تجربة الغربة أصبحت حلماً لكل السوريين بعد أن كانت في قديم الزمان خطوة جريئة يقوم بها طالبي العلم أو محبي الأسفار. اليوم لا يوجد بيت في سورية إلا وله مغترب في مكان ما في الأرض.. والجميع يحسدونه على غربته معتقدين أنه يعيش في النعيم بأحضان الحضارة والرفاهية والتطور التكنولوجي..
هناك سببان جعلاني أشارك في هذه الزاوية اليوم، أولهما رسالة للسوريين الذين يحلمون بأن يجدوا حلولاً سحرية لمشاكلهم في السفر، وثانيهما لأني أحببت موقع سيريانيوز، فهو من البعيد(من كندا) يبدو لي حياً نابضاً بالفاعلية والواقعية، يعرض الأمور بنظرة واقعية لا تحمل التشاؤم والشكوى وبنفس الوقت لا تجعل سوريا تبدو أنها كاملة لا نقص فيها ولا عيب. وأنا أشكر سيريانيوز لأنها تذكرني بسلبيات عشتها عسى أن تخفف عني أشواق الغربة ومعاناتها.. فعندما كنت في سوريا، كنت متلهفة للسفر والآن وأنا هنا أشتاق للعودة ويستمر الحنين بالتلاعب بذاتي لدرجة أنه يعرقلني أحياناً، لكن سيريانيوز تساعدني بتخفيف ذلك الحنين بتسليط الأضواء على الواقع لتذكرني بأنه ما من كمال على الأرض.. وأن الهموم نفسها لأننا نحملها في داخلنا ونمضي بها أينما ذهبنا..
دعوني أشارككم تجربتي في الغربة بكندا.. فسوريا مثل كل بلاد العالم لها مزايا ولها عيوب.. ومن المؤسف في الأمر أننا كبشر لا نشعر بقيمة مانملك إلا عندما نفقده.. وأنا ببعدي الآن عن سوريا أفهم جيداً معنى ذلك.. والواعي هو من يعرف أن البشر هم نفسهم في كل الأرض، والبلاد جميعها تعاني من مشاكل مختلفة، وحيثما نعيش هو المكان الأمثل لنا، وبيدنا جعله جنة أو نار.. الأمر متوقف علينا وعلى الزاوية التي نريد النظر منها.. يبقى أننا في سوريا لا نعاني من مجاعات ولا من كوارث كبيرة.. ونتمتع بمئات الأشياء الرائعة التي نستطيع جعلها مصدر سعادتنا..
الفروق الآن بين الدول أصبحت أقل وأقل بفضل التكنولوجيا والعولمة والاتصالات.. فالطعام واحد ومنتجات الحضارة في متناول الجميع والعالم كله على مرمى يدك في الفضائيات، يبقى لنا أن تقتنع بروعة ما نملك. الآن يتحدثون في العالم عن قوة طاقات الإنسان الداخلية، وعن سحر تأثيره فيما حوله، وعن قدرته على اجتذاب ما يريده في حياته بقوة أفكاره..
بمعنى آخر أصبحت الرحلة الداخلية إلى أعماق نفوسنا أسهل وأفضل من السفر للبعيد في مغامرة غير مضمونة النتائج وربما قد تكفينا محاولة لتغيير مفاهيمنا والتركيز على الايجابيات في حياتنا لنغيرها إلى الأفضل. ويظل ذلك كله أهون من الدخول في متاهات نفسية واجتماعية وحتى اقتصادية مع تجربة السفر والهجرة .. نعم، ففي هذا الزمان مع الأزمة الاقتصادية العالمية كل الدول أصبحت تعاني ومعاناتها تنعكس على قوانينها غير المتعاونة مع الغرباء وعلى سوق العمل فيها..
وربما تكون دول الخليج خير مثال على ذلك.. فبعد أن كان العمل فيها رمزاً لغنى واعد أصبح العمل فيها مصدر رزق وعيش يومي لا أكثر.. وكذلك الأمر في كل الدنيا.. الناس تزايدت بشكل كبير لم تعد معه موارد الأرض والأعمال تكفيهم واستمرار التكنولوجيا باقتحام سوق العمل أدى إلى الاستغناء عن البشر والدائرة المفرغة نفسها في كل مكان..
وتبقى القناعة هي العنصر المفقود في هذه المعادلة التي رغم بساطتها لكنها تبدو عصية على الفهم أحياناً.. لمجرد رغبتنا المستمرة بالحصول على المزيد والاستمرار باللهاث وراء الحياة الاستهلاكية دون توقف التحديات التي على الانسان مواجهتها ازدادت في هذا الزمان، مع كل مثيرات الحواس التي تحيط بنا والملفت أن هذا الطبع الاستهلاكي الجديد واحد لدى كل سكان العالم، فعندما أتجول في الشوارع والأسواق ألاحظ أن الجميع يفكرون بنفس الآلية ويتصرفون بنفس الطريقة، في سورية مثلما في كندا طبعاً أنا لا أنفي أن هناك فروق في مجالات حضارية معينة، لكن الجوهر واحد..
رسالتي لكم اليوم.. أن البشر هم نفسهم في كل مكان والحياة واحدة في كل مكان خاصة في هذا الزمان.. فلماذا لا نعمل على تحسين ظروف معيشتنا والتمتع بمزايا بلادنا ودفئ أقاربنا ومعارفنا..ونوفر على أنفسنا عناء الصدمات والمطبات والإشكالات..
فالحياة اليوم على الأرض أصبحت أكثر صعوبة وحيث أنت فرصتك أكبر من أي مكان آخر في الحياة الأفضل، خاصة أن سوريا تسير قدماً على طريق التطور ومواكبة الحضارة العالمية..
صدقوني.. اسألو مجرب ولا تسألو حكيم..
فانكوفر_ كندا