news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
خواطر
القنبلة... بقلم : امية المقداد

في لحظة الانفجار ، تختفي بصمات صانع القنبلة ، وتتناثر الاشلاء ، فلا نميز بين اشلاء موالي أو معارض ، يساري او يميني ، علماني او متدين ، طفل او كهل ، حجر أو شجر

 نضيع من هول ضغط الصوت وهيجان المشهد بمحاولة رفع البصمات ، وتمييز الاشلاء ، وننسى أن الممزق هو اخي السوري ، وان الممزق هو وطني السوري


نحاول عبثا ان نتخيل لحظة الانفجار ، ترى من سيقتلنا اولا في لحظتها : دوي الصوت ؟ شظايا متطايرة ؟ أم الشعور بالعار من كل ماجرى من سنة وحتى لحظة انفجار القنبلة ؟

 يطل جسد نحيل من شباك سيارة مهشمة ، ارتخاء الجسد ينتهي عند قساوة معدن السيارة ، المعدن القاسي يحمل ويحتضن  الجسد الباحث عن نهاية لارتخائه ، ينتقل الموت بين الجسد و الحديد ، في الجسد يكون الموت مهزوما مرتخيا ، وفي السيارة يكون الموت منتصرا وقاسيا

 ألسنة النار البرتقالية تشع من بين الدخان الأسود الكثيف ، حرارة النار ، وريح الدخان ، والموت يسرق من كتاب الريح فلسفة النار.

 

ثلاثة شبان يحملون جسدا بأشلاء ، وأشلاء بجسد ، يركضون معا في ثلاثة اتجاهات ، الاول يريد الركض نحو المشفى ، والثاني نحو المقبرة ، والثالث نحو حضن أم الجسد ، اذا ركض كل واحد منهم في اتجاه فان الجسد سيصبح اشلاء ، واذا ركضوا معا بجهة واحدة ، صحيح ان الاشلاء ستبقى معا لتشكل الجسد ، ولكن للجسد المحمول جهته الخاصة ، تفرض نفسها على جهات الشباب الثلاثة ،  : جهة الموت

 

تجمع كثيف لأهالي المكان ، لأهالي الاشلاء ، لأهالي الشظايا ، حتى حبة الزفت المتناثرة لها أهل ، لكل حبة زفت أو حجر أو غبار أم وأب وإخوة ، وهل تعتقد انك وحدك من له جدة ؟ اولم تنمو الاشجار على حكايا جداتها ؟ وتطايرت حبات التراب على قصص جداتها ؟

 تجمع الأهالي حول سيارة مهمشة ، تمر لحظة يقف الجميع عن الحركة ، ينظرون باتجاه سائق السيارة خلف المقود ، تطول اللحظة رغم الهيجان وهول سرعة تناثر أجزاء المكان ، تمر اللحظة بطيئة ، فيطل الموت ويقول ساخرا : بإمكانكم تخليص الجسد من السيارة ، أو تخليص السيارة من الجسد ، غير مهم ، المهم أن تنجزوا الأمر بسرعة ، ثمة أجساد أخرى علي جمعها في هذا الوطن الذي كان كريما قي تقديم القرابين والشهداء والضحايا منذ سنة وحتى الان .

 

شاب يرتدي ثيابه الداخلية البيضاء، يقف في مواجهة الموت بعباءته السوداء الثقيلة ، ينظران في أعين بعض للحظة ، يعتذر الاثنان من بعضهما بلباقة ، كلاهما لايملك وقتا ، على الشاب أن يجمع الأشلاء ، وعلى الموت أن يجمع الأرواح .

 حفرة في وسط المكان بطبقات الفراغ ، وسط الشارع بطبقات الإسفلت، وسط الحي بطبقاته الاجتماعية ، وسط الوطن بطبقات لها لون العلم  ، وسط القلب بطبقات وذكريات ، طفولة وشباب وكهولة في نفس المكان والشارع والحي والوطن ، و الموت يقبع في طبقات حفرة صنعت بعناية من قبل تلك القنبلة ، وبوركت مع ابتسامة من  ملاك الموت

 

سيارة إطفاء تجوب المكان ، وفي لحظة غريبة يصبح لخرطوم المياه إرادة وعقل ، تمر الخيارات سريعا أمام الخرطوم ، هل أطفئ النار ؟ هل اغسل الجسد من دمائه ؟ أم اسقي وردة حمراء نبتت على جانب الطريق هذا الصباح ؟

 كتل معدنية تشكل قضبانها أساسا وخطوط لتكوين حائر مابين التعبيرية والتجريد ، مابين السيريالية والرمزية ، تحسم الألوان خيارها وتقرر أن يكون الأسلوب واقعيا ، يتبرع ذلك الجسد المنصهر والذائب بألوان الاحمر والوان من لون التراب ، وتتبرع عظام الجسد المتفحمة بضربات من قلم الفحم ، وتتبرع الثياب الممزقة بمساحات من الكولاج ، يرجع الموت خطوتين إلى الوراء ، يراقب لوحته ، يشعر بالرضى ، يتركها حتى تجف ، وينتقل إلى لوحة أخرى

 

صحفيون يجولون المكان ، يستطلعون أراء الناس والأشجار والحجارة ، وأمام الكاميرات ، يبكي الناس ، تتنهد الأشجار ، وتغضب الحجارة ، ووحده الموت هناك يستمتع بمقابلة صحفية يشرح فيها بإسهاب كيف تم الأمر وكيف جرى .

 أصحاب القبعات الزرق يصلون بسياراتهم الفارهة لمعاينة المكان ، يراقبون ويستمعون ويسجلون ، ويتكلمون بلغاتهم الأجنبية التي لايفهمها حجر بلادي ، وشجر بلادي ، وأشلاء أبناء بلادي .

 

ونحن ، نحن ثائرون في الساحات ، او شهداء في الساحات

نحن موالون خلف التلفاز ، ومعارضون خلف التلفاز

نحن ممن خبئ إبهامه المطلي بالحبر في يوم الانتخابات ، نحن ممن خبئ قصاصة ورق كتب عليها : نريد وطنا لكل السوريين

نحن  خائفون ، خائفون من بعضنا البعض ، نحنا قاتلون ، قاتلون لبعضنا البعض

 

كل السبل استنفذت ، وما عاد سوى التفجير الموجع يقلب المعادلة، أدمي الوطن اليوم  بأكثر التفجيرات إرهابا على مر الأزمة. سيارتان مفخختان بأكثر من ألف كيلوغرام غيرتا معالم منطقة القزاز، وحصدتا أكثر من خمسة وخمسين شهيدا وثلاثمئة وسبعين جريحا، فكان المتلقي  اليوم أمام عرقنة المشهد السوري وتحويله الى ساحة نازفة

أمام الصراع الدموي هذا فإن الشعب السوري هو الذي يسقط يوميا ومن لم يمت يجرح أو يروع أو يدفع الى النزوح ، ومن يبقى سالما معافيا عليه أن  يتلقى العصي وجميع الاطراف تقوم  بعدها

 

 

على إنفجاري القزاز انهالت الاتهامات المقززة وكل يتهم بعضه بعضا

 هذه هي حكاية الوطن منذ سنة وحتى سنين طويلة

 هناك من يستيقظ على صوت القنابل ، وهناك من يموت بشظايا القنابل

هناك من يستيقظ على صوت الرصاص ، وهناك من يموت بنفس الرصاص

هناك من تحترق أعصابه خوفا على نفسه ، على حبيبه ، على اهله ، على صديقه ، على اقاربه ، على كل روح سورية في هذا الوطن .

هناك من تعب ، من سئم ، من يئس ، وهناك من امن ، وأراد ، واستمر

 

انتهى الانفجار ، بكينا الأشلاء قطعة قطعة، بكينا الشظايا جزء جزء، بكينا طريق الاسفلت ، قطرات الدماء ، بكينا الشجر ، بكينا الحجر ، والموت يبكينا ويضحكنا في كل لحظة .

 سرقت ابتسامة عند نهاية كتابتي لتلك السطور ، فالشمس تغرب بهدوء كالعادة، والليل سيحل قريبا ، سيجل الليل على حجارة ذاك الحي ، وذاك الوطن

سيحل الليل على شجر ذاك الحي ، وذاك الوطن

سيحل الليل على دماء اهل ذاك الحي ، واهل الوطن

سينام الجميع ، سيموت الجميع

وسنستيقظ مجددا مع شروق الشمس ، على صوت القنابل والرصاص

ابتسمت ، وسابتسم اكثر اذا استيقظت غدا على صوت اقنابل والرصاص ، لاني ، اذا سمعت تلك الاصوات مجددا ، فهذا يعني اني مازلت على قيد الحياة ، واذا كنت على قيد الحياة ، فهذا يعني أن الوطن مازال ،، على قيد الحياة.

 

وطن ، حيث ابكي عندما لا ارغب بالبكاء ، ولا اقوى على البكاء عندما ارغب بالبكاء

وطن فيه موت ، وفيه الكثير والكثير من اسباب الحياة

 

 

2012-05-15
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)