news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
فشة خلق
الجســــــد... والمعـــــنى... بقلم : سهيل الشعار

الجراح العميقة بحاجة إلى خيطان متينة تُخيطها كي تشفى وتلتئم، والقلاع المعمّرة لم تبقَ صامدة وشامخة لو لم يكن أساسها عميقاً وصلباً وقاسياً، والشجر مهما ارتفع واستطالت أغصانه، وكَثُرت أوراقه وثماره، سيبقى أصله في التراب، وجذوره تّتجه إلى الأعماق.


والأهرامات المرتفعة صمدت كل هذه السنين ربما لأن قواعدها كانت أعرض من سطوحها، والقمم العالية تحملها الوديان السحيقة، والنجوم الكبيرة تدور حول نجوم أكبر منها..

 

 ودائماً كانت الأقفال الجيدة تُصنع من فولاذ جيد، لا من الريش الملوّن، والكرتون المقوّى. وشفرات السيوف من أصلب المعادن، لا من الورق والفلّين. وأسوار القلاع من الصخور وأحجار البازلت، لا من الثلوج والزبدة.

 

وكل بناء عالٍ لم يرتفع لو لم ينزل أصحابه عميقاً في الأرض، وكل غوص يلزمه صبر وقوة إرادة، والنظر الحقيقي لا أن تبصر العيون، بل أن ترى القلوب. وليست الأصابع القاسية والعضلات المفتولة هي المسوؤلة عن صنع الرجولة، ولا الأنامل الناعمة، والوجوه الجميلة هي سبب أنوثه وسحر كل امرأة.

 

ودائماً كان السقوط إلى أسفل، إلاّ إذا انعدمت الجاذبية من حولنا، أو كان الفراغ من صفاتنا.

وليس كل ما يرتفع فوق الأرض بقادرٍ على التّحليق والاستمرار في الطيران .. قد يرتفع الدجاج، وقد تقفز الضفادع قفزات طويلة، لكنها بالتأكيد لن تُحلّق بقوائمها النحيفة عالياً ولو كانت من ذهب.

 

صحيحٌ أن الأجساد في الميزان أثقل من معانيها، إنما المعنى يبقى أغلى وأحلى، وهو الذي يُعّول عليه في نهاية كل سِباق.

 

ولا يُقاس تغريد الكنار بنهيق الحمار، رغم أن الحمار أثقل بألف مرة من العصفور، وما أكثر الذين يأكلون العسل، أمّا أفعالهم فهي كالحنظل، وكثر من يمتصّون ضوء الشمس، لكنهم لا يشعّون إلاّ اكتئاباً.

والكلمة الرقيقة قد تكون بسيطة، ولكن صداها بلا نهاية.

 

وكل عقل صغير يبدأ دوماً بمهاجمة الأفكار الكبيرة، (وقد يصعب على الفيلسوف العميق أن يجد جواباً عن الأسئلة التافهة).

وإحساسنا بالأشياء والأصوات والأحياء من حولنا يختلف عن إحساسنا بمعانيها، فإذا كانت الوردة جسداً، كانت الروح عبيرها، ويمكننا أن نُمسك بالجسد ونراه، أمّا العطر والروح فشعورنا بوجودها يختلف عن كل شعور..

 

ورقة الماء وهو ينساب في النّهر الهادئ لا يُقارن بذاك الماء نفسه المتدّفق في النهر الغاضب، وتمنح الشمس نورها للجميع بالتساوي، ولا تفرّق بعطائها بين غني وفقير، أو قصر وقبر، فالنور واحد إنما الذي يتعدّد هي السطوح التي يقع عليها..

 

والعين المغمضة قد ترى أحياناً أبعد من العين المفتوحة الواسعة والجميلة، وتغتسل الأفاعي والعقارب في أنقى الأنهار، ومع ذلك تبقى سامة قاتلة (فالسّم سمٌّ ولو وُضع في قدح من ذهب، ومهما تغيّر اسم الوردة تظل عطرة).

 

ويسقط الشرفاء في الوحل، لكن شرفهم يبقى عالياً ولا تلوّثه السقطة، ولا يضّر الجوهرة الثمينة وينقص من قدرها سقوطها في الطين، أو حملها أصابع دنيئة، وتزيينها الصدور اللئيمة.

 

وقد تسمع الأذن ألحاناً غريبة، لا تعرف تفسيراً لها، لكنها قد تكون تلك الموسيقا والألحان مؤنسة للجوارح الأخرى في الجسد، فما يصعب على الأذن فهمه قد يكون دخوله سهلاً إلى غرف القلب، ونوافذ الروح.

 

وما أكثر الذين يسمعون، وما أقلّ الذين ينصتون، ومَن يهضم طعامه جيداً لا يُوزن أو يقاس بذاك الذي يبتلعه بلعاً، وليس أعظم من النصيحة العظيمة إلاّ أولئك الذين يقبلونها برحابة صدر، ويعملون بها بضمير وإخلاص.

 

(بعضهم ينمو بالمسؤولية، وبعضهم يتورّم بها، وأن نختلف أفضل بكثير من أن نتّفق على خطأ، وقد تكون كل الحكمة والعظمة أن يكون الإنسان حكيماً في الوقت المناسب).

2011-12-15
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد