كلمات تتناثر بين أصابعي تبحث عن وحي من الموتى ، بعد انتهاء الحياة ، فأمتي كلها أموات بشتى أنواع الموت المختلفة التي رغم اختلافها لكن نتاجها واحد فأي كان نوع الموت يعني إن هذا الإنسان لم يعد قادرا على تقديم ما يفيد للمجتمع و لم تعد هناك من فائدة مرجوة منه فقد قدم كل ما يمكن تقديمه ورحل،فعلينا معرفة طرق الموت المختلفة لنعرف إياها سنختار و نفضل لو كان لنا الخيار.
الموت السريع: الموت بقصف أمريكي- إسرائيلي - مذابح جماعية فرنسية - إغراق سفينة - تفجير طائرة مدنية - لغم - رصاصة أو بأي وسيلة حربية معروفة الهوية استخدمها عدو أو حاكم ليخرس صوت الحرية،فإن بدا هذا الموت لمتعبد قال (رحماك يا ربي إن كانت هذه دنياك فما الذي سنلقاه يوم لقاك).
الموت البطيء الهادئ: ترى الموت قادما مختالا- كمشي غانية تتجه لبيت خليل ليلتها واثقة من نفسها وهادئة لكيلا يشعر بها جيرانه – فيأتي الموت البطيء بدعوى من الفقر والجوع كما في الصومال وأقاليم السودان أو بنقص الدواء والغذاء في غزة أو العراق وقد يحتار ملك الموت أياً من أفراد الأسرة سيختار فإن اختار أحد الأبوين قد يكون بمثابة قتل الجميع وإن اختار أحد الأبناء ليس بالأمر اليسير أن تطفئ شمعة أمل لعائلة وهو بمثابة قتل الأبوين معا .
و عندما يموت الفقراء بين أهلهم ووطنهم وبين شعبهم وبين كل الأثرياء يصبح الموت أطول وأطول ويسأل ملك الموت (ما سبب كل هذا العناء فلا عدو يقتل ولا جفاف والخير يملأ البلاد ,فلولا أمر ربي لما أطلت العذاب ولا رضيت هذا الموت لهم حتى لو كان عقاب).
الموت الهمجي: مر على أمتي عصور ذهبية براقة لمعت في التاريخ تبعها ما يسمى بعصر الانحطاط ،وتبعه عصر انحطاط الانحطاط أو ما سمي بعصر النهضة، ثم عصر انحطاط انحطاط الانحطاط وكأننا غرقنا ووصلنا للقاع فبدلا من الارتداد والصعود للسطح حفرنا، وحاولنا أن نقنع أنفسنا أن هذا هو الطريق الوحيد وخيارنا الإستراتيجي.
يأتينا الموت الهمجي كلما ظهر أناس أرادوا أن يقوموا بدور الله في حساب الناس ،فالموت الهمجي طائفي أو قبلي بالدرجة الأولى وعنصري بشكله العام ،يسخره بعض أفراد المجتمع ليتزعموا البسطاء ويستغلوهم وقد يستغل البعض الموت الهمجي لا لقناعة منهم بالطائفية أو بالقبلية ولكن بسبب غيرة أو شعور بالقصور، فيصبح الموت الهمجي أداة بأيديهم ويصبح الموت لعبتهم وسلاحهم ليحرق كل آمال الناس وينهي عمل العقل فيقضي على المواطنة ويبني وطن الحطام.
الموت الناعم الحنون تغلب صفة الموت الحنون أو الناعم على النساء ،فتموت النساء إما حسرة على أبنائهن أو أزواجهن وخاصة إن ابتلاهم الموت البطيء، وفي بعض الأحيان يكون بصبرهم على موت عزيز لهن عبر الموت السريع،مما يجعل الموت بين أيديهن أحجية ليس لها حل ،وقد يكون بنكران فضلهم على الأوطان كالقول في وصف المقاومين أنهم رجال أو المقاومات أخوة رجال علما أنه ما استطاع رجلٌ أن يقاوم أو يستشهد أو يقف موقف حق تجاه ظالم ما لم يثق أن نساؤه يستطعن القيام بدورهن ودوره في الحياة وتربية الأطفال وتأمين سبل العيش لهم وخاصة في الحرب والمجاعات والفقر ،فيكون الرجل شهيد ساعة والمرأة شهيدة كل ساعة.
الموت ناعما :عندما نتمنى الذكورة للمولود الأنثى، فهي مرفوضة قبل أن تأتي، والحياة التي أتت بها لم نطلبها لها ويستمر الموت الناعم عندما تقتل الأنثى بإدعاء الشرف ويسعد الجميع بقتلها، بينما الكل يشجعها على الخطأ، تارة بحرمانها من العلم وتارة بحرمانها من العمل وتارة بإغلاق كل الأبواب في وجهها وبتشجيع الذكور على الخطأ واعتباره أمرا طبيعيا ويتناسى الجميع أنه لا زاني دون زانية ولا زانية دون زاني ولكن الأعراف والقوانين ربطت الشرف بالمرأة لتحافظ عليه واعتبرت أن الرجال دون شرف فلا يستوجب الدفاع عن مالا يملكونه.
ولا ينحصر الموت الناعم بالنساء فقط، فكل من مات دون أن يشعر الناس به فموته ناعم ، كالعجوز المنسي من أهله والفقير المنسي من مجتمعه والعاجز عندما يتمنى أهله الخلاص منه في قلبهم حتى لو لم يتجرؤوا على قولها ليس خوفا منه ولكن من الإحراج أمام الناس واليتيم الذي لا يجد أحد يرعاه فعلا وليس شكلا وهذا ما يجعل هذا الموت موتا لئيما ويتشارك مع الموت البطيء بعض الشيء.
الميت الحي وهنا لا أقصد الشهداء فأنا لا أكتب بعيداً عن التعريف الديني أو الشرعي فلهذا الفكر أهله وهم أدرى به .
ويعتبر الميت الحي: نوعا جزئيا من الحياة ،وهو كل من كان سببا بالموت السريع - البطيء - الهمجي - الناعم وقد يسمى بالموت المتحضر ، فهو ليس سببا مباشرا للموت بالضرورة ولكن قد يكون سببا بالتعدي كسلب مقومات الحياة لشعب ما من أجل حصول شعب آخر على الرفاهية أو الحياة الكريمة .
فيموت الشعب المسلوب موتا بطيئا أو سريعا ويموت الشعب السالب أو المرفه موتا حيا أو موتا متحضرا فالمواطن هناك يحيا حياة مرفهة ولا يحمل سلاح ولا يرى موت الآخرين إلا كشريط إخباري لا يعي أنه فاعله أو لا يكترث لما يحدث .
هذا النوع من الموت لا يشترط اختلاف الجنسية فالكثير من أهل الوطن الواحد لا يكترثون بموت الآخرين وقد يكونوا سببا مباشر أو غير مباشر لموتهم. الموت المتحضر لا يصيب الشعب أو الشخص السالب فقط ،بل يصيب من يستطيع الدفاع عن حقوق المسلوبين أومن يستطيع تخفيف الظلم عنهم ولكنه يبقى متفرجا منتظرا النهاية ، إما لمصلحة خاصة به فيكون شريك السالبين أو إهمال وعدم اكتراث و جهلا بما يمكنه فعله، فيحمل الضحية ذنب موتها وينسى أن ينظر في المرآة ليتعرف على أحد الجلادين.
إن لم يخب ظني من لم يمت بأنواع الموت الأربع الأولى مات بخامسها . هذه هي أنواع الموت التي عرفتها من مولدي لمشيبي، قد أكون قد أغفلت شيئا منها سهوا مني أو عمدا لا يهم إن كان هناك أحد يكترث ، فأنا لست سوى واحدا من أولئك الأموات ينتظرني قبر صغير بأرض غريبة لتحيط به الغربان .