مع التطور الصناعي و التقني الذي يشهده العالم في الصناعات الغذائية ، بدأت الحكومات العربية في السنوات الخمسة الماضية بالتوجه لسن قوانين جديدة لتنظيم صناعة لحوم الدواجن من خلال فرض إقامة مسالخ دجاج آلية بدلا من محلات بيع الدجاج العشوائية..
و ذلك لضمان نظافة الإنتاج والتعبئة و السيطرة على معالجة المخلفات السائلة و الصلبة التي تسبب انتشار الكثير من الأمراض المعدية التي تضر بالبيئة والصحة العامة ، و كذلك للتحكم بحركة السوق باعتبار الدجاج مصدر رخيص للبروتين و أحد عناصر الأمن الغذائي .
ومع الانتقال للمسالخ الآلية أصبح الإنتاج الساعي من لحم الدجاج كبير جدا ولا يمكن مقارنته بالإنتاج اليدوي سواء محليا أو عالميا ، ولكن بقي الذبح في جميع المسالخ الآلية في الوطن العربي يدويا تماشيا مع الفتاوى الشرعية التي كانت تطبق على أصحاب محلات بيع الدجاج ، وهنا يجب علينا الوقوف وقفة علمية وشرعية حازمة للاختيار بين الذبح الآلي والذبح اليدوي.
و نستطيع تلخيص الخلاف الشرعي في مسألة ذبح الدجاج في أربع نقاط هي :
- استقبال القبلة أثناء الذبح
– البسملة قبل الذبح ( ذكر اسم الله عز وجل (
– التخدير الكهربائي قبل الذبح
– الذبح يدوي أم آلي
فالتوجه للقبلة يمكن حله أثناء التخطيط لبناء المسلخ الآلي ، و البسملة يمكن أن تحل بتكليف عامل مسلم للتكبير أثناء الذبح، كما يجوز ذبح فوج من الدجاج ببسملة واحدة حسب رأي بعض العلماء
فيبقى محور مقالي هذا في السؤال عن شرعية التخدير الكهربائي قبل الذبح ؟ و مدى استيفاء الذبح اليدوي للشروط الشرعية في المسالخ الآلية ؟
فالدجاج الحي يدخل إلى قسم الذبح في المسلخ الآلي معلقا على خط الإنتاج ، ثم يمر خط الإنتاج أمام عامل يحمل بيده سكين الذبح ليقوم بذبح الدجاج ، و لكن أثناء العمل يتعرض هذا العامل للتعب أو الخطأ.
و الأخطاء في الذبح اليدوي تأتي بسبب حركة الدجاج الناتجة عن الخوف ، أو فشل السكين في قطع الودجين أو عدم قطع مجرى التنفس .... مما يؤدي لعدم الدقة في عملية الذبح، فبعد المعاينة الميدانية لمجموعة من المسالخ في كثير من الدول العربية وبعد نهاية يوم عمل كامل تم فيه إنتاج عشرات الآلاف من الدجاج يتبين للباحث وجود مئات من رؤوس الدجاج المقطوعة المتجمعة في حوض الدم ،هذه الرؤوس المقطوعة بهذا الشكل تعني انفصال حبل العصب الشوكي عن الدماغ أثناء الذبح , مما يؤدي إلى توقف القلب عن ضخ الدم الأمر الذي يؤدي لعدم خروج الدم بشكل جيد أو الاختناق .
حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به........ الآية 3 سورة المائدة
وللأسف فإن هذه الأخطاء دائمة وكثيرة الحدوث ولكن يعمد القائمون على إدارة المسالخ بإخفاء ذلك عن اللجان الفاحصة، وذلك لضمان إعطاء المسلخ الحق في وضع شعار( ذبح حلال) على المنتج .
ويخفى عن اللجنة أثناء الزيارة أن هناك نسبة لا بأس بها من الدجاج يتم فيها فصل الرأس عن الجسد أثناء الذبح اليدوي بسبب السرعة أو الخطأ , ومن ثم تدخل هذه الدجاجات المنزوعة الرؤوس ضمن خط سير الإنتاج لتذهب فيما بعد إلى السوق .
أما في الذبح الآلي فإن نسبة الخطأ في هذا الأمر معدومة لأن الآلة مصممة خصيصا لتقوم بعملية الذبح بالشكل الصحيح وبدقة متناهية من الوريد إلى الوريد وذلك بفضل توضع السكين الآلية بالشكل الصحيح من جهة وتثبيت رأس الدجاجة أثناء الذبح من جهة ثانية .
وإن التخدير بالتيار الكهربائي المنخفض الجهد ،يعتبر علميا وعمليا غير مميت وتكمن أهميته في التقليل من حركة الدجاج أمام الذبح و تقليل التوتر العصبي الناتج عن الخوف ،مع العلم بأن التوتر العصبي يؤثر سلبا على جودة اللحم من جهة، ويؤدي إلى عدم خروج الدم بشكل جيد من نهايات الأجنحة من جهة ثانية ، وذلك لأن الخوف عند الدجاج يدفعه لأن يرفرف بأجنحته بسرعة فتتكسر الأجنحة بنسبة 75% وهذا ما يعيق تفريغ الدم منها، أما التخدير الكهربائي فلا يسبب تكسير في الأجنحة .
وللعلم فإن نسبة الدجاج المستورد إلى الدجاج المحلى في دول الخليج تصل إلى أكثر من 45%، أي 1000 مليون (مليار) دجاجة في السنة، كلها تأتي من دول غير مسلمة تعتمد على التخدير الكهربائي قبل الذبح ، و يبقى شعار ( ذبح حلال) هو شعار تسويقي ربحي بعيد عن مصلحة الذابح والمذبوح، والآكل والمأكول.
ولذلك فإننا كمستهلكين للحوم الدجاج وكمصنعين لها نحتاج من أصحاب الفتوى والعلم أن يمدونا بتشريع فقهي علمي يراعي كل ما ذكرناه سابقا و يوقف فوضى الفتاوى اليومية ويتواءم مع عصر عولمة الإنتاج .
مهند مصطفى خضير
مهندس مشاريع صناعية و تصنيع غذائي