السيد نضال المحترم يبدو انكم كما الجميع يصر على النظر بعين واحدة و كأنها سمة فينا لا نستطيع التخلص منها فكما انك اصبت في مقالك كبد الحقيقة و لكنها جزء من الحقيقة و ليست كلها مما يجعل مقالك بقدر ماهو مصيب مخطئ ايضاً.
المشكلة يا صديقي اننا نصر جميعنا (و انا منهم) على صواب رؤيتنا و صحة خياراتنا مع التأكيد على خطأ جميع الخيارات و الرؤى الأخرى و بذلك نصر على اقناع الاخر بحطأ خياراته بدلاً من تشكيل خيارات و رؤى اخرى مشتركة اكثر صحة و صوابية (و هذا ما يبدو بجميع التعليقات الواردة على مقالكم و مقالات اخرى).
لأناقش أولاً ما طرحته حضرتكم:
لا أعتقد أن هناك أي مواطن سوري يختلف على درجة الفشل الكبيرة التي نعاني منها على مستوى الاداء الحكومي بجميع جوانبه (السياسية و الامنية و الاقتصادية و التعليمية و الصحية و الاعلامية و الثقافية و الفنية و حتى الرياضية) و من يعترض على هذه المقولة فليقيم رضاه الشخصي عن أي من هذه الجوانب من الحياة المعاشية الى التعليم ثم المشافي العامة و حتى الفرق الرياضية الوطنية طبعاً مروراً بالحياة السياسية.
ولكن هل المسؤلية الوحيدة على الدولة و الحكومة و هل الدولة بجميع مؤسساتها و موظفيها و كوادرها و جيشها و امنها و فاسديها و سياسييها و اقتصادييها هم من خارج المجتمع و الشعب السوري و هل هذا الفشل لايرتبط ايضا بفشل شعبي و ثقافي و سياسي و اخلاقي نحن مسؤولين عنه مع اختلاف درجة المسؤولية وهل اصابتنا الان طفرة ام استيقظنا فجأة لنصتدم بواقع مزر (قولي هذا لا يعفي الدولة و الحكومة من مسؤولياتها) و لأثبت مسؤوليتنا جميعاً لابد من ذكر شواهد بسيطة لنرى ان مشكلتنا هي اكبر من الدولة فقط او من النظام فقط:
1- ما عدد
الاشخاص الذين يتهمهم بعضنا أو أكثرنا أو كلنا (كي لا تكون النسب مكان اختلاف)
بأنهم يقمعون الشعب (الجيش, الامن, الشبيحة, حزب البعث) (بوجهة نظر البعض ايضا)
2- ما عدد الاشحاص الذين يتهمهم بعضنا بأنهم يؤيدون هذا القمع ( المنحبكجية,
الأقليات, المنتفعين, التجار و الاقتصاديين, الفاسدين, الخائفين الخانعين,
المقاومين, العروبيين و القوميين ) (بوجهة نظر البعض ايضا)
3- ما عدد الاشخاص الذين يتهمهم البعض بالتآمر و العمالة ( المندسيين, الارهابيين,
السلفيين, المتعصبين, الاسلاميين, الطائفيين, الخارج, المغرر بهم, الثوريين) (بوجهة
نظر البعض ايضاً)
ألا نرى هنا اننا وصفنا كامل المجتمع الذي اتهمناه بأنه سبب الفشل المذكور فلم لا نرى اننا جميعا متهمون و لم لا نرى ان الحلول التي تطرح و بتعنت تقوم على اتهام و اقصاء جزء كبير من المجتمع و لذلك كافة الحلول ذات افق مسدود تقوم على القوة و الفرض و حتى الاديمقراطية التى نتغنى بها جميعا تقوم على مفهوم مشوة لأكثرية تريد فرض حلها على اقلية (مع خلاف كبير على من لديه الاكثرية) و بالتالي هي (اي الديمقراطية بفكرنا الراهن) هي شمولية اخرى و لكن على طيف اخر من المجتمع.
ثم أتانا على قاعدة فشلنا جميعاً نظريات جلفة عن حلول مزعومة و تحالفات خارجية لننتصر على بعضنا و نثبت صحة خيارنا و موقفنا بالقوة, مما اسلم امرنا إلى الاخرين حتى دون وجودنا على طاولة الحوار ( لا في الجامعة العربية كسلطة و لا في مؤتمر أصدقاء سورية كمعارضة و لا في مجلس الامن و لا في الامم المتحدة) لنرى من يقوم على صياغة ما يناسبنا كما لو أننا قصَر أو اطفال و يتفاوضون علينا كما لو اننا قطع اثاث.
ثم و بكامل قدراتنا العقلية قمنا بخصي انفسنا و تجريد عوراتنا و تسليم اموالنا و تدمير اقتصادنا و قتل بعضنا ( و نحن هنا الجميع من موالاة و معارضة ) من مبدأ ان اؤذي و اضعف الاخر دون ادنى تفكير بأننا نعيش سويا شئنا أم أبينا.
و لنرى المفارقة هنا نجد اننا هاجمنا الاقتصاد ثم اتهمنا بعضنا بوضعنا المزري و حملنا بعضنا سبب انخفاض قيمة الليرة, اتهمنا و قاطعنا و صنفنا الاقتصاديين لنجد انفسنا باطلين عن العمل, قاتلنا بعضنا لنتاجر بالدم و نعينا اقرباء لنا, اصبحنا القاتل و القتيل معاً, الوطني و المتآمر معاً, كلنا أراد بناء وطن بمنظوره الشخصي لنجد انفسنا ندمره بأيدينا و نقف اليوم على الاطلال نفخر بوعينا و تراثنا و ارثنا و حضارتنا و ممانعتنا و مقاومتنا و لم يبقى لدينا سوى ميسلون و حرب تشرين (كل يختار ما يريد)
فبربكم الجميع يحذرنا من حرب اهلية و منا من يصدق و منا من يرفض ولكن ما هذا سوى الحرب الاهلية بعينها وقد صنفنا انفسنا مسبقا (شبيح و مندس) و قيمنا افكار بعضناً مسبقاً و بررنا التسلح و الاقتتال و كررنا اخطاء الاخر و هللنا بأن سقطت المعارضة بمكان و بأن قتل الجيش في آخر و منذ الاشهر الاولى نصيح بانها خلصت ( سواء من ينادي بان سقط النظام او بان المؤامرة فشلت) فمن انتصر حقا و من المتهم بهذا الفشل.
ياسيدي فشلنا جميعاً هو اننا تركنا التسعين بالمئة التي نتفق عليها (موالاة و معارضة) بأننا نريد سورية افضل و اقوى و مقاومة ممانعة و ذات سيادة كما نريد الجولان و لواء اسكندرون و نريد اقتصاد قوي و عدالة اجتماعية, نريد الامن و الامان لنا و لابنائنا, نريد تعليم و صحة, كما نريد التخلص من الفساد و نريد جميع المجتمع السوري بكل طوائفة و اقلياته و اكثرياته, نريد ان نختلف و نتفق و نحاسب و نصحح, نريد انفسنا و الاخرين, نريد خلاصا.
و اتجهنا الى شخصنة الصراع و تحريف الاهداف و تغيير الاولويات و تحكيم القوة و تحويل الاختلاف الى خلاف مما اضاع ما نتفق عليه و اصبحنا نقاتل قتالا عقيما لاثبات لاشيء.
الحل ياسيدي هو عودتنا الى ما نريد جميعا و صياغة و قبول حلول وسط و نبذ التصنيف الذي وضعناه لانفسنا و التجمع حول مانتفق عليه و نزع خوفنا من انفسنا و من بعضنا ( لا نريد تنسيقيات و لجان شعبية و مندسين و شبيحة و منحبكجية كما لا نريد امريكا و السعودية و الصين و روسيا).
الحل ياسيدي هو ببساطة فتح العين الاخرى و الاعتراف بأنه يوجد مؤامرة و يوجد فساد يوجد قمع و يوجد ارهاب يوجد مقاومة و يوجد عمالة, الحل ياسيدي ان نعترف اولاً بأننا المشكلة و اننا لن نستطيع الانتصار على بعض و ان هذا النصر و ان حدث هو خسارة للجميع, قبل ذلك جميع المبادرات فاشلة و جميع الحلول مرفوضة.