أعطى الحزب الشيوعي السوري منذ تأسيسه اهتماماً غير قليل لقضية المرأة، والعمل بين جماهير النساء، والدفاع عن حقوقهن ومطالبهن، وسعى لتوفير الشروط الذاتية والموضوعية لمشاركتهن في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقد عبر الحزب عن موقفه من قضية المرأة في وثائقه الأولى التي صدرت في أوائل الثلاثينيات، منها الوثيقة البرنامجية التي أصدرها الحزب عام 1931 بعنوان “أهداف الحزب الشيوعي وشيء من بروغرامه”. وفي وثائقه التي صدرت لاحقاً، فقد دعا فيها إلى مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات “حق التعلّم والعمل والمشاركة في الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وممارسة الحقوق السياسية”، كما طالب بتعديل التشريعات القانونية المتعلقة بالمرأة، بما يضمن حقوقاً متساوية مع الرجل في بناء الأسرة والمجتمع.
ويمكن القول بأن الشيوعيين السوريين أسهموا منذ البداية بقسط لا بأس به من النضال من أجل بلورة قضايا المرأة السورية وتحقيق العديد من المكاسب التقدمية للنساء السوريات جنباً إلى جنب مع القوى الوطنية والديمقراطية الأخرى.
إن رابطة النساء السوريات ومجمل نشاطها منذ عام 1948 شكلت وجهاً مضيئاً من وجوه المساهمة النسائية في نضال شعبنا الوطني والديمقراطي والاجتماعي والتقدمي.
وقد ارتبط نشوء الرابطة بوجود الحزب الشيوعي السوري وبمبادرة منه ومساعدته السياسية والمعنوية والتوجيهية وحتى المادية، وكان هناك طموح وحاجة موضوعية في البلاد إلى وجود مثل هذا التنظيم الذي أصبح معروفاً في قطاعات واسعة في الأوساط المهتمة بالقضايا السياسية والاجتماعية، ومن قبل المنظمات النسائية العربية والدولية المنضوية تحت لواء الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي. فالرابطة عضو مؤسس في الاتحاد.
هذه المنظمة ساهمت تاريخياً في دعم حقوق المرأة وفي إبراز هذه الحقوق، وأكدت دور النساء في الحركة الوطنية بمساهمة عضواتها في النضالات الوطنية والطبقية، وهذا ما تضمنه برنامجها الاستراتيجي الذي كان ومازال ملتزماً بالخط السياسي العام للحزب كمنحى وطني ديمقراطي.
إن تصاعد نشاط التيارات الأصولية في الأوساط النسائية أصبح شكلاً من أشكال الخطاب السياسي لليمين الديني المتطرف، وتوفير المنابر المتعددة لها، وعودة بعض مظاهر العادات والتقاليد الظلامية للضغط على النساء من جديد تحت شعارات مختلفة، محاولة فرض أفكار الجهل والتخلف والغيبية التي تعيق تطور المرأة، وبالتالي تطور المجتمع.
إن الأزمة الاقتصادية المعيشية التي تعصف بالبلاد تقلص فرص العمل، خاصة أمام النساء، نتيجة تعثر عملية التنمية الشاملة، والسياسة الاقتصادية التي تنتهجها البلاد، فارتفاع الأسعار والخلل الكبير بين الأجور والأسعار يزيد من العبء المجتمعي على المرأة، وترتفع معه نسب العنف والتفكك الأسري.. هذه الظروف كلها توفر إمكانات كبيرة لطرح قضايا الديمقراطية والمطلبية بترابطها العميق مع القضية الوطنية.
نأمل أن يكون المؤتمر الحادي مناسبة لمعالجة الكثير من المشكلات التي تنتظر الحل، وأن يكون جردة حساب وفعل أمل كبير بالتغيير. ونرى من الضروري أن نرفع وعي الرفاق بالدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في النضال الوطني والديمقراطي، فالنضال من أجل حقوق المرأة جزء لا يتجزأ من النضال الديمقراطي، وأن تعطى الأهمية لتمثيل النساء، خاصة الشابات في مختلف منظمات الحزب على اختلاف مستوياتها.. ورغم كل توجهات الحزب من أجل إعطاء هذه القضية الأهمية اللازمة، لكن على صعيد التطبيق الفعلي تبرز عند بعض الرفاق الذهنية والعقلية المتحجرة التي لها بُعْدٌ في حياتنا اليومية وهي أبلغ من أي قانون أو توجه.. هذه الذهنية تملك زاوية ضيقة من الأفكار لا تقبل الانفراج، إضافة إلى جملة من العوامل الأخرى المعيقة في هذا المجال، فإن نسبة قليلة من النساء تمكنت من الوصول إلى بعض المواقع القيادية.
إن إعطاء أهمية لدور المرأة في الحزب تجعلها رصيداً مهماً في توسيع عمل الحزب وتطويره، وهذا يستدعي عملاً جدياً ومتواصلاً.
أخيراً.. إن تحقيق انعطاف في عمل الحزب بين النساء ومن أجل أن يستعيد الثقة في هذا الميدان كمدافع أساسي عن قضية تحرير المرأة ومساواتها، لا يتوقف فقط على زيادة عدد النساء في الحزب على أهمية ذلك، بل يتعداه إلى توسيع دور الحزب في النضال من أجل تحرير المرأة إلى مصاف القضايا الإستراتيجية لنضال الحزب الجماهيري، فهذه قضية مركزية هامة تتعلق بنصف المجتمع وتؤثر على تطوره كله.