يقول الله تعالى : (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين ) ، حيث لا يمكن الحكم على النوايا أو الأقوال وإن كانت صادقة دون تطبيق وعمل ملموس ، والنظريات الفكرية على اختلاف منطقاتها لا تثبت مصداقيتها إلا إذا تجسدت على أرض الواقع
وأهداف المنظمات أياً كان مستواها لا تتحقق إلا من خلال سياسات تنفيذية ، والتخطيط أياً كان نوعه يتبعه الأداء وتقويمه ، والتشريع أياً كان مصدره وسببه لا يؤدي غرضه إلا من خلال تعليمات تنفيذية تعكس روحه ومضمونه ، والمنظومة القيمية مهما كانت مكوناتها يعكسها السلوك ، وكل ما عدا ذلك يوقعنا بازدواجية أخلاقية ، وثنائية واقعية ، وإشكالية مجتمعية ، وتناقضات مركبة ، وفصام شخصي ، واغتراب فكري ، ومثل هذه الحالات تؤدي إلى الإحباط الفردي والجماعي ، والعجز في تجاوز الأزمات ، والتيئيس في الرؤى ، وغياب استشراف الحلول ، والتكاسل في أداء الواجب ، مما يشل حركة الحياة ويؤدي إلى إيقاف ديناميتها ، فيصبح التطور مرهوناً بتجاوز الحالة ، ويدور الجميع في حلقة مفرغة ، قوامها من كثر كلامه قل عمله ، حيث نكون قد أوقعنا أنفسنا بإشكالية المشاحنة ، والجدل العقيم
وبالمناسبة في ليلة النصف من شعبان يغفر الله لكل الناس إلا المشاحن ، ولحل الإشكال بمجمله ، علينا أن نبدأ بالعمل كل من نفسه ، وفي مجال عمله ، وفي مكان تواجده ، دون تردد أو انتظار للزمن ، فمن ينتظر الزمن لحل مشكلاته لن يصل حتى متأخراً فالمبادرة ذاتية وفورية ، تحمل في داخلها إرادة الفعل والتأثير ، وصدق العمل ، ووطنية الانتماء ، وجدية الموقف ، ومبدئية الأفكار ، فعلى الصعيد الشخصي على كل منا أن يقوّم عمله بطريقة محاسبة النفس ، يقول رسول الله محمد (ص) : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ) ،
لم يقل حاسبوا غيركم ، وبهذا فإن محاسبة النفس هي الخطوة الثانية بعد بدء العمل ، وهي السبيل لمكافحة الشرور والفساد ، ومحاسبة النفس تكون بإجراء مصالحة معها قبل التوجه لمصالحة الآخر ، بعيداً عن المصالح الفردية ، والنزعات الذاتية ، والأهواء الشخصية ، وعلى صعيد المجتمع ، فإن وقفة مع الذات ، ومراجعة شاملة لمجمل أوجه الحياة فيه ، وتحليل واقعي لمكوناته ، يدعونا إلى البناء على ما تم إنجازه بانطلاقة جديدة لأداء حكومي متميز ، ودور اجتماعي بارز للأفراد والجماعات ، ومشاركة شعبية واسعة لكل أطياف المجتمع ومنظماته الأهلية ، على أن يعتمد ذلك كله على رؤية سياسية مستقبلية واضحة متفق عليها من قبل جميع الأطياف الفاعلة كقواسم مشتركة تحكمها الوطنية الخالصة ، والصدق في التوجه ، وتفعيل العمل ، وتمكين الأداء الوطني بحيث يكون عنوان المرحلة القادمة : ( فكر متحرر وعمل متطور واستراتيجية إصلاحية شاملة )
ومن هنا فعلى كل منا أن يأخذ دوره ويبادر من تلقاء نفسه في بدء العمل ، وكسر محيط الدائرة المفرغة هذه ، وأراها مناسبة لدعوة من يريد الإصلاح بالبدء بنفسه ، ولمن يريد الحرية أن يعرف بأن حريته تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين ، ولمن يريد العمل السياسي عليه أن يعمل مع من يلتقي معهم بالفكر والعمل ليشكل حزباً يثبت موجوديته ، وعلى من يريد الإصلاح تقديم برنامجه في حوار وطني يشارك به الجميع ويقبلون فيه بعضهم ، وعلى من يرى في الصحافة سلطة رابعة أتيح له انطلاقة عمله بآفاق واسعة أكثر غنىً ومسؤولية ، ومن يرى لنفسه شعبيتها فهذه المجالس المحلية تتيح له المشاركة الفاعلة ، ومن يتطلع إلى تمثيل نيابي أو شعبي فله ذلك على أن يثبته بالفعل والعمل من خلال الاستعداد لدخول منافسة حرة وديمقراطية ، وعلى المسؤول ألا ينتظر التعليمات لبدئه بحل مشكلات إدارته فمسؤوليته تحكّم عليه مكافحة الفساد وخدمة مصالح الناس ، وخطيب المسجد بما يحمله من علوم الشريعة الحقة أن يعمل في إطار ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) و( كبر مقتاً عند الله أن يقولوا ما لا يفعلون ) ، وأن يركز في خطابه ودعوته على المحبة والتعاون والتسامح لكي يكون له دوراً في محاربة الفتنة ، وتجاوز الحالة .
وبعد فإن السيد الرئيس بشار الأسد قال : إذا كان الكلام من فضة والسكوت من ذهب فإن العمل من الماس ، وإن كان ما أنجز في السنوات الماضية من عمل في إطار مسيرة التطوير والتحديث - ليس بالقليل وجدير بالتقدير – رغم الضغوطات الخارجية والظروف الداخلية الموضوعية والتي يقر بها القريب والبعيد فإننا نتطلع في المرحلة القادمة بمزيد من الأمل لمزيد من العمل لتصبح سورية بتجربتها الغنية ، وبمشروعها الإصلاحي ، وبفكرها المقاوم نموذجاً يحتذى .