكار، وعشنا في دوامة فكرية عنيفة.
وهكذا سيطرت الجاهلية وأفكارها ونظمها، وتصارعت أفكارها لإصلاح المجتمع في زعمها، وكل هذه الأنظمة خاطئة، وجمعيها مغلوط وأساسها منهار، وأنظمتها لا تسعد، وحياة الإنسان وظلها شقية، وإلا فمن يفسر لي موجة الانتحار التي تجتاح أوروبا وأمريكا والتي لا تقتصر على طبقة دون طبقة، حتى أصحاب الملايين وأصحاب الدخول المرتفعة ينتحرون مع إن أموالهم تكفل لهم وسائل الحياة الحديثة بكل مشتقاتها وأنواعها....!!
إذن فالأمر لا يتعلق بوسائل العيش الحديثة أو القديمة، وإنما الأمر يتعلق بالإنسان، هذا المخلوق العجيب الذي يتكون بالإضافة إلى المادة في جسمه من غرائز وحاجات عضوية تحتاج إلى إشباع فهي أما أن تشبع بشكل مغلوط مقلق كما هو حادث الآن بالإشباع بواسطة المبدأ الصحيح الذي جاء به خالق الكون والإنسان والحياة، فتحصل السعادة وتستقر النفس الإنسانية:
) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي(
وقضية الملكية هي الموضوع الرئيسي في دنيا الاقتصاد، كيف توزع وما نتائجها؟ وهنا يجب أن يفرق بين كيفية توزيع الثروة، ونبين كيفية تنميتها، فالأول هو ما يطلق عليه النظام الاقتصادي، والثاني هو ما يسمى بعلم الاقتصاد.
والمبادئ الاقتصادية التي تتعلق بوجهة النظر في الحياة ثلاثة:
أولا: النظام الاقتصادي الإسلامي، وهذا موجود في كتاب الله وفي سنة رسول الله وفي كتب الفقه، ويكاد لا يوجد مطبقاٌ تطبيقاٌ على مستوى الدولة في بلاد المسلمين
ثانيا: النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يقوم على أساس فصل الدين عن الحياة، وإباحة الحرية الاقتصادية.
ثالثا: النظام الاشتراكي وهو قائم على أساس التفسير المادي للتاريخ والتطور الحتمي للمادة في زعم فلاسفته وأصحابه، والاشتراكية أنواع: اشتراكية علمية حقيقية، واشتراكية دولة أو الأممية الثالثة.
وبالتالي من دراسة الأنظمة الثلاث يتبين فشل الرأسمالي والاشتراكي ونجاح النظام الإسلامي باعتباره النظام الوحيد الذي تسعد تحت نظمه الإنسانية، وباعتباره النظام الذي أراده الله لهذه الإنسانية المعذبة: فان طبقه الناس حياتياً لهم سعدوا واسعدوا وإلا فان الله غني عن العالمين وستبقى عندها الإنسانية في نزاع وشقاق وصدق الله
سورة البقرة لآية: 137 { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (