لازلت أذكر الجلسة التي صارحت فيها أحد أعز الأصدقاء المقربين بأنني أشعر بالأسى على نفسي لأنني لا أعي معنى الوطنية، ولم أشعر يوما بالانتماء للوطن.. مشاعر كنت أفتقدها منذ نعومة أظافري، فلم يكن علم بلادي يعني لي شيئا أو حتى "ريحة بلادي" كما يقولون... كانت هذه إحدى المناطق المظلمة من شخصيتي.
لكنني أذكر تماما يوم الرابع عشر من تموز عندما بدأت مشاعر الوطنية تنبض داخلي، لقد طرت فرحا عندما أحسست بهذه المشاعر التي تفوق أي مشاعر أخرى. لقد عرفت السبب، فأنا اليوم لدي قضية وطنية أجاهر بالدفاع عنها، فأنا أبحث عن سوريا أجمل..سوريا أرقى بكثير مما هي عليه في السابق، سوريا فقط..بدون ألقاب ورموز وأفراد ملحقة بها..
شعور غريب انتابني عندما بدأت بالتعبير عن رأيي لأول مرة علانية على مواقع التواصل الاجتماعي. لقد كانت يداي ترتعشان، وأذكر أنني عدلت التعليق أكثر من مرة... ومازلت حتى الآن، ومع كل عبارة أكتبها، أسمع عبارات "هدي..." "خفف العيار يا رامي..." "دير بالك..." "يا رامي مالنا قدن..."! أبي وأمي من جهة، أقاربي وأصدقائي من جهة، وزوجتي من جهة أخرى... وكأنني أصبحت فردا من أفراد القاعدة، أو بدأت بعبادة الشيطان، لمجرد أنني جاهرت بحقيقة ما بداخلي، وبأبسط وسيلة متوفرة.
ومنذ أن بدأت "ثورتي الفايسبوكية" كما يسميها البعض...طبعا لم أسلم من الشتائم، فهناك من نعتني بالغباء وآخرون كتبوا تعليقا غريبا من نوعه "يا سيد رامي أنت واحد حقير وواطي..يا كلب" وغيرها من التعليقات الرنانة، عداك عن تناقص عدد "الآصدقاء" بشكل ملحوظ ومتسارع. وكل هذا لأنني كنت مختلفا عنهم بالرأي، بصرف النظر عن طبيعة رأيي وانحيازاته، وكنت بنظر الكثير من "العقلاء" من المغرر بهم، وكنت أداة غير مباشرة لتسيير المخطط الجهنمي ضد البلاد.
حاولت أن أصمت.. وفكرت مرارا بحذف حسابي من الفايسبوك إرضاء لزوجتي وأهلي.. لكنني لم أستطع.. ببساطة لم يعد بإمكاني السكوت عن الأخطاء التي يستطيع الأطفال إدراكها قبل الكبار. المخجل في الموضوع أن شعبنا بات مقسوما بتحيز تام، وكأنها معركة بين طرفين كل فريق يدافع عن نظرياته. لكن المسألة ليست كذلك، المسألة هي مسألة حق مغتصب منذ زمن، وحقك بالتعبير عن رأيك لا يملك أحد الحق في انتزاعه منك، فمن حقي أن أؤيد الرئيس كما هو حق أن أنتقده، ومن حقي أن أبارك للأمن أفعالهم في درعا، كما من حقي شجب الاعتقال والقتل على يد رجال الأمن أنفسهم... لكن ليس من حقي أن أضع يدي على فمك وأسكتك...
ما يمكن أن أراه بعين مجردة من أي انتماءات لأي طرف كان، هو أن حقي هذا مغتصب منذ عشرات السنين، ومن اغتصبه هم أنفسهم من يمارسون طقوسا يفترضونها دفاعا عن المصلحة العليا للبلاد، لكن المصلحة العليا للبلاد هو قرار الشعب، فإن أراد الشعب الرئيس فهو قرار الوطن أجمع، وإن أراد الشعب التطبيع مع إسرائيل فهو قراره أيضا.. لكن كيف يمكن للشعب أن يقرر وهو شعب أخرس.
عذرا أماه وأبتاه.. عذرا من زوجتي وأقربائي وأصدقائي..فأنا لن أستطيع التوقف عن الكلام.. لأنني اكتسبت الشعور بالوطن، ولا أريد أن أخسره بعد الآن.. لكل منا أولوياته في هذه الحياة، وقد بت أدرك أولوياتي تماما.. فهي ليست منزلا وحياة رغيدة، وليست الشهادة في سبيل الله أيضا.. إنه الشعور بالرضا عن النفس، أريد أن أعيش وأموت وأنا راض عن نفسي...