news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
اللِّعان بقانون الأحوال الشخصية السوري ... بقلم : المحامي معاذ الميداني

  لا شك إن موضوع النسب من الخطورة بمكان و حساس لما يترتب عليه من نتائج خطيرة تؤثر على المجتمع و على العلاقات الاجتماعية .لذلك عملت القوانين الوضعية ومن قبلها الشريعة الإسلامية على حفظ الأنساب من الضياع و الكذب و التزييف و جعلت ثبوت النسب حقا للولد يدفع به نفسه من الضياع و حقا لأمه تدرأ به عن نفسها الفضيحة و الفحشاء و حقا لأبيه يحفظ به نسبه و و لده له عن كل دنس و ريبة و حتى تبنى الأسرة و توجد القرابة على أساس متين يربط أفرادها رباط قوي متين من دم واحد و أصل مشترك.


اللِّعان بشدِّ اللام وكسرها هو نفي الأب لنسب طفله بمعنى أن الولد من زوجته ليس من صلبه وقد جاء ذكره بقانون الأحوال الشخصية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 تاريخ 7/9/1953 بالفقرة الثالثة من المادة 129 من القانون المذكور .

 

     فإذا اتهم الزوج زوجته بالزنا أو نفى نسب ولدها منه ولم يأت بأربعة يشهدون على ادعائه ، فلا يحد حد القذف ، وإنما يشرع في حقه اللعان ، ومصدره في التشريع الإسلامي قوله تعالى : (والذين يرمون أزواجهم ، ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسُهم ، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله ، إنه لمن الصادقين ، والخامسةُ أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله ، إنه لمن الكاذبين ، والخامسةَ أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) سورة النور الآيات 4-9 .

 

    فإذا اتهم الزوج زوجته بالزنا ولم يثت ذلك فيحلف أربع مرات أنه من الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين وتحلف الزوجة كذلك أربع مرات أنه من الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين .

    وأما إذا كان المراد من اليمين نفي الولد وهو صلب موضوعنا فتكون اليمين على أنه صادق فيما رماها به وتحلف هي على كذبه فيما رماها به من نفي النسب .

    ومتى حلف الزوج يمين اللعان نُفي نسب الولد عن أبيه ووقعت الحرمة بين الزوجين وحُكم بالتفريق بينهما .

 

    وجاء قانون الأحوال الشخصية السوري مصدقاً لهذا الحكم فقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 129 على أنه : لا ينفى نسب المولود عن الزوج إلا باللعان .

    وترك شرح اللِّعان وكيفيته والمدة اللازمة له لاجتهاد قضاتنا الأكارم بالعودة إلى مصادر الفقه و التشريع الاسلامي .

 

    وما حدا بي إلى البحث في هذا الموضوع والكتابة فيه قصة طريفة حدثت مع إحدى زملائنا المحامين أخبرنا فيها أن موكله اكتشف بعد مضي 12 عاماً على زواجه بأنه مصاب بالعقم ولا يستطيع الإنجاب فتقدم بدعوى أمام المحكمة الشرعية لنفي نسب الطفلين ، إلا أن المحكمة الشرعية رفضت تسجيل الدعوى بحجة أنه مضى وقت طويل وكان يجب تقديم الدعوى عند ولادة الطفلين . قدم المحامي وموكله للقاضي الشرعي دليل فحص الدي إن أي " الحمض النووي" الذي أثبت أن الولدين ليسا من صلبه.. بل الأكثر طرافة بالقصة وأكثر مأساة له أن كل واحد منهما يعود لأب مختلف أي أن كلاً منهما يحمل بصمة وراثية مختلفة عن الآخر فكان جواب القاضي الشرعي الأول إنه في المحاكم الشرعية لايعترفون على تحليل الحمض النووي في إثبات نفي النسب !!!!

 

    وأنه بالنتيجة وحسب القانون السوري لا يجوز نفي النسب إلا بدعوى اللِّعان ... علماً أن موكله مستعد لحلف يمين اللعان إلا أن القاضي الشرعي رفض الدعوى بحجة إقامتها بعد مدة طويلة .

    ومستنده في ذلك مجموعة من اجتهادات محكمة النقض أورد لكم أحدها منعأ للإطالة والتكرار :

    القاعدة 667 ص1404

 

    المبدأ – نسب – نفيه – لعان – الخبرة الفنية

    1- ضعف الخصوبة لدى الزوج لا يمنع من الإنجاب

    2- الولد للفراش ولا ينفى النسب إلا باللعان

    3- مدة إقامة دعوى اللعان تكون وقت الولادة أو شراء أدواتها أو أيام التهنئة أو حسب عرف البلد

    4- أمور النسب من النظام العام

    5- لا وجه لاعتماد الفحص النووي أو الخبرة الفنية فالنسب لا يثبت إلا بالطرق الشرعية

 

    محكمة النقض – الغرفة الشرعية أساس 5300 قرار 2583 لعام 2005

    ومنشور في المحامون لعام 2007 الأعداد 10-11-12

 

يعني باختصار وباللغة العامّية يللي بدو ينفي نسب ابنو منو معو لوقت المباركة أو الطهور وإلا ثبت نسبه منه مدى الحياة .

    أو إذا شي وحدة علقت مع شي واحد ما بخاف الله وبدو يطلقها بيحلف هاليمين وبيطلقها وبينفي نسب ابنو منها طبعا مع مراعاة شرط المدة بالنسبة لليمين .

 

وحري بالذكر أن اللِّعان لا يصح إلا بين الزوجين حال قيام الزوجية ، فإذا كانت المرأة كتابية أو بائنة منه أي مطلقة فلا يصح اللعان في هذه الحالة ، فكيف السبيل إلى نفي النسب !!!

    وأثناء كتابتي لهذا الموضوع بحثت عن بعض الفتاوى التي يمكن الاستفادة منها للسماح باستخدام البصمة الوراثية ال دي إن أيه فتفاجأت بأن علمائنا الأكارم الأفاضل قد قرروا ما يلي :

 

    أصدر مجلس المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة قرار بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها في المدة من 21-26/10/1422 هـ الذي يوافقه 5-10/1/2002 م ، و قرر ما يأتي :

    أولاً: لا مانع شرعاً من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص لخبر ( ادرؤوا الحدود بالشبهات ) وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع ، ويؤدي إلي نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم ، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة .

 

    ثانياً: أن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لابد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة السرية ، ولذلك لابد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية ( وكأن الحفاظ على الأنساب ليس من مقاصد الشريعة ؟؟؟؟ وأحب أن أذكر هنا بأن عدّة المرأة الغاية الأساسية منها براءة الرحم والحفاظ على الأنساب ومنعاً لاختلاطها )

 

    ثالثاً: لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ، ولا يجوز تقديمها على اللعان .

    رابعاً: لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعاً ، ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة ، لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصوناً لأنسابهم .

    خامساً: يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية :

 

    1- حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء ، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها ، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه .

    2- حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها ، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.

    3- حالات ضياع الأطفال واختلاطهم ، بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب ، وتعذر معرفة أهلهم ، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها ، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.

 

    - أن الطريق الشرعي لنفي النسب هو اللعان فقط بشروطه المعتبرة.

    - لا يجوز نفي النسب الثابت شرعاً عن طريق البصمة الوراثية ولا غيرها بأي وسيلة من الوسائل ، ولكن يجوز الاستعانة بالبصمة الوراثية كقرينة من القرائن التي قد تؤيد الزوج في طلبه اللعان أو قد تدل على خلاف قوله ، فربما كانت مدعاة لعدوله عن اللعان .

    - أن القول بجواز إحلال البصمة الوراثية محل اللعان في نفي النسب قول باطل ومردود ، لما فيه من مخالفة للنصوص الشرعية الثابتة ، ومخالفة ما أجمعت عليه الأمة .

    - أنه لا يجوز استخدام البصمة الوراثية لغرض التأكد من صحة الأنساب الثابتة ، لما قد يترتب عليه من سوء العشرة الزوجية وسوء العلاقات الاجتماعية ، وغير ذلك من مفاسد كثيرة .

 

وصدقا حالما قرأت هذه القرارت التي خرجوا بها تبادر إلى ذهني فورا فتوى تحريم "البوكيمون" وفتوى قتل ميكي ماوس ، أي جهل وأي تخلفٍ هذا ...

وبالتالي يجب بكل تأكيد تعديل قانون الأحوال الشخصية السوري لهذه الناحية ، وما يزيد الطين بلة عقول أولئك اللذين لا يفقهون في العلم شيئا و يفقهون في الدين كل شي ، فأقروا استخدام البصمة الوراثية في تحديد هوية الجاني في الجرائم الأخرى ولم يقروه في جريمة الزنا والتي هي جريمة أيضاً في نظر الشرع والقانون وما المانع من الاستعانة بالبصمة الوراثية في إثبات جرم الزنا بدلاً من الاحتكام لذمة اللاعن وحده ، ( مثلهم كمثل القاتل الذي يُطالب بحلف اليمين لنفيه جريمته وإسقاطهم باقي الأدلة ) خاصة وأن الهدف والمقصد نفسه في كلا الحالتين وهو حماية الأنساب والأرحام وبما يتفق مع مقاصد الشريعة وليس ما يخالفها.

 

والحقيقة لابد لنا القول بأن اللجوء إلى طريقة الدي إن إي أو البصمة الوراثية يجب ان يأخذ طريقه إلى تشريعنا ويجب إضافة هذه الطريقة في إثبات النسب أو نفيه في قوانيننا وذلك حال وقوع خلاف ، وإذ نحن نحاول مواكبة التطور و التقدم العلمي و لا أعتقد ان هذه الطريقة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية لأن القرآن الكريم قد حث على العلم ولأنها طريقة علمية صحيحة يمكن الارتكان إليها لأنها تثبت حقيقة نسب الولد من والديه لكن بشرط توفر الأجهزة والتقنيات المتقدمة وأمانة القائمين عليها وكذلك اكتساب مهارات فنية دقيقة والتمرس في تفسير النتائج و تكون خاضعة للرقابة العلمية والفنية .

 

    وفي النهاية لا أتخيل انساناً عاقلاً لا يطالب بتعديل قانون الأحوال الشخصية بقانون عصري يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية وينظم أمور الزواج والطلاق والأسرة كونه يجب العودة في ذلك إلى أحكام الشريعة الإسلامية لكن دون أن يتعارض مع الاكتشافات العلمية والتطور العلمي الهائل الذي وصلت إليه البشرية بل على العكس تماما يجب الاستفادة من العلم في خدمة الشريعة والقوانين الوضعية المتعلقة بالأحوال الشخصية بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية وبما يتوافق مع أحدث ما توصل إليه العلم الحديث ...

 

2012-06-27
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)