news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
بالجزر وحده لا تتغير الأخلاق...بقلم:حسين علي موسى

عندما قرأت كتاب كليلة ودمنة لابن المقفّع أول مرة ومنذ عشرين عاماً ، شعرت بمتعة قلّ نظيرها ،  واليوم وعندما بدأت كتابة هذا المقال ،رحت أبحث عن قصة قد تكون سنداً لي في مقالي ، ولكنني أعترف بأنني فشلت في أن أجد قصة من هذا الكتاب تغازل أفكاري التي سأطرحها ، فقررت وبكلّ تواضع أن أكتب قصة ربما لا ترتقي إلى قصص كليلة ودمنة إلا أنها تناسب مقالي هذا ، فكانت القصة ،وإليكم السرد :


قرّر ملك الغابة للخروج من حالته النفسية المستعصية أو ربما لمرض جعله يشعر بالضعف ، أن تلتقي الحيوانات القوية بالحيوانات  الضعيفة ولمدة ساعة واحدة ،علّ أحدهما يقنع الآخر بأخلاقياته وسلوكه،فراح كل حيوان قوي يختار الحيوان الضعيف والمناسب ليتحاور معه ،ولمّا كان ملك الغابة يعرف الأرنب عظمة عظمة ،وقطعة قطعة فكان قراره  أن يكون جليسه على طاولة الحوار.

ومنذ اللحظة التي سمع فيها الأرنب الخبر ارتعد وأصابته القشعريرة ، وسهر طول الليل وهو يفكّر بطريقة يجعل فيها ملك الغابة يغيّر سلوكه وأخلاقياته ، فلم يجد وبعد طول تفكير ،إلا أن يقنع ملك الغابة بأن يغيّر نظامه الغذائي ويصبح فطوره وغداه وعشاه وجبة من الجزر ،وبذلك يبتعد ملك الغابة عن أكل اللحوم لأنها وحسب وصف الأرنب تزيد نسبة الكلسترول بالدم وتؤدي إلى تصلب الشرايين وربما الموت .

عندما وصل الأرنب إلى المكان ، كان ملك الغابة بانتظاره ، وكانت القشعريرة بادية على سنتيه الأماميتين ، وربما ارتفع الأدرينالين وبشكل غير مألوف عند رؤيته للملك ، إلا أن ملك الغابة وبحنكته وهدوءه ، جعله يسترخي بعض الشيء فخاطبه قائلاً: هدئ من روعك فنحن الآن أصدقاء ولمدة ساعة فقط فلا تضيّع الوقت وهات ما عندك .

فراح الأرنب يتحدث وهو يحمل كيساً من الجزر عن النظام الغذائي الجديد ، محاولاً أن يقنع ملك الغابة والصديق المؤقت بأن للجزر فوائد لا تعد ولا تحصى بما في ذلك الكاروتين الموجود فيه وتأثيره على النظر ، إلا أن الأرنب وكعادة الحيوان الضعيف   ( ما بينعطى  وش ) ، استفاض في الحديث حتى مضت الساعة ولم ينتبه لذلك .

عند ها تدخل الصديق المؤقت ولمدة الخمس دقائق المتبقية ، لقد اقتنعت بكلامك أيها الأرنب عن فوائد الجزر ومضار اللحوم ، إلا أنني أقسمت في هذه الساعة أن لا أتناول طعام غيري تحت أي ظرف ، لذا فما عليك في هذه الدقائق المتبقية إلا تناول كل ما لديك من الجزر لأنك بذلت جهداً كبيراً لإقناعي  ، وأريد أن أراك بصحة جيدة .

 فقام الأرنب بأكل الجزر وهو يقول : يا هيك الأصدقاء يا بلا ، حتى أنه لم يترك ولا جزرة وعندما انتهى قال ملك الغابة : لقد انتهى الوقت ،و انتهى كل شيء ، فوثب ملك الغابة على الأرنب والتهمه بلمح البصر وهو يقول :أنا أكثر الحيوانات التي تعرف فوائد الجزر ولولا ذلك لم أفكر بأكل الأرانب أبداً ، فعلاً (ما بتنعطوا وش ).

دائماً وبعد كل قصة لابد من طرح مجموعة من الأسئلة ؟

هل يستطيع الأرنب أن يكون إلا أخلاقياً ؟

هل يمكن في يوم من الأيام أن يصبح ملك الغابة أخلاقياً وتحت أي ظرف (نفسي ، جسدي ، . . . ) ؟

هل الأخلاق بالنسبة للأرانب أن لا يوجد حيوان مفترس ؟

هل الأخلاق بالنسبة للحيوان المفترس أن تطول أنيابه وأظافره ليصبح أكثر افتراساً؟

هل يمكن للحيوان المفترس أن يحذف من  قانونه ،ولاسيما المادة الأولى منه والتي تنصّ بشرعية افتراس الحيوان الضعيف ؟

فإذا كانت الأخلاق هي التزام وضبط فأين الأرنب الضعيف من ذلك ، فهو أبعد عن الأخلاق .

 ويمكن قول العكس، أن الأرنب الضعيف أميل للتسلّح بالأخلاق ،لأن الأخلاق التزام والضعيف أخضع للالتزام .

وقد يكون الفقر والعذاب والعجز طريقاً لأخلاق سامية ،وبالتالي القوة والغنى والصحة من أسباب الرزيلة .

 أو لنقل أن الأقوياء أميل للتسلح بالأخلاق نتيجة لامتلاكهم القدرة على الالتزام ، ومصالحهم تستدعي ذلك .

وربما أقدر على الهروب منها ورفضها لأنهم يملكون الجرأة على رفضها ،ولا يخشون أي تبعات لذلك .

و الضعيف يمكن أن يكون رمزاً للأخلاق لأنه يخاف أو  لا يستطيع فعل غير ذلك ،كما يمكن أن يكون رمزاً للرزيلة لأنه لم يعد يملك شيء ليخسره .

إذن ليس هناك قانون ثابت للأخلاق ، بل يمكن أن يتغيّر  نتيجة لظرفٍ أو مرضٍ ،فالأخلاق التي جاءت من الماضي لم تعد صالحة ليومنا هذا ، والدليل ما وصلنا إليه اليوم .

إن الثابت الوحيد في هذا الكون هو القوة وبالقوة وحدها تتغيّر الأخلاق .

الجزر وحده لا يكفي  .

20/10/2010

2010-11-04
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)