news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
وحيد القرن ...بقلم : سلام الجندي

وحيد القرن مسرحية فرنسية للكاتب سامويل بيكيت..

قرأتها من زمان طويل، واليوم عندما وقعت عيني عليها من جديد شعرت بوقعها في نفسي أشد من الماضي، لأنها تصور واقعنا أصدق تصوير وتطرح تساؤلاً جوهرياً ليس من السهل تجاهله.. ورغم أن جوابه شخصي جداً ونسبي جداً إلا أنه يتوقف عليه مصير البشرية بكاملها.


المسرحية تحكي قصة مدينة عاشت تجربة غريبة.. دخلها وحيد قرن ذو صفات غريبة وبدخوله هذه المدينة تغيرت حال الناس فيها..ووجد الناس أنفسهم يتحولون إلى شكل وحيد القرن بمجرد خروجهم إلى الشارع. وبدأت هذه الظاهرة الغريبة تثير الرعب في النفوس, وبنفس الوقت أخذت ردود أفعالهم تتباين تجاه فكرة النزول إلى الشارع.. بعضهم تردد وخاف.. وبعضهم استهتر بالموضوع وجازف بالخروج من منزله ليرى النتيجة.

وشيئاً فشيئاً امتلآ الشارع بوحيدي القرن الهائجين, والنتيجة كانت سؤال وجودي يطرح نفسه أمام الجميع: هل أبقى في بيتي مغلقاً الأبواب على نفسي ومحافظاً على إنسانيتي أم أنزل إلى الشارع وأصبح مثل الآلاف هناك.. حاول بعضهم المقاومة وبعضهم الآخر وجد أنه لا فائدة من السير عكس التيار، فلابد في النهاية من الاستسلام. إذ كيف نستطيع العيش دون الآخرين في وحدة قاتلة! ما فائدة المحافظة على إنسانيتنا في حين أن الجميع من حولنا تحولوا إلى وحيد قرن..

ورغم أن الحياة بطريقة وحيد القرن ليست كنوعية الحياة كبشر، إلا أننا سنكون مع الجماعة نفعل مايفعلون ونأكل ما يأكلون ونكون مثلما يكونون.. ولا داعي لفلسفة الأمور وتصعيب العبور.. كل ما علينا فعله هو فتح الباب والالتحاق بالجمهور ومن ثم إلغاء الشعور لنعيش بحبور مع وحيد القرن المسحور..

وبالفعل ينزل كل أهل المدينة للشارع متخلين عن إنسانيتهم لصالح الجماعة لأن الاستسلام أسهل من المقاومة ولأن التبعية أهون من القيادة ولأن طريق النزول أريح من طريق الصعود..

 

بطل هذه المسرحية رجل عادي، مثل الجميع رأى ما حصل من حوله، ومثل الجميع تردد لبرهة، لكنه لم يستطع أن يتقبل فكرة تخليه عن إنسانيته بأي شكل من الأشكال، لم يستطع أن يتصور نفسه يهبط إلى مستوى حيوان بعد أن كرّمه الله وفضله على كثير ممن خلق..هل يقبل النسر أن يعيش كدودة تزحف على الأرض.. وهل يقبل الأسد  الملك أن يتحول إلى ضبع وضيع تابع..

بطلنا هنا حاول جاهداً إقناع كل من حوله بعدم التخلي عن النفخة الإلهية فيهم لمجرد أن يتبعوا الوحش الخائر.. وبعد أن باءت كل جهوده بالفشل، وجد نفسه وحيداً.. لكنه وسط هذا الوضع اليائس وأمام هذا التحدي الرهيب.. قرر عدم النزول إلى الشارع حتى ولو بقي الإنسان الوحيد في هذه المدينة، حتى ولو وصل به الأمر للموت.. فهو يفضل الموت على أن يتخلى عن إنسانيته التي يعتز بها أكثر من أي شيئ في هذا الوجود كله..

واليوم، أعتقد بأننا وصلنا لهذه المرحلة في وجودنا، ففي كل بوم نتساءل فيه ألف مرة ربما، عن جدوى تمسكنا بالقيم والمبادئ في عالم ما عاد يلاحظ فيه إلا النتائج.. نعم النتيجة هي المهمة.. ما هو رصيدك في المصرف.. ما هي أملاكك المادية.. كم بقي لك لتصل إلى الشهرة والسلطة والأضواء..

اليوم علينا أن نقاوم ألف مرة إمكانية تحولنا إلى وحيد قرن متبلد الحس  ومفرغ من أي معنى رمزي استطاع أن يحمله أي من الحيوانات الأخرى..

نعم، سنظل قابضين على الجمر حتى يتصلب جلدنا ويتعلم كيف يطفئ الجمر.. سنظل فخورين بإنسانيتنا وسنثبت لكل الكائنات بأن الله يعلم ما لا يعلمون عندما طلب من الملائكة أن تسجد لآدم..لأننا نحن أحفاد آدم حملنا الأمانة بسمو ونبل وأمانة..

2010-11-09
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)