مما لا شك فيه أن مفهوم الإعلام تطور تطوراً كبيراً لدرجة أنه لم يعد يقتصر على تقديم الأخبار أو على نشر الحقائق والمعلومات بهدف التنوير والإقناع. ولم يعد دوره مقتصراً على التسلية والترفيه، بل اتسع مفهومه وأصبحت مهمته تبدأ بنقل النشاط الإنساني بشقيه المادي والروحي منذ أقدم العصور حتى يومنا هذا.
وأصبح الإعلام القناة الرئيسية لبث أو نشر كل أنواع المعارف والعلوم والآداب والفنون والآراء والمعتقدات، وأصبح مرآة الإنسان المعاصر في تقدمه وازدهاره، أو في تراجعه وتخلفه وعجزه. وغدا الوسيلة الأقوى والأكثر فاعلية في اقتلاع الحواجز بين الأفراد والشعوب والدول وخلق التفاعل بين الأفكار والمعتقدات والأيديولوجيات المختلفة.
إن القضية الإعلامية في سورية تعاني صعوبات حقيقية، وهي مسؤولية جماعية تتطلب البحث من قبل الجميع عن مسؤولياتهم وعن دور كل منهم في معالجتها، لأن ضعف الإعلام وضعف أدواته الإعلامية يبقيه محدود الانتشار، الأمر الذي يجعل تأثيره بطيئاً.
ويفتقد الفعالية الجماهيرية التي من شأنها أن تحدث التغيرات المطلوبة. ولكي يكون للإعلام السوري حضوره الإعلامي، تكون مواقفه وتحليلاته مسموعة على أوسع نطاق، فإنه مطالب بتطوير أدائه، وذلك من خلال الإعداد لمشروع إعلامي متكامل ضمن خطة إعلامية متكاملة يأخذ بالحسبان الانفتاح على الجماهير في تناوله لقضايا الجماهير الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ويرصد معاناتها، ويفضح ما يمارس عليها، وإيجاد حلول لتلك المشاكل تنسجم وطموحات الجماهير وإتاحة الفرصة للرؤى، والتصورات المختلفة، التي تلعب دوراً في جعل الجماهير الشعبية تبلور تصوراتها المختلفة حول مجمل القضايا حتى يتأتى لها معرفة ما يجب عمله، من أجل مواجهة ما يمارس عليها من تضليل إيديولوجي، وسياسي، بسبب ما يمارس عليها من استغلال من أجل أن تتمتع بحقوقها على جميع الأصعدة كما هي في المواثيق الدولية، وفي إطار دولة الحق، والقانون، التي ليست إلا دولة الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.
على الإعلام السوري الخروج على المألوف في التعامل مع الواقع، وذلك من خلال وضع الإصبع على الجرح لإثارة بعض الألم الذي من شأنه أن يحث على الانتباه إليه والبحث عن دواء له. وذلك من خلال الاهتمام الجدي والمتابعة المستمرة لتذليل الصعوبات، ليكون إعلاماً له صوت عال وقوي إلى جانب الحق عبر تشخيصه للخلل والأخطاء والآفات المرضية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، والدعم والمناصرة للمثقفين والمنظمات الإنسانية. وأن يكون منبراً حراً للجميع، ليلعب دوراً أساسياً لبناء حوار حضاري يساهم في استخدام لغة العقل وينبذ التحجر النظري والفكري، ويسعى إلى إفساح المجال للجميع لطرح تصوراتهم وآرائهم ويساهموا في بلورة إعلام وطني يركز على ثوابت الوطنية بكل ذلك التنوع الذي يتميز به وطننا.. لبناء وطن تسوده العدالة وتكافؤ الفرص والمنافسة، وطن قائم على العدل والحرية كثوابت يناضل الجميع من أجل تحقيقها.
إن الإعلام في سورية بحاجة ماسة إلى رؤية جديدة وجريئة للواقع الراهن... إنه بحاجة إلى تجديد مستمر، بحاجة إلى التركيز على معالجة مشكلات الجماهير بحس جديد، يرفع من مستوى الطرح. فالجماهير بحاجة ماسة إلى طرح خطاب إعلامي ناضج وصادق وصارم في موقفه إزاء مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ورفض كل شكل من أشكال الهيمنة وفرض الرأي الواحد... وهي بحاجة إلى إعلام يتبنى طرح خطاب سياسي وثقافي واضح الأهداف، واضح الوسائل، واضح الأساليب.
خطاب قوامه مفاهيم لا كلمات إِنشائية عائمة فضفاضة، وهي بحاجة إلى إعلام يتبنى قضاياها الاقتصادية الاجتماعية، والثقافية، والمدنية والسياسية، يرصد معاناتها، ويفضح ما يمارس عليها، ليدفع بها في اتجاه امتلاك وعيها، لتنخرط في مختلف أشكال النضال السياسي والثقافي والنقابي والحقوقي، من أجل تحسين أوضاعها المادية، المعنوية، حتى تمتلك العزيمة التي تمكنها من فرض احترام حقوقها وتمكنها، لتكون في مستوى التعاطي مع الأحداث المختلفة لتفرض إرادتها من خلال التعاطي مع تلك الأحداث وتتمكن من فرض إرادتها على أرض الواقع. يصير الواقع بذلك متطوراً باستمرار، في مستوياته المختلفة، حتى يتبين المسار، الذي يجب أن يأخذه التطور الحقيقي دون عراقيل تذكر، في اتجاه تحويل التشكيلة الاقتصادية، الاجتماعية، القائمة إلى تشكيلة اقتصادية اجتماعية أرقى.
إننا نتوق إلى إعلام فيه توعية للناس، لتسليحهم بالوعي والثقافة والابتعاد عن الطرح المتكرر للعموميات وتأكيد الجزئيات، لأن العموميات ببساطة تخفي السلبيات التي تحفل بها الجزئيات، إننا نتوق إلى إعلام يلتزم بقضايا الجماهير قولاً، وعملاً، ويوظف القوانين العلمية في التحليل الملموس للواقع الملموس، ويجعل الجماهير يستوعبون نتائج التحليل، التي تجعلهم يمتلكون وعيهم بالواقع الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي، السياسي، مما يجعلهم ينخرطون في عملية بناء الوطن وتطوره لتتحقق بذلك الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.