مائة يوم على أحداث سوريا، حتى لا نقع في فخ المصطلحات أستغني عن كلمة احتجاجات وثورة إلى ما بعد المقال.
قبل مائة يوم تقريبا نزل إلى الشارع في سوريا شباب ومواطنين سوريين من كل الطوائف والمذاهب يطالبون بالإصلاح السياسي والعدالة الإجتماعية والإقتصادية، وأنا كنت أول المؤيدين لهذه الفئة من الشعب، فمن منا ضد الإصلاح؟ وضد الديمقراطية؟ والعدالة؟؟
لا شك أن لكل حراك شعبي هنالك من يحركه من الداخل أو من الخارج، فبعد أيام معدودة بدأنا نسمع على القنوات الإخبارية أحداث دهم وقتل وترويع وتخريب من قبل المتظاهرين ومن قبل الأمن.
لا شك بأن إختلاف نشر الوقائع بين القنوات جعل الإنسان العربي مرتبك بين تبني فكرة وقصة القناة هذه أو تلك. لكن من من المثقفين الحقيقيين بات يصدق الجزيرة؟
سوف يردون علي بعد قراءة المقال ويقولون، أنني لم آتي على ذكر السوريين الذين قتلوا، أرد ببساطة، بشار الأسد أخطأ، وعليه أن يتدارك الأخطاء وقد اعترف بذلك، عليه محاسبة رجال الأمن الخارجين عن القانون، خطاب الأسد الأخير مقنع، ولكنه لا يشفي الغليل، وأنا مقتنع أنه إذا تنازل عن الحكم سيرفعه الشعب مرة أخرى للحكم كما فعل مع عبد الناصر، فعبد الناصر كان قمعيا أيضا وقد هُزم بشكل مخزي في 67 ومع ذلك سانده المصريون. وبشار الأسد بنظام بطور الإصلاح علينا دعمه لا قتله، ومن أحب جمال عبد الناصر بممانعته وقتله للشيوعيين عليه أن لا يحكم بإزدواجية ويرفض بشار. فما الفرق؟
فروقات بين ثورة مصر وما يجري في سوريا تجعلنا نتراجع عن تعريف ما يجري في سوريا كثورة شعبية:
1- هب إلى الشارع المصري ملايين الناس بشكل سلمي إستمرت سلميته طوال مدة الإعتصام في ميدان التحرير، بينما، هب الى الشارع السوري مئات الآلاف من الناس بشكل سلمي إستمرت سلميته أسبوعين في أماكن عشوائية.
2- تمركز المعتصمين في مصر كان في قلب العاصمة المصرية القاهرة وفي أكبر المدن في مصر، بينما سوريا تبقى إحتجاجاتها محصورة في المناطق الحدودية ويغيب عن دمشق أي مظهر إحتجاجي.
3- قام الشباب الثائر في مصر بإعلان إئتلاف سمي "إئتلاف ثورة 25يناير"، ووضحوا فيه أسباب الثورة والمطالب ووضعوا فيه خطة التحرك ما بعد سقوط النظام، أما المحتجون في سوريا فلم نسمع ما يجمعهم حتى الآن لا بإئتلاف ولا بغيره، لا نسمع سوى محللين على بعض القنوات. فما النظام القادم؟ من يتحدث بإسم الثوار؟ ما هو موقفهم من المقاومة والممانعة وإسرائيل؟
4- التدخل الأجنبي في مصر كان متزعزعا ومبهما، وقد لاحظنا هذا في خطابات أوباما وعدم تطبيق السياسة كما يتحدث بها، أما في سوريا، فنسمع بين الحين والآخر من كلينتون والإسرائيليين ما يلي: "لن تنعم سوريا بالهدوء إلا بعد قطع علاقتها بحزب الله وإيران", "أمريكا وإسرائيل دعمتا المعارضة ماديا وعسكريا", "لسنا خائفين مما بعد ثورة سوريا" وإلخ من الجمل والتصريحات.
5- كانت نخبة المثقفين والفنانين في مصر داعمة بشكل مباشر للثورة المصرية وقد لاحظنا هذا من التصريحات وحتى أن بعضهم نزل إلى الميدان، أما في سوريا فنلاحظ أن أغلب المثقفين والفنانين يدعمون النظام السوري وبشار الأسد.
5- لم نشهد في مصر مظاهرات تأييد للنظام تعدت الآلاف، لكننا لاحظنا مظاهرات تأييد لنظام الأسد تعدت الملايين.
6- إعلان من أحزاب وتيارات خارجية وإعترافها بتمويل المعارضين السوريين بالسلاح، مما لم نلاحظ أي قطعة سلاح في مصر.
7- الجيش المصري وقف مع الشعب المصري أمام النظام، أما الجيش السوري فيقف إلى جانب النظام.
ثمان نقاط، لا أقول أنها تقنع، لكنها تحتاج إلى التدقيق والدراسة والفحص.
لعبة أمريكا والقنوات الإعلامية في إقناع الشارع العربي:
لاحظنا طوال فترة الثورة المصرية والتونسية، دور الإعلام العربي عموما والجزيرة خاصة، بتغطية الأحداث والوقوف إلى جانب الشعب في كل الحالات، حيث أطلق على الجزيرة "قناة الشعب".
ما قامت به هذه القنوات هي لعبة متقنة فعلتها بإمتياز، فإقناع الشارع العربي بوقوف الجزيرة إلى جانب الشعب سوف يواكب كل حدث سيجري في الشرق الأوسط، حيث أن دعم الجزيرة للشعب في مصر وتونس وليبيا سيؤدي حتميا إلى دعم الشعب في سوريا، وهذا ما أرادته أمريكا، أن تأتي أحداث سوريا متماشيةً مع الأحداث الجارية، فإذا أتت أحداث سوريا فجأة لكانت الأمور قد انكشفت وانكشف موقف القنوات الزائف.
وكذلك فعلت أمريكا بمواقفها، بوقوفها مع الشعوب في كل الأحداث، فهكذا فعلت في سوريا حتى تقنعنا بأنها تدعم الحريات في كل الدول ليس فقط في سوريا.
لماذا لا يقتنع العرب بوجود مؤامرة؟
الجواب واضح وصريح، عقدة نقص، يظن العربي أن بتبنيه نظرية المؤامرة سيثير ضحك الآخرين، لذا فهو يجبر نفسه على عدم تبني فكرة المؤامرة، بل يريد أن يقلد الغرب وأن يكون إنسانا إصطناعيا، يدعم بما معناه الديمقراطية وحرية الشعوب والعدالة، ويتغاضى عن فكرة المؤامرة لما فيها من فزاعة يريدون بها التخلي عن أفكارهم التي يعتقدون أنها متخلفة، فهو لا يقتنع بوجودها لأنه لا يريد ذلك، لأنه يريد أن يكون إنسانيا عادلا ويضع نفسه في محور البحث عن العدالة.
ولكنه نسي هذا العربي أن هنالك من تهمه الديمقراطية أكثر منه، وأنه حريص على العدالة أكثر من أي شخص آخر، فلا نريد مزايدات من أحد، فليس هنالك من هو حريص على الديمقراطية أكثر منا. لكن الوعي والإدراك السياسي والحس الوطني يكمن في جوهر هذه الجملة: "أن نكون مصلحين ومقاومين، لا مصلحجيين ومقاولين".
فإثبات وطنية الإنسان العربي هو بتبني النهج الممانع السليم ودعم الإصلاح الداخلي. فما قام به بشار الأسد حتى الآن من إصلاحات يستحق التأني والإنتظار، إلغاء قانون الطوارئ سريعا هو أحد أشكال هذا الإصلاح ما لم يفعله أي رئيس عربي في الثورات الحاصلة.
لماذا الإحتمال الأكبر هو وجود مؤامرة؟
يتوجب علينا دائما أن نشير إلى وجود فئة من الشعب تطالب بالإصلاح أو بإسقاط النظام إذا أردتم، ولكن هنالك أسئلة تطرح أيضا تدعو إلى وقفة صارمة وحازمة:
1-كيف يفسر داعمو "الثورة"، مقتل عدد كبير من رجال الأمن والجيش في سوريا؟
2- لماذا تنحصر المظاهرات في المناطق الحدودية، ولا تتعمق للداخل والمحافظات الكبرى؟
3- بماذا يفسر داعمو "الثورة" ملايين المؤيدين لنظام بشار؟
4- بماذا يفسر الداعمون صور ووثائق ناصر قنديل، صور الشيكات للمعارضين من قبل أطراف لبنانية؟
5- بماذا يفسرون تصريح بعض المعارضين بأنه مستعد لتمويل خارجي من أمريكا وإسرائيل للإطاحة بنظام الأسد؟
6- هل يستطيع المتظاهرون في سوريا تنظيم جمعة بعنوان "جمعة فلسطين" أو جمعة"المقاومة"؟
7- كيف يفسرون ظهور جماعات تيار المستقبل على التلفاز والملثمين وتهديد النظام السوري؟
8- كيف يفسرون تصريح وإعتراف عقاب صقر (المستشار السياسي للحريري في تيار المستقبل) بأنه مول المعارضة السورية؟
ما الذي يريده هؤلاء؟ تدخل الناتو؟ أردوغان؟ باراك؟
هل طرح أحدهم هذه الأسئلة؟ أظن أنها أسئلة تستحق الرد، وأرجو الرد الصريح والمباشر كما كنت الأسئلة صريحة ومباشرة.
ما بعد الثورة، كيف ستكون وجهة النظام السوري بعد الثورة المدعاة؟ هل يريد معارضو النظام ليبيا جديدة في الشرق الأوسط؟ هل يريدون قصفا جويا من الناتو؟ هل يريدون عقوبات مجلس الأمن؟ هل يريدون محور سعودي حريري سوري أم محور إيراني حزب الله سوري؟ هل يريدون شاها جديدا في سوريا؟ هل يفهم هؤلاء ويفقهون أكثر من ميشيل عون ورفيق نصر الله وناصر قنديل الذين رضعوا السياسة منذ صغرهم؟ هل يتمتعون بالوطنية أكثر منهم؟
كلي ثقة بأن ما كتبته لن يجدي نفعا، لأن إقناع هؤلاء من المستحيلات، فهم يحكمون العاطفة وليس العقل، كالمخدر تماما، لكن رسالتي للمتعقلين.. وعذرا ماركس: أمريكا أفيون الشعوب.