السيرة والسيرة الذاتيّة من الأجناس الأدبيّة الموغلة في القدم، وقد أشار إليها أرسطو (384-322ق.م.) في كتابه (البلاغة)، وأفلاطون (428-347ق.م.) في (حواراته).
يقول الدكتور شوقي ضيف (1910-2005) في كتابه (الترجمة الشخصية، 1956): (لعل أقدم صورة للترجمة الشخصيّة تلك الكلمات التي كان ينقشها القدماء على شواهد قبورهم،فيعرّفون بأنفسهم، وقد يذكرون بعض أعمالهم.
واشتهر المصريون في عصور الفراعنة بكثرة ما نقشوا على قبورهم وأهراماتهم وفي معابدهم وهياكلهم.....) (1). ويذكر الدكتور شوقي ضيف أسماء بعض الكتّاب العرب القدماء الذين تركوا لنا أعمالاً،فيها بعض ملامح السيرة الذاتيّة، منهم: أسامة بن منقذ (1095- 1188م), الذي ألف كتاب (الاعتبار)، وكذلك ابن خلدون
السيرة والسيرة الذاتيّة من الأجناس الأدبيّة الموغلة في القدم، وقد أشار إليها أرسطو (384-322ق.م.) في كتابه (البلاغة)، وأفلاطون (428-347ق.م.) في (حواراته). يقول الدكتور شوقي ضيف (1910-2005) في كتابه (الترجمة الشخصية، 1956): (لعل أقدم صورة للترجمة الشخصيّة تلك الكلمات التي كان ينقشها القدماء على شواهد قبورهم،فيعرّفون بأنفسهم، وقد يذكرون بعض أعمالهم.
(1332-1406م). وكتب جوفاني بوكاتشو (1313-1375م) في القرون الوسطى (سيرة دانتي) (1265-1321م).
يكتب الأدباء سيرتهم الذاتية لأسباب كثيرة، منها:ضرورة معرفة القراء للمناخ الذي ظهر ونما فيه أدب أديب معين, ومنها أسباب نفسية، إذ إنّ الأديب,كما يقول ميخائيل نعيمة في كتابه (سبعون، 1959) إنه أحياناً يشعر بلذة (إذا هو تعرى أمام إخوانه الناس من جميع أسراره وأوزاره. فبات وكأنّه بيت من الزجاج-كلّ ما فيه مكشوف للعيان، إلا ما كان منه أبعد، أو أعمق، من متناول أبصار الناس وأفكارهم) (2). ويكتب الدكتور يحيى إبراهيم عبد الدايم عن هدف ميخائيل نعيمة من كتابة سيرته الذاتية: (فالغاية الحقيقية التي يهدف إليها من وراء ترجمته الذاتية، هي-على ما يبدو لنا ـ تفسير نظرته الكونية، وشرح فكره الصوفي الذي ينبع من نظرته الكونية الشاملة إلى الحياة والأحياء، القائمة على فكرة (وحدة الوجود) وهي نظرة انتهى إليها بعد تطواف طويل (3).
وبذلك فمن بين الأدباء العرب الذين كتبوا سيرتهم الذاتيّة ميخائيل نعيمة الذي كتب سيرته الذاتيّة بعنوان (سبعون)، وذلك بمناسبة مرور سبعين عاماً على ميلاده،وكتبها في ثلاثة أجزاء.وكان قد كتب سيرة حياة صديقه جبران خليل جبران(1883-1931)عام1934، أيّ بعد وفاة جبران بثلاثة أعوام.
وكذلك كتب الدكتور طه حسين (1889-1973) سيرته الذاتيّة في ثلاثة أجزاء, بعنوان (الأيام)، كتب الجزء الأول عام1929، وذلك بمناسبة مرور أربعين عاماً على ميلاده, وكتب الجزء الثاني عام 1939, وذلك بمناسبة مرور خمسين عاماً على ميلاده، والجزء الثالث عام 1967، وذلك قبل وفاته بست سنوات. وصدرت رواية (بقايا صور) (1975) وهي الجزء الأول من سيرة حنا مينه الذاتيّة, وصدرت رواية (المستنقع) عام 1977، وهي الجزء الثاني من ثلاثية حنّا مينه، و الجزء الثالث (القطاف) عام 1985, وبعد مرور عامين على صدور الطبعة الأولى لرواية (المستنقع) أي عام 1979صدرت الطبعة الثانية عن دار الآداب ببيروت.
يبدو تأثر حنّا مينه بالروائي الروسيّ مكسيم غوركي (1868- 1936) كبيراً، يقول حنّا مينه: (وعندما وقع بين يدي كتاب مكسيم غوركي، بعد ذلك بأعوام طوال، وقرأت ما عانى المناضل الثوريّ في العهد القيصريّ) (4).
وهناك كُتَّاب مبدعون ونقاد كثيرون كتبوا سيرهم الذاتيّة بشكل صادق وصريح، مثل الناقد الدكتور إحسان عباس(1920-2003) بعنوان (غربة الراعي) (1996).
لجأ بعض الأدباء إلى معالجة سيرهم الذاتيّة معالجةً فنيّةً،كما فعل شارل ديكنز (1812-1870), إذ كتبها على شكل رواية بعنوان (ديفيد كوبرفيلد) (1850).وكذلك فعل ليف تولستوي(1828-1910)فكتب (الطفولة، 1852) و(المراهقة، 1854) و(الشباب، 1857).
ولم يكتب روائيون عمالقة سيرهم الذاتيّة، فلم يكتبها دوستويفسكي
(1821-1881)،وكذلك لم يكتب نجيب محفوظ (1911-2006)سيرته الذاتيّة الذي تحتفل الأوساط الأدبيّة في هذا العام بمرور مئة عام على ميلاده.
كتب غوركي سيرته الذاتيّة المؤلفة من ثلاثة أجزاء (الطفولة) (1913-1914),أيّ كتب الجزء الأول من سيرته قبل الحرب العالميّة الأولى، وبعد عودته من إيطاليا, إذ عاش في إيطاليا سبع سنوات مابين (1906و 1913). وكان قد سافر إلى الولايات المتحدة عام 1906ونشر قصته الأولى عام 1892 بعنوان (ماكار تشودرا) أيّ عندما بلغ الرابعة والعشرين من عمره، وبعد عامين كتب قصة (العجوز إيزرغيل، 1894), و(أغنية الصقر، 1895) ومسرحية (في القاع،
1902) ورواية (الأم، 1906، وكتب الجزء الثاني من سيرته بعنوان (بين الناس) (1915-1916) أيّ في أثناء الحرب العالميّة الأولى, وقال فيه: (كنت أعلم طبعاً أنّ البشر يميلون إلى النيل من قدر الغائبين، وكانوا يحسدون معظم الناس...) (5). وكتب الجزء الثالث من سيرته بعنوان (جامعاتي، 1922) عندما كان في إيطاليا، إذ سافر إلى إيطاليا عام 1921 بناءً على نصيحة لينين (1870-1924) وبقي فيها اثنتي عشرة سنةً أيّ إلى عام 1933. وبذلك فإنّ مجموع سنوات إقامته في إيطاليا 19 عاماً، وأسس بعد عام من عودته اتحاد الكتاب السوفييت وعقد مؤتمره الأول عام1934.
ولد غوركي في مدينة نيجني نوفعورد, التي أصبح اسمها الآن مدينة غوركي. أمضى مكسيم غوركي طفولته في بيت جده لأمه، وذلك بسبب وفاة والده المبكرة. مات والده الذي كان عاملاً في ورشة عام1872, عندما بلغ مكسيم غوركي الرابعة من عمره, وكنيته الحقيقية هي بيشكوف، ولكنه اتخذ لنفسه كنيةً مستعارةً وهي غوركي نظراً لمرارة حياته. وكان جده قاسياً معه، على عكس جدته من جهة أمّه, التي كانت تعامله برحمةٍ. أمّا جده فكان يجلده أحياناً
(6)، وكانت والدته قد حملت به دون زواجٍ شرعي، وتزوجت بعد ذلك, وبعد وفاة والد مكسيم غوركي تزوجت والدته شخصاً آخر, وأنجبت منه، وتوفيت عام 1879 عندما بلغ الحادية عشرة. تعلّم مكسيم غوركي في المدرسة سنتين, وعندما بلغ السادسة عشرة من عمره أيّ عام 1884 حاول الانتساب إلى جامعة كازان، ولم يُقبل. وحاول في طفولته القيام بأعمال مختلفةٍ ليكسب منها لقمة عيشه, منها عمله في أحد المخابز,وكانت طفولته شاقةً لدرجة أنّه حاول الانتحار عام 1887 أيّ عندما بلغ التاسعة عشرة من عمره,فأطلق على نفسه النار, ولكن الرصاصة لم تكن قاتلة إذ أصابته في رئته.وكان منذ طفولته مولعاً بالقراءة.
المصادر والحواشي:
1- د. شوقي ضيف، الترجمة الشخصيّة، القاهرة,دار المعارف, ص7.
2- نعيمة، ميخائيل. الأعمال الكاملة. المجلد الأول, بيروت. دار العلم للملايين، 1979.
3 - يحيى إبراهيم عبد الدايم، الترجمة الذاتية في الأدب العربيّ الحديث، بيروت دار النهضة العربية ص 308.
4- حنّا مينه، المستنقع، بيروت، دار الآداب، ط2، 1979 ص266.
5- مكسيم غوركي, المجلد الثاني بعنوان (بين الناس) ص11.
6- مكسيم غوركي, (طفولتي), المجلد الأول, موسكو, دار رادوغا, 1988،ترجمة سهيل أيوب.
900 كلمة
أ.د.ممدوح أبو الوي