( لا يمكن أن تكون هناك صداقة بدون ثقة , ولا ثقة بدون صدق )
رصيد البنك المالي هو مبلغ المال الذي من الممكن أن نودعه بأحد البنوك ونبني مخزوناً حيث يمكننا السحب منه عند الحاجة , ورصيدنا من المشاعر الإنسانية هو استعارة نصف مقدار الثقة التي من الممكن أن تكون قد تكونت من العلاقات مع الآخرين أو بمعنى آخر هي مقدار الشعور بالأمان ونحن معهم .
وعندما نقوم بإضافة ودائع إلى هذا الرصيد مثل الأمانة واللطف واللباقة والعطف والمحافظة على العهود التي نقطعها فهذا يعني بأننا نبني رصيداً ومخزوناً إنسانياً وتزداد ثقة الآخرين بنا بحيث نستطيع أن نستدعي هذه الثقة عند الحاجة لها , ويمكن ارتكاب بعض الأخطاء وسيعوضها هذا المستوى من المخزون أو الرصيد العاطفي ولا يمكن أن نصبح بلا قيمة عندهم لمجرد كلمة قلناها , وكلما كان رصيد الثقة كبيراً كلما كان التواصل سهلاً وفعالاً وفوري .
وعلى العكس تماماً كلما ازدادت فظاظتنا ومحاولة السيطرة وفرض الرأي وعدم الاحترام والمبالغة في رد الفعل وخيانة الثقة فبدون شك سيصبح رصيدنا من هذه المشاعر مستنزفاً ويبدأ مستوى الثقة بالانحدار وسنكمل مشوار الحياة مع الشركاء وكأننا نسير في حقل ألغام وسيكون لزاماً علينا أن ننتبه لكل كلمة ووزنها قبل التفوه بها وسنحيى بحالة من التوتر والقلق وفقدان الثقة وستتحكم هذه الحالة بمجمل حياتنا اللاحقة وتكون الملاذ الآمن الذي نحتمي بداخله .
من خلال ما تقدم نجد أنه بدون الحفاظ على رصيد كبير من الثقة والإيداع فيه بشكل مستمر ستتعرض حياتنا للتدهور , وبدلاً من التواصل الإنساني وبناء العلاقات السليمة والغنية المستمرة والتي تسودها روح التسامح والمحبة والعطف والاحترام ستتحول إلى علاقات عدائية ودفاعية وستخلق لدينا حالة من الهروب أو المواجهة و بأشكال متعددة ( لفظية – رفض الحوار – انسحاب عاطفي – شفقة على النفس ) وممكن أن تتطور هذه الحالة إلى ما يشبه الحرب الباردة مع الآخرين .
إذاً ما هي الإيداعات التي من الممكن أن تزيد من رصيدنا العاطفي والإنساني وثقة الآخرين بنا:
1) محاولة فهم الأشخاص : فلا يمكن أن نبني رصيداً لدى شخص ما دون فهمه ودراسة مكنوناته و تكوين فكرة واضحة عن اهتماماته لأنه من الممكن أن يكون ما نعتبره رسالة حياة لنا هي مجرد تفاصيل لديه وما يبدو إيداعاً ونعتبره رصيداً لديه فقد يمثل انسحاباً له لأنه لم يلمس إدراكنا وفهمنا لاهتماماته لذا يجب أن يكون الفهم متبادلاً و ما هو مهماً بالنسبة له يجب أن يكون مهماً بالنسبة لنا وبنفس القدر . على سبيل المثال ( ابني يعشق كرة القدم بينما اهتمامي بها عادي مع ذلك كنت أرافقه إلى الملاعب وسئلت يوماً هل تحب كرة القدم لهذا الحد ؟ فأجبت سائلي ببساطة لا ولكنني أحب ابني .)
2) اللمسات الحانية : فهي مهمة جداً لبناء العلاقات الإنسانية فاللباقة وحسن التصرف والعطف مهمة للغاية في تكوين الرصيد وبناء الثقة , واللامبالاة والاضطهاد والسلوكيات العدوانية تنم عن عدم اللباقة وعدم الاحترام وتترك أثراً عميقاً لدى الآخرين وتؤدي إلى استنزاف الرصيد.
3) الأمانة : وهي بمثابة حجر الزاوية لتكوين الرصيد وهي أرفع أنواع الإيداعات والأمانة الشخصية هي عنوان الثقة وفقدانها يعني بالمطلق فقدان مخزون الثقة وإظهار الأمانة الشخصية تتجلى بعدة طرق منها أن نكون مخلصين للغائبين مما يعني كسبنا لثقة الحاضرين والحفاظ على شخصية سوية ومنسجمة تتمتع بالصدق والتوازن مما يساهم في زيادة الرصيد والتعامل مع الجميع على أساس المبادئ نفسها حيث من الممكن أن نضطر لخوض مواجهات صادقة ترسيخاً لمبدأ الأمانة .
4) الاعتذار: وامتلاك هذه الميزة يتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة و شخصية قوية تتمتع بالأمن وعندما نشعر بأننا بدأنا بالسحب من الرصيد فلا بد لنا من الاعتذار ويجب أن يكون الاعتذار صادقاً ونابعاً من القلب وفوري ويجب ألا يكون بدافع الشفقة وأعظم الإضافات لأرصدتنا تأتي من الكلمات الصادقة .( إن الضعيف هو القاسي , فلا يمكن انتظار الرقة إلا من شخص قوي ) .