تكاد تكون الرحلة الوحيدة في سيارة التكسي التي لم أنظر فيها إلى الساعة؛ ويكاد يكون المسار الوحيد في شوارع دمشق الذي لم اتبرم خلاله مللاً وكرهاً من كل ما يحيط بي.
فقد أقلني إلى مركز انطلاق البولمان سائق تكسي ليس ككل من امتهن هذه الصنعة؛ إذ كنت بصحبة شخص يحمل (الليسانس) في اللغة العربية، وقد امتلك قريحة شعرية مكنته من كتابة شعراً يطرب الآذان ويرهف الإحساس؛ فقد أسمعني كلاماً بـ (فلسطين، والفرات، وبردى، وطفولته، وزوجته...)، ما أضفى علي حينها راحة نفسية بعد توتر لمدة 3 ساعات في أجواء امتحانية سرقت مني الابتسامة لصعوبة الأسئلة!.
وقوفي على ثقافة ذاك السائق وإتقانه فن التعامل مع الزبون أنساني كل القرارات الحكومية المتعلقة بشكليات سيارة التكسي من موديلها ونوعها؛ إذ ما نفع ركوبي في تكسي الأجرة من ماركة المرسيدس –أسوة ببلد مجاور- إن كان السائق ليس متقناً لمهارة احترام خصوصية الزبون فقط ضمن هيكل التكسي، كأن يمتنع عن الحديث معك حول: ( نوع عملك، وراتبك، ومشاق الحياة، وتكاليف المعيشة...!)،وأنا لا أقول بإتقان مهارة التعامل خارج التكسي: (كأن ينزل ويحمل لك الحقائب، ويفتح لك الباب... فهذه تعتبر لدى البعض مبالغة، لكنها حقيقة وثقافة ليس فقط في البلدان المتقدمة).
كما لا أُلمح إلى أن يكون سائقوا سيارات التكسي من حملة الشهادات أو أصحاب قرائح شعرية؛ إنما –على الأقل- يُلزموا بمشغلات صوتية بناء على طلب الزبون ورغبته، وليس صوتياتهم الخاصة التي غالباً ما تكون موضوع سهراتهم الحمراء أو حفلات كازينوهات كانوا قد حضروها... كما المحافظة على نظافة المقاعد التي غالباً ما تحفل بأوساخ متراكمة؛ نتيجة استخدام السائق للكراسي كبديل عن صندوق السيارة الخلفي لحمل حقائب الزبون...!
أخيراً، ورداً على كلام ذاك السائق الذي كنت برفقته،عندما قال لي: "أتمنى أن تعود سالماً إلى وطنك ويعودك الأحباب"، أجيب ثانيةً: "دمت يا سيدي على رأس عملك"!.