مقالة للسيد ممدوح رحمون تم نشرها في صحيفة السفير
لما فـرض عليــنا الانتداب الفــرنسي بخــطأ دولي، ومجافاة لمبادئ الرئــيس (ولسن)، فرض علينا العلم الفرنسي، وقسـّم الفرنســيون سوريا إلى عدة دويـلات ... 1- دولة دمــشق، 2- دولة حلب، 3- دولة العلويين، 4- حكومة جبل الدروز المستقلة، وكان لكل منها سلطـاتها التنـفيذية، وعلمها الذي ينبــثق عن العلــم الفرنسي، وكنا نجبر على تحيته، ومن يخالف يتحمل نصيبه من العقاب.
قد عثرت بين أوراقي على نمـوذج لعلم دولة حلب، المؤلفة من لواء حلب ودير الزور ولواء الإسكندرون، وكان علم حلب (أبيض اللون، إلى جانبه الأيسر والأعلى ـ علم فرنــسي صــغير ـ وفي وسطــه ثلاثــة نجـوم صــفراء، ولكن عــددها عند وضع مشــروعه كان خمسة لدلالة كل نجمة على لواء، ثم عدل العلم بحذف نجمتين منه.
أما الأقسام العربيــة فسأتجــاوزها، بعد أن تضاربت المصالح بين الجنرال البريطاني اللنبي وأعوانه من لورانس إلى غلوب باشا، مع مصالح الفرنسيين من الجنرال غورو إلى كليــمنصو ومن لفّ لفهم، وعلى رأسهــم حاييــم وايزمن. لنصل إلى الإسكندرون السلــيب، الذي وهبــته فرنسا إلى الجنرال (أتاتورك) لحـاجتها لوقـوف تركيا على الحياد. أما القسم الأخير، فباتفاق فرنسي ـ بريطاني ـ صهيوني، أقام الكيان الصهيوني على أرضنا في فلسطين.
هذا بشكل موجز، تاريخ البيارق التي انضوينا تحت أجنحتها...
في 17 نيسان 1946 نعمنا بمغادرة فلول الجيش الفرنسي عن أرضـنا، وتشكـل الجــيش الوطني الذي كان ينـضوي أبناؤه تحـت العلم الفرنسي، ليطل عليـنا العلـم السـوري مع أول كتيـبة من كتائب الجـيش الوطني، حيـث كان الاحـتفال بالجلاء، ونصبت المنصة الرئيـسية في الحـديقة، التي تحت مدرسة التجهيز الأولى، فوقف الرئيس شكري القوتلي وقبّل العلم الأخـضر والأبيـض والأســود والأحـمر، وقــال بصوت مرتفـع: سـوف لن ترتفع راية فوق هذه الراية، إلا راية الوحدة العربية...
وكانت ألوان هذا العلم منبثقة عن ألوان علم الثورة العربية الكبرى عام 1916 وكان يرمز إلى أعلام تاريخنا التي نجملها بما يلي:
بيض صنائعنا، سود وقائعنا، خضر مرابعنا، حمر مواضينا
وأرى من واجبي أن أذكر مراحل تاريخ العلم السوري، والنشيد الذي أنشدناه في عيد الجلاء يوم ارتفع على السارية. وكنا طلائع الكشاف السوري ونحن ننشد: يا علمي
وكما وعد الرئيس شــكري القوتلي فقد صدق، فعند إعلان الجمهورية العربية المتــحدة في شهر شباط من عام 1958 بين مـصر وســوريا، تخــلّى كل منها عن علمه، واتخذا العـلم الذي لم تخـرج ألوانه عن علم الثورة العربية الكـبرى، واتـفق على أن كل قطر آخر سينضم لهذه الجمهورية، سوف تضاف نجمة جديدة لهذا العلـم. وكان علم الجمهورية العربية المتحدة، الذي فقدنا العديد من الشهداء الأبطال تحت رايـته، بنجمـتين، ولاح في الأفق مرة أن يكون ثلاثة مع العراق ثم مع ليبيا. ولكن القدر عاكسنا، فجاء الانفصال المشؤوم، واحتفظت سوريا، وأقول بكل اعتزاز ـ ذات البعد القومي ـ بهذا العلم.
في الفترة الأخيرة من الأحداث في سوريا، أحرق بعض المتظاهرين، العلم السـوري الحـالي واستبدلوه بالعلم القديم الذي رفع في قلب القاهرة وعلى أبواب (الجامعة العربية)، وحاولوا إلـغاء مرحلة من التاريخ لها مكانة كبرى في قلوبنا، فأعقبه بعضهم بحرق العلم العربي لاعتبارهم أنه علم حزب البعث.
وللحقيــقة والتــاريخ، لم يكن هذا العلــم من صنع حزب البعث، أو غيره من الأحزاب القومية الحاضرة، بل إنه تبــنى علم الثـورة العـربية الكبرى، وكنت واحداً من الذين يرفعـونه في مظاهراتنا وقبل أن يعلن حزب البعث رسمياً ويتبنى هذا العلم.
احترموا تاريخنا، ونحن آبـاؤكم، وقد دفــعنا الغالي والنفيس ومن دماء الشهداء في سبيل رفعة كل منها، وقد تعودنا أن ندوس بأقدامنا بيارق الغاصبين والمستعمرين، والتاسع والعشرون من أيار عام 1945، شاهد على ما فعلنـاه، عـندما أنزلنا العلم الفرنسي عن ساريته مقابل مجلس النواب السوري.
سامحكم الله، فإنكم تجهلون أو تتجاهلون تاريخ بلادي وأعلامها.
عضو المؤتمر القومي العربي