شهدنا في الفترة الأخيرة من العام الماضي تغير العديد من أنظمة الحكم التي كانت سائدة في البلاد العربية والتي هي أقل ما توصف به بأنها ديكتاتورية ومعظمها كان مجرد أدوات بيد الغرب يحركها كيفما يشاء
ولكن من الملاحظ هو تراجع الحركات القومية والوطنية في الوطن العربي على حساب حركات اسلامية متشددة أستغلت الثورات العربية فركبت في موجتها حتى تمكنت من الوصول إلى الحكم متذرعة بالديمقراطية وسط مساندة أمريكية وأوربية لها بشكل مستغرب بشكل كبير من قبل دول أدعت أنها تحارب الأسلاميين المتشددين مما يعكس أزدواجية المعايير في التعامل مع البلاد العربية وشعوبها من قبل الغرب الأستعماري
ولكن قبل المضي في الحديث عن العلمانية و الحركات القومية العربية لابد لنا من التعرف على مفهوم القومية بشكله الشمولي والكامل ويتجلى الشعور القومي في وجود شعب ما في منطقة معينة يتجلى بثقافة مشتركة وحضارة مشتركة وتاريخ مشترك ولغة واحدة مشتركة مما يجعل هذا الشعب يسعى لتوحيد طاقاته وأفكاره في سبيل الوصول لدولة واحدة تحكمه إنطلاقاً من العوامل المشتركة التي تجمع هذا الشعب والذي تجعله يختلف عن غيره من الشعوب وتجلى ذلك الشعور القومي وسعي الشعوب الحيث نحو الوحدة في الوحدة الألمانية والوحدة الايطالية وغيرهم من الشعوب التي سعت لتحقيق وحدتها أنطلاقاً من أنتمائها القومي وثقافتها وحضارتها المشتركة
ويعد الشعب العربي جزءاً من هذه الشعوب التي أنتشرت على مساحة واسعة من الأرض الممتدة من المحيط إلى الخليج والذي هو من امس الحاجة إلى كيان سياسي يجمعه تحت لواء واحد من أجل النهوض بالأمة العربية إلى مصاف الدول المتقدمة والتخلص من التبعية للغرب وأما مفهوم العلمانية فهو مفهوم مختلف أختلافاً جذرياً رغم أنه يتضمن الحركات القومية فهو يتمثل في فصل الدين عن السياسة وعن الدولة وبالتالي فهو تيار قد يشمل القوميين وقد يشمل الليبراليين والبرجوازيين وغيرهم ورغم أنه مبدأ القوميين
إلا أن الحركات القومية أتهمت منذ الماضي بالألحاد والكفر من قبل من وصلوا إلى السلطة اليوم من جماعة الأخوان المسلمين وغيرهم ووصل الصراع بين الاسلاميين والقوميين لحد محاولة أغتيال الرئيس جمال عبد الناصر والذي يعد أكبر زعيم قومي في الوطن العربي في الستينات من القرن الماضي رغم تأكيدات القوميين المستمرة بأن العلمانية لا تلغي دور الدين في المجتمع ولكنها تحيد الدين وتبعده عن السياسة والسياسيين حتى أن هناك دولاً مثل سورية مثلاً ذات أتجاه قومي وحدوي ومع ذلك نلاحظ في دستورها أن الدين الاسلامي هو مصدر أساسي للتشريع
وبينما يتهم القوميون الحركات الأسلامية المتشددة بالرجعية والعودة إلى القرون الوسطى وبالتبعية للأستعمار وبعيداً عن ذلك الصراع المتأزم بين الحركات القومية والحركات الأسلامية المتشددة فأننا نلاحظ تراجع دور الأحزاب القومية في الوطن العربي وكان ذلك التراجع قد بدأ منذ السبعينات بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وأعلان سلفه الرئيس الراحل أنور السادات تخليه عن الأفكار القومية الوحدوية وأتجاهه نحو أمريكا وأسرائيل وكما تجلى التخلي عن الفكر القومي بشكل واضح في الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي سعى إلى محاربة كل من القوميين والأسلاميين على حد سواء
ومع الثورات العربية نلاحظ أنه لم يتغير شيء وأستمرت الدعوات القومية مجرد دعوات تذهب أدراج الرياح وسعت الدول الأستعمارية إلى محاربتها تحت ذريعة الديمقراطية والحرية بالتعاون مع الحركات المتشددة التي كانت خصمها في الماضي فغدا الحديث عن الوحدة العربية مجرد أوهام وتخيلات من الماضي بينما غدا كلام الأسلاميين والمتشددين وخطاباتهم وأفتائاتهم هي المسموعة في العالم العربي ويجب طاعتها ولم يعترض عليها الغرب طالما أنها تلبي مصالحه لا وبل أصبح هؤلاء القادمون إلى السلطة محط ترحيب البعض الذين أخذوا يتهافتون وراء هؤلاء عسى أن يحصلوا على دعم مادي أو سياسي مثلاً الفنانة سمية الخشاب التي تمنت الزواج من سلفي ومثل الفنان فضل شاكر الذي أكد دعمه للفكر المتشدد التكفيري
مما يطرح السؤال نفسه هل أختفى الفكر القومي وهل تخلى العرب عن وحدتهم ولبسوا عباءة الاسلام وحملوا السلاح ضد بعضهم تحت ذريعة الثورة والتي وصلت لحد تقسيم بلادهم على أيديهم هم ولا نلوم الغرب الأستعماري في من يسمعه ويطيعه من هؤلاء الذين ينطوون تحت ستار الأسلام مثل الذي جرى في ليبيا مثلاً أضافة إلى محاولة وضع مشاريع تقسيمية لسورية ولمصر على أساس إمارات أسلامية سلفية ومتشددة وبل إننا لم نسمع من الحركات المتشددة أي أدانة للكيان الصهيوني أو حتى الدعوة للجهاد ضد من يدنس المسجد الأقصى أنما كل ما سمعناه منهم هو الدعوة صراحة لسفك دماء المسلمين في سورية تحت ستار الجهاد ودعوة العرب إلى الأنضمام إلى ما يسمى بالجيش الحر لقتال السوريين
وبل إننا سمعنا من بعض الأحزاب السلفية في مصر وغيرها ترحيب بأسرائيل والمحافظة على العلاقة الأستيراتيجية معها إلى حد أن المرشد العام للأخوان المسلمين في العالم العربي وهو الشيخ القرضاوي أفتى بأنه يتوجب على الدول العربية أعتبار أسرائيل مثلاً يحتذى في الديمقراطية وأبدى أعجابه بأسرائيل وبل أفتى بقتل ثلثي الشعب السوري بالقول أنه يتوجب أن يقتل ثلثي الشعب السوري من أجل أن يعيش الثلثان فهل سيحل الفكر التكفيري المتشدد محل الفكر القومي الذي ساد في الستينات من القرن الماضي وأنتقلت شعلته من مصر إلى سورية التي حملت لواءه وتحملت من أجله الكثير من الأعباء من احتلال العراق إلى حرب لبنان وأستقبلت الكثير من الشعوب العربية المتضهدة على أراضيها من العراقيين إلى الفلسطينيين إلى اللبنانيين ودافعت عن حركات المقاومة في الوطن العربي في الوقت الذي تخاذل كل العرب عن مجرد إدانة واحدة لأسرائيل
ونعيد طرح
سؤالنا هل أختفى الفكر القومي هل سوف يحل الخطاب المتشدد التكفيري مكان التضامن
العربي والوحدة العربية نأمل أن لا يتحقق ذلك وإلا فاننا سوف نصبح ضرباً من الماضي
وتمسك بالتخلف الذي يعود إلى العصور الوسطى في الوقت الذي يسعى العالم أجمع بما فيه
النامي للحضارة والتقدم