عُقِدَ، في الآونة الأخيرة، اجتماعان لأعضاء عصابة الإرهاب الدولي. الأول عقد في باريس تحت تسمية زائفة «مؤتمر أصدقاء ليبيا» والأصح أن يطلق عليه اسم «محفل مغتصبي ليبيا». نعم، لقد سقطت ليبيا مضرجة ً بالدماء بيد الاستعمار العالمي وأعوانه. ولعبت في ذلك عوامل عدة بما فيها عوامل داخلية تطرقنا إليها في مقال سابق عند بدء الأحداث الليبية. ولكن لاشك أن العامل الأساسي في حدوث المأساة الليبية هو تكالب القوى الاستعمارية من أجل الحصول على الغنيمة الثمينة المليئة بالبترول والغاز واليورانيوم.
والآن في محفل باريس جرت الخطوات الأولية بين قراصنة القرن الحادي والعشرين من أجل تقاسم هذه الغنيمة التي كلف الحصول عليها آلاف من الضحايا الليبيين من شيوخ وأطفال ونساء ودماراً كبيراً في البنى التحتية وشح في سبل الحياة.
وأدار هذا المحفل للناهبين الرئيس القزم نيكولا ساركوزي الذي يطمح إلى جانب نـَيْل احتكارات بلاده لجزء مهم من المنهوب، كذلك إلى تبيض صورته أمام الرأي العام الفرنسي، هذه الصورة التي اسودّت كثيراً نتيجة الإخفاقات المتتالية في المجال الداخلي، والتي انعكست في زيادة الاستياء الشعبي من الوضع الاقتصادي الاجتماعي القائم في فرنسا والذي يتجلى في تدنيّ المستوى المعيشي لدى عامة الشعب وظهور معالم واضحة لعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي. إن إخفاقات الداخل يمكن أن تغطىّ بالنجاحات في الخارج. هذه المعادلة معروفة لدى الحكام الاستعماريين منذ القِدم، وطبقت كثيراً، حاملة ً المآسي بل والكوارث. وليس مثال فرنسا السركوزية إلا تعبيراً فاقعاً على نهج الاستعمار الأوروبي عموماً المتصدع بسبب أزماته الداخلية.
وكذلك حال الإمبريالية الأمريكية. ولكنها بالإضافة إلى أزماتها الداخلية تريد من خلال «الظفر» الأطلسي القذر في ليبيا أن تغطي أيضاً على النكسات الكبرى التي منيت بها في أفغانستان والعراق. أما بما يخص أزماتها الداخلية فالكثير من المحللين الموضوعيين بل حتى المتحيّزين إمبريالياً في الغرب يرون أن أمريكا تقف أمام زلزال اقتصادي اجتماعي يمكن أن يصل لحد الإفلاس. وفي هذا المجال النصر في ليبيا يمكن أن يغطي ولو جزئياً على عنانة الإدارة الأمريكية ومن تمثله من الطغمة المالية في معالجة الوضع الداخلي الأمريكي الذي يشتد تأزماً.
وطبعاً شارك ممثلو الأنظمة العربية الرجعية والعميلة في «محفل القراصنة الناهبين» المنعقد في باريس، بالصفة التي يستحقونها الكورس المصفق. كما يبدو كان أكثرهم صفاقة ً أمير محطة الجزيرة (زوج الشيخة موزة) الذي شكر فاقداً لما تبقى من الحياء «حلف شمال الأطلسي على دوره الأساسي في تحرير ليبيا»، وكان هذا الأمير قد أرسل سابقاً «جحافل» الأسطول الجوي القطري للمشاركة في العدوان على ليبيا من أجل إظهار أن الحلف الأطلسي ليس وحده في هذه العملية من القرصنة الدولية.
نعم، لقد اتفق، المجتمعون في محفل باريس على الخطوات الأولية من أجل نهب ليبيا، والتي اتخذت شكل الإفراج عن الأرصدة الليبية المجمدة في مصارف العالم. وطبعاً، ستنال الدول المعتدية على معظم هذه الأموال، أولاً بحجة تغطية نفقاتها العسكرية وثانياً بحجة إعادة إعمار ليبيا.
ومن الخطير جداً أنه جرى وضع التجربة الأطلسية في العدوان على ليبيا نموذجاً للتعامل الدولي مستقبلاً مع حالات مماثلة. فقد جاء التأكيد الصريح لهذا النهج على لسان فوغ راسمونسن الأمين العام لحلف الشمال الأطلسي، وهو سياسي يميني، شاركت بلاده الدنمرك في كل الحروب العدوانية للناتو، عندما كان هو يتبوأ منصب رئيس الوزراء فيها. ولكن التصريحات نفسها وردت أيضاً على لسان خوسي لويس ثاباتيرو رئيس وزراء إسبانيا ــ اليساري الزائف، والذي فقدت حكومته الاشتراكية الديمقراطية كل رصيدها الشعبي نتيجة الوضع الاقتصادي الاجتماعي الذي أوصلت إليه بلادها ــ /20%/ عاطلون عن العمل والدولة على حافة الإفلاس. وهذا السياسي الذي بدا دوماً كالحمل الوديع أمام الاحتكارات المحلية والعالمية خاصة ً، يريد أن يبدو غضنفراً مكشر الأنياب أمام شعوب العالم.
إن تبني مثل هذا النهج، بشكل صريح، من قبل حلف شمال الأطلسي، يقتضي أيضاً تغيير علمه وشعاره. فما يناسب هذا النهج، لهذا الحلف العدواني أصلاً، هو العلم الأسود مطبوعاً عليه الجمجمة وصليب من العظام. فشعار القراصنة وعلمهم هو أكثر شيء يناسب هذا التحالف للتعبير عن مضمونه.
ولكن من المبكر على القراصنة أن يطربوا بأنغام أبواق النصر، فالتجربتين الأفغانية والعراقية تدلنا على أنه بعد الانتصارات التي حققها المستعمرون في الحروب النظامية ــ ستأتي سلسلة من النكسات والهزائم، على يد المقاومة الشعبية. نعم، حتى جزء كبير من الذين يهلـّلون اليوم للانتصار على «الطاغية العقيد». سيلعنون بعد فترة وجيزة ذلك اليوم الذي وقع فيها وطنهم تحت عقبة المحتل الاستعماري وما يحمل ذلك معه من تنكيل ونهب وجرح الكرامة.
أما الاجتماع الثاني الذي عقد في بداية شهر أيلول، فهو الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي والذي انعقد في مدينة سوبوت البولونية. ولكن الشيء غير الرسمي الوحيد فيه كان عدم ارتداء ربطات العنق. أما القرارات فكانت جدية جداً من حيث ترسيخ وتعميق النهج العدواني للاستعمار الأوروبي باتجاه سورية. فقد جرى الإعلان عن تدابير عدوانية يأتي في مقدمتها القرار بالمقاطعة الأوروبية الشاملة للنفط السوري وخاصة استيراده ونقله من قبل الدول والشركات الأوروبية.
هل هذا الإجراء مؤلم بالنسبة لوطننا. نعم ومؤلم جداً. هل هو قاتل؟ كلا، أبداً.
فمن جهة هو ليس بقرار دولي، صادر عن هيئة الأمم، بل إقليمي أوروبي. وهذا يعني أنه هناك إمكانيات واسعة لتسويق نفطنا إلى مناطق أخرى في العالم. لاشك، أن ذلك يتطلب جهداً كبيراً وسيحمل معه خسائر مالية ما، ولكن الوضع ليس بالميئوس منه. وهنا، وعلى الهامش، أقول إن مثل هذه الإجراءات الأوروبية ومن قبلها الأمريكية، تؤكد صحة ما طرحه حزبنا على الدوام، وهو وجوب استثمار النفط السوري وطنياً وبشكل كامل.
إنه طرح ليس فقط اقتصادياً اجتماعياً، ساعياً إلى الحفاظ على الثروة الوطنية واستخدامها الناجع لصالح التنمية المتكاملة ولصالح الشعب في نهاية المطاف. بل هو طرح وطني بامتياز، ينطلق من المصلحة الوطنية العليا. فمصلحة الوطن أعلى من مصلحة فئة ضيقة من سماسرة الشركات النفطية العالمية والشركاء المحليين الصغار فيها.
ومن جهة أخرى يدلنا التاريخ المعاصر لوطننا، أن شعبنا أحرز انتصارات مبهرة على المستعمرين بدون وجود أي قطرة للنفط تنتج محلياً. والمثال على ذلك أمجاد الثورة السورية والجلاء العظيم.
كما أن مثل هذه الإجراءات المتخذة من قبل الدول الإمبريالية تزيد وضوحاً كون أن المعركة الحالية التي تخوضها سورية هي معركة وطنية بامتياز دفاعاً عن سيادتها وكرامتها واستقلالها الوطني الحقيقي، بالرغم من كل الشوائب التي تظهر على السطح مشوهة لهذه الحقيقة الدامغة. ويمكن أن ننتصر كما انتصرنا سابقاً في معارك لم تقل صعوبة ً. وهذا يتطلب إلى جانب الحرص على الحفاظ على العلاقات الدولية المكونة تاريخياً والتي أثبتت بجلاء أنها أقوى وأضمن من العلاقات المستحدثة، يتطلب بالدرجة الأولى العمل الدؤوب لزيادة التفاف الجماهير الشعبية من خلال تلبية مصالحها الاقتصادية والاجتماعية. وهنا أشير إلى ما أكد عليه حزبنا بأن شعبنا يمكن أن يتحمل الكثير والكثير في سبيل المعركة الوطنية ولكن بشرط أن يكون هذا العبء موزعاً بعدل على الجميع. كما يتطلب ظرف المعركة الوطنية المحتدمة زيادة رصّ صفوف القوى الوطنية والتي أثبتت تاريخياً أن تحالفها جدير بخوض أصعب المعارك في سبيل الوطن. إن تطورات الأحداث خارجياً وداخلياً تدل على أن صديق قديم أفضل من عشرة أصدقاء جدد. هذه الحكمة الشعبية صحيحة أيضاً في السياسة.
لقد نبهت الرفيقة وصال فرحة بكداش ومنذ عدة سنوات أنه تجري محاولات إنهاك البلاد اقتصادياً من أجل النيل منها سياسياً. وهذا ما حدث للأسف. لذلك من أجل زيادة المنعة السياسية لوطننا من الضروري القضاء على كل العوامل التي ساهمت في الإنهاك الاقتصادي. ونحن نرى الأهمية القصوى لإعادة النظر بكل القوانين والإجراءات ذات الطابع الليبرالي التي اتخذت في الفترة الماضية، باتجاه إزالة كل العوامل التي تضعضع الإنتاج الوطني وتسيء إلى وضع المنتجين. وبذلك سيجري تكوين وتمتين القاعدة الاقتصادية للنهج الوطني السوري.
بالنسبة لنا، الشيوعيين السوريين، مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. وما هي مصلحة الوطن؟
هي مصلحة أغلبية المواطنين أي العمال والفلاحين وصغار الكسبة في المدينة والريف وسواد الموظفين ومقاتلي جيشنا العربي السوري الباسل.
بالاستناد إلى هذه الجماهير من خلال تلبية مصالحها الحيوية ومطالبها المحقة يمكن فقط تعزيز منعة وطننا والحفاظ على النهج الوطني المقاوم في وجه الهجمة العاتية لقراصنة القرن الواحد والعشرين.
في الأزمنة العاتية كان القراصنة الذين يقبض عليهم يشنقون بدون محاكمة على سواري السفن. الآن الأزمنة تغيرت، وكلنا أمل بأن قراصنة القرن الواحد والعشرين سيواجهون محكمة الشعوب لتنزل بهم القصاص العادل.