كتب أحدهم ردّا على المقال التالي
ماذا يطلبون من الحكومة ؟ ....حاملو الدكتوراه في المؤسسات الحكومية : واقع علمي مريض .. بقلم :معمر الحوشان
ملقياً الوضع على وضع احملوا شهادة الدكتوراه في المؤسسة العامة لإكثار البذار - الإدارة العامة حلب و التي أصبح اسمها مع بداية هذا العام المؤسسة العامة لتأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي و فيما يلي ردّه كاملاً:
الحديثة وعندما تم الزج به في ميدان العمل تبين أنه لا يفقه شيئاُ حتى في مجال تخصصه الذي يحمل فيه شهادة الدكتوراة!!!!!
"شكراً لك على هذا الموضوع المهم إلا أن هناك نقاط أخرى يجب مناقشتها في هذا الموضوع وهي التي تشكل عبئاً على مؤسسات الدولة في هذا المجال.
وهذه النقاط تتلخص بما يلي:
1- إن نسبة كبيرة من حملة شهادة الدكتوراة والذين يكلفون الدولة ملايين الليرات يأتون إلى المؤسسات باختصاصات لا تتوافق مع طبيعة عمل المؤسسة ففي مؤسستنا مثلاً مدير يحمل شهادة دكتوراة في الجغرافية ولا أدري ما لعلاقة بين الجغرافيا وعمل مؤسستنا وآخر يحمل دكتوراة في إنتاج وتحسين محصول نبات قصب السكر علماً بأن هذا النبات لا يزرع في أية منطقة في بلدنا وحتى أنه لا يمكن زراعته فيها مستقبلاً لعدم وجود المتطلبات المناخية الملائمة لزراعته والأمثلة الأخرى كثيرة.
2- إن جميع هؤلاء الدكاترة ومنذ لحظة وصولهم إلى أية مؤسسة يبدؤون فوراً بسعيهم الحثيث لتولي المناصب الإدارية متناسين واجباتهم في نقل وتطبيق ما حصلوا عليه من علم لتطوير عمل مؤسساتهم معتقدين بأن مجرد حصولهم على شهادة الدكتوراة هو أمر يؤهلهم لتبؤ المناصب العليا دون وجود أية مهارة إدارية لديهم أو معرفة مسبقة بطبيعة عمل المؤسسة التي يعملون فيها.
3- وهي النقطة التي تشكل الطامة الكبرى في هذا المجال وتتمثل بأن ما يقوم به معظم هؤلاء من أبحاث للحصول على شهادة الدكتوراة هي أبحاث قد أكل الدهر عليها وشرب وعلوم قد نسيها العالم وأصبحت لديه من التراث ويأتي ليفرضها على مؤسسته وحتى أن بعضاً منها لا يمكن أن يرقى ليكون أطروحة تخرج وليس أطروحة للحصول على شهادة الدكتوراة.
وعلى سبيل الطرفة فقد سمعت أنه قد وصل لمؤسستنا منذ فترة قريبة شخص يحمل شهادة دكتوراة في أحد العلوم شبه الحديثة وعندما تم الزج به في ميدان العمل تبين أنه لا يفقه شيئاُ حتى في مجال تخصصه الذي يحمل فيه شهادة الدكتوراة!!!"
انتهى التعليق.
و هنا أرى أنه من الواجب و من باب إغناء هذا الموضوع الهام أن أعرض التالي ردّا على هذه النقاط الهامة
1. صحيح أنّ نسبة كبيرة من حملة شهادة الدكتوراه يعودون باختصاص ربما يكون بعيدا بعض الشيء عن حاجة المؤسسة و ذلك يعود لعدة أسباب، أهمّها أنك عندما تحصل على شهادة دكتوراه في أحد البلدان الأوربية المتقدمة أو غيرها ذات المستوى العلمي المتقدم عليك أن تقوم بدراسة حديثة تتماشى و روح العصر و هو في أغلب الأحيان علم متقدم جدا و لن يتاح لهؤلاء نهائيا تطبيق هذه العلوم المعمّقة لا في جامعاتنا الأكاديمية و لا في هيئاتنا البحثية العلمية بين قوسين كما يقول سلنغو (الله يرحمه روحو مشتهية الرحمة) بكل أسف فما بالكم بمؤسساتنا الإنتاجية و خاصة مؤسستكم التي تقوم بكل حيثياتها على الانتاج و فقط الانتاج و هنا أتساءل ما حاجة مثل هذه المؤسسات لمثل هذه الاختصاصات و لمثل هذه الدرجات العلمية المتقدمة.
هذا ما أسميه بالإيفاد السلبي و الذي لا يهدف إلى شيء إلّا إلى قتل روح الإبداع أولا و من ثم روح الاستمتاع بالعمل الذي أمضى من أجله الدكتور و هو الباحث بطبيعة الحال ما يقارب نصف عمره ( هذا إذا افترضنا أن معدل عمر الإنسان السوري لا يتجاوز السبعين عاما بأحسن الأحوال و بدون منغصات للحياة و لكم أن تتخيلوا وجود هذا الإنسان الخيالي و الخرافي).
2. أغرب ما يمكن أن نسمعه من زملائهم في الوظائف هو التهكم و نعتهم بعدم الرغبة بالعمل أو بعدم الكفاءة أو رغبتهم بتولي المناصب الإدارية و هنا أقول: لا يعيب أحدا، طموحه في نولّي المناصب الإدارية إذا كان يجد نفسه كفؤا لمثل تلك المناصب فكيف يعيب الدكتور القادم و بحوزته الخبرة العلمية و كذلك تجارب إدارية جديدة و خاصة و أنا أعرف جيدا كيفية تولّي المناصب في مؤسّساتنا الإنتاجية بين قوسين مرة أخرى و خاصة و حسب معلوماتي أن مرؤوسي هؤلاء الباحثين الجدد لم يكن لديهم أدنى فكرة عن الإدارة حين تولّيهم و حتى كتابة هذه الكلمات لم يتعلّموها و سأسميهم تجاوزاً مدراء، هذا بالإضافة إلى ضحالتهم علميّا و هذا طبيعي و مرده نظامنا التعليمي و سأسميه تجاوزا نظاما ( للأسف تعليمنا العالي المجاني أصبح شبيها نوعا ما بسلعة فاسدة تقدم لك مجانا و تقبلها برحابة صدر و تبتسم بعد ذلك رغم تسممك بتلك السلعة...)...
و مع ذلك أرى أن الدكتور و الباحث و هما شخص واحد في هذه الحالة لا يمكن أن يكون طالبا لمنصب إداري يقتل إبداعه و يجعله ألعوبة بيد من يتحكمون فعلا بتلك المناصب و ذلك لأسباب كثيرة... و لكنه بحاجة لوسط إبداعي و اعتراف و دعم قبل كل شي.
أعرف الكثيرين من هؤلاء و منهم من كان بمؤسستكم و غادر باحثا عمّن هو بحاجته. أسوأ ما يمكن أن يلاقيه المرء هو شعوره بلا بأنه بلا فائدة أو منقوص الكرامة و أن سنواته كانت بلا فائدة فلكم أن تتخيلوا اجتماع ذلك في حاملي شهادة الدكتوراه ممن حصلوا عليها بتفوق...
بالنسبة للمثالين الذين ذكرتهما، لا أعتقد أولا أنهما يمثلان من يتم إيفادهم لصالح مؤسستكم و لا غيرها من مؤسّساتنا الحكومية فهما خارج السرب و لم يكونا أساساً موفدين لخدمة المؤسسة على الأقل بالنسبة لمثالك الأول.
ثانياً لا أرى أن هناك ما يعيب الأول و يمنعه من استلام هكذا منصب و هو منصب إداري و الأمثلة عالميا و محليا كثيرة في هذا المجال و هم ناجحين في الإدارة و بعيداً جدّا عن الاختصاص الدقيق و بالنسبة لي الشرط الأساسي هو أن يمتلك الكفاءة و القدرة على الإدارة و طبعاً النتائج ستكون أكثر من جيدة إذا اجتمع الاختصاص و الكفاءة الإدارية في إنسان واحد و هنا أسرد مثالا أجده جميلاً و هو عندما استلم فارس الخوري (المسيحي) وزارة الأوقاف في سوريا :) بالنسبة لمثالك الثاني بمحاكمة عقلانية و علمية لا أجد مانعا من وجوده أيضا بمؤسستكم القائمة أساساً على وجود الأشخاص غير المناسبين في شتّى المواقع و أنها قائمة أساسا على تكرار و نسخ ما هو موجود دون تفكير أو تشغيل للصندوق المتواجد فوق أكتافنا في التطوير و ليس في إضاعة الوقت و كذلك المال العام المؤتمنون عليه و أخيرا قتل إضاعة خيرة كفاءاتنا العلمية التي تغادر البلاد و لا تعود أو قتلوا حين عودتهم.
3. أخيراً لا أعرف على ماذا تعتمد في قولك هذا و الكثيرين ممن أعرفهم، قد حصلوا على شهادة الدكتوراه في أفضل الاختصاصات و أعمقها و أحدثها و الكثيرين منهم لم يعد و ما زال يتابع البحث العلمي و مثل تلك الأبحاث لن يراها الكثيرون في سوريا على الأقل في السنوات القليلة القادمة و هنا أكون متفائلة جداً بهذا القول و هذا لا يعود بالتأكيد لعدم رغبتهم بتطبيقها في مؤسستكم أو غيرها من المؤسسات و لكن لعدم وجود الرغبة و لا الإرادة في ذلك لدى القائمين على مثل هكذا مؤسسات و لأسباب أخرى كثيرة تجدوها في فحوى ما كتبت أعلاه.
أما إذا كنت قد اعتمدت في ذلك على أمثلة تجدها حولك و هي قليلة، لا أجد أنه من الموضوعية بمكان التعميم و إهانتهم جميعاً فالذي قاسوه من غياب العدالة بمعالجة حالتهم أراه كافياً. لا أعرف من تقصد بمثالك الأخير لكني أعرف عوضاً عن المثال الكثير الكثير من الأمثلة ممن يشكلون ثروة لهذا الوطن و حاجة ماسّة له و على كافة الأصعدة و هم حالياً إما في أماكنهم في مؤسساتنا مغلوب على أمرهم أو اختاروا الرحيل من جديد باحثين عن مكان يكونون فيه ذووا فائدة يستمتعون بما يقومون به و هناك من يقدر عملهم وكفاءاتهم و هناك من لم يعودا أساسا لإدراكهم أنّ شيئاً لم يتغير (و أخشى أنه لن يتغير أو ليس من ثمة إرادة لتغييره بل على العكس، الأمور تسير من سيء إلى أسوأ) فآثروا البقاء حيث حصلوا على شهاداتهم و معارفهم...
لكم تحيّتي و أعتذر عن الإطالة
هلا أحمد