يتوفر كل حاسوب على برنامج حماية ضد الفيروسات والبرامج المؤذية التي يمكن أن تَرِد عن طريق التواصل مع الحواسيب الأخرى ومع الشبكة. تُصَّمم برامج الحماية بطريقة تسمح للمستخدم في تغيير درجات الحماية التي تتراوح بين الصفر إلى الكاملة.
يمكن لأي مستخدم أن يجرب ويلاحظ أن الدرجة صفر تجعل الحاسوب أسرع بكثير وأكثر كفاءة، لكن لفترة قصيرة لأنه يصبح أيضاً أكثر عرضة للتأثير المخرب للبرامج المؤذية "المندسة". بينما تؤدي الحماية الكاملة إلى بطء شديد و شلل شبه تام في عمل الحاسوب، لدرجة يصبح فيها عديم الفائدة تقريباً.
من المعروف أيضاً أن مهندسي شركات إنتاج برامج الحماية يقومون باختراع فيروسات تقوم بأختراق هذه البرامج لكي يزيد الطلب عليها مما يضطر المستهلك إلى شراء برنامج أحدث.
المطلوب، بالنسبة لنا كمستخدمين للحاسوب والشبكة، هو نقطة التوازن الأمثل بين الحماية من جهة والكفاءة والسرعة من جهة أخرى. أي نحن، كمستخدمين، نحتاج إلى درجة حماية تمكنها من التمييز بين المؤذي والمفيد بدون أي تدخل أو إعاقة أو تأخير لعملي أنا كمستخدم.
تخيل الآن ماذا يمكن أن يحدث إذا كان لديك في حاسوبك خمسة برامج حماية موضوعة كلها على الدرجة الأقصى بحيث يَعتبر كل برنامج، من هذه البرامج "الأمنية" الخمسة، أي معلومة، أو معالجة، أو تواصل مع الخارج هو فيروس أو برنامج تجسس أو معلومة مخربة. وتخيل أيضاً، حجم الكارثة، إذا كانت الوسيلة الوحيدة، التي تتبعها هذه البرامج الخمسة لمعرفة فيما إذا كانت معلومة ما مشتبه بها هي فعلاً مؤذية أم لا، هي وسيلة الحجز والحذف الكامل.
يمكن إطلاق تسمية "الحاسوب الأمني" على هكذا جهاز سيطرت عليه تماماً "أجهزة الحماية والأمن" من حيث أن الأولوية المطلقة بالنسبة له ليس عمل الحاسوب وإنما أمنه.
بالقياس، يمكن أن نسمي المجتمع الذي يعطي الأولوية المطلقة للأمن، على حساب السعادة والإنتاج، ب "المجتمع الأمني" ونسمي السلطة التي تحكمه ب "السلطة الأمنية".
يجب أن أوضح هنا أن كلمة "سلطة" هنا تعني "الفئة المسيطرة في المجتمع" والتي تشمل بالإضافة إلى الحكومة وأجهزتها الأمنية، على رجال التربية والتعليم، رجال الدين، أصحاب العقائد السياسية، وكل من له سلطة في "المجتمع الأمني"، بما فيه سلطة الأب والأم عندما تكون قائمة على السيطرة والتسلط على البنات والأبناء "لغاية حمايتهم".
يمكن أن نفهم منطق "السلطة الأمنية" اللامنطقي وحتى الهستريائي في التعامل مع مواطنيها ورعاياها، خاصة عندما يثورون ضدها، بكون هدفها الأساسي هو الحفاظ على "ديمومة السلطة" التي تعد أولوية مطلقة أهم بكثير من السعادة والإنتاج. فالأب يضرب إبنه أو إبنته "تأديباً وترهيباً" لكي يحافظ على "هيبة الأب" الضرورية جداً لحماية الإبن والبنت من "الخطر"؛ والزوج يضرب زوجته "تأديباً وترهيباً" لكي يكرس "هيبته" الضرورية للحفاظ على أمن الأسرة؛ والحكومة تعتقل وتعذب وتقتل "المندسين والمخربين" من "أبناءها المغرر بهم" لكي تحافظ على "أمن الوطن والمواطن"؛ والله يعاقب ويتفنن في تعذيب الأشرار من عباده "عبرة لآولي الآلباب"؛ و زعيم الحزب العقائدي يوزع قرارات الفصل والتخوين على أتباعه حفاظاً على "وحدة الحزب وصفاء العقيدة".
يؤدي التركيز على الأمن وتَبَّني منطق الحماية والرعاية في المجتمع، مثل الحاسوب، إلى شلل شبه تام لكل نشاط عفوي إجتماعي، ثقافي، علمي، إقتصادي، سياسي، ديني، فني، أدبي، أو حتى ترفيهي، من حيث أن أي نشاط عفوي، غير رسمي وغير مخطط وغير مبرمج وغير مشرف عليه من صاحب السلطة وغير مفحوص من قبل أجهزة الأمن والرعاية، هو نشاط تخريبي تأمري حتى يثبت العكس، وغالباً، مايتولى المساعد جميل ببضعة جلسات، إثبات أنه "تخريبي إجرامي".
لذلك أجد نفسي مخاطباً كل صاحب سلطة في بلادنا:
"سئمت حتى القرف من حمايتك، و أمنك، وسجونك، و نواهيك، و زواجرك، ومحرماتك، و تعاليمك، و خوفك على عقلي "القاصر". أنت و ماتقوله لستم بمقدسين ولا بمعصومين. دعني أكتشف هذا العالم بنفسي، و أجرب كل شيء بنفسي، لكي أتعلم من أخطائي أنا، وتزداد ثقتي بنفسي، وأبني عالماً، ليس كاملاً، لكنه من صنعي و إختياري أنا. أياً كنت، لن تحبني أكثر مما أحب نفسي"