ننتظر الآن عند أول مفترق لخريف العمر قدوم شتاء جديد .... تستعر في لياليه لحظات السهر و تغور في سواده نجوم الفرح ...
ننتظر الآن على شرفة القدر انتهاء عمر شمس الأصيل إيذانناً بانطلاق مهرجان المفاجآت على مسرح الوعود
ننتظر انبلاج فجر آخر ليوم مجهول في حياتنا .... يحمل لحظات فرح و حزن بين و كنات ساعاته المتسارعة ..... نستخلص من مروره العابر ذكرى رضيعة نجعلها حلقة وصل بين الآه و الآه على رفوف الذاكرة المهترئة ....
أيها الليل ..... يا خليل المتيمين .... اكشف اللثام عن وجهك الآخر و اسكب أسرار التائهين في جعبة الحكايات و الأساطير .... فلم يعد يعنينا القمر !! .. الق ظل عينيك ليحجب المتسترين بعباءتك الحالكة السواد فالنجوم تكشف النفوس و تعري ضباب الهمسات .....
أيها الليل ..... يا حضن الشاردين .... شطآننا ثكلى و موانئنا مرسى المستحيل .... و بين غضون ديجورك أخبار و آهات و دموع .... لما الصمت إذاً ؟ لما عتاب المحبين .... فبيني و بينك عهود و مواثيق .... لا تلم الجراح .... فالإخلاص سمة النفوس الأبية .... و الواقع مطرقة تقض مضجع الأحلام .... و روحي باتت مرهونة للنهار .....
أيها الليل ..... يا صمت الحقيقة الطويل .... كم لملمت دراريك تحت طرحتك الداكنة من أفكار و سيمفونيات خالدة .... و افترشت على أرصفة الغيوم الرمادية المتقطعة من مواعيد و قرارات و عهود لم تطلها يد التحريف بعد .... و كم ناداك متوسل فعاد الصدى يشكو مرارة الجواب .... و بات التائه تحت خيمتك الواسعة يرسم على رمال الخيال المجنح منارة من سراب ......
أيها الليل ..... كم طرزت الأقدار المتنافرة على جبينك الدامس من صرخات و ذعر و نظرات مرتجفة .... كم تلاشى تحت ظلام هيبتك من همسات و لمسات و أصابع متشابكة .... و أنين جراح عاشقة طالت تفتش بين خفايا كنوزك عن مفقودين لم تقيدهم بعد سجلات الذاكرة ......
أيها الليل .... أيها الغريب .... أنت كالموت جميع صنوف النفوس لديك سواسية .... وتحت قبعتك الغامضة تدور أحداث و أحداث و يتحقق المستحيل .... فيحكم الضعفاء قانون الغاب لساعات قليلة .... و يستجدي بك الظلام مبررين ظلمهم .... ما زلت يا صديقي تسترق النظر متوجلاً إلى خيوط الفجر الأولى كأولئك المتسكعين تحت ظلالك .... تعد اللحظات كي تجمع نجومك بكلتا يديك قبل أن يسلب فجر الحقيقة بريقها ....
أيها المجهول ... اعذر ثورتي المفاجئة فلم أكن أود أن أخدش حياءك بآهات مكبوتة حزينة ..... ولا أبغي طول الانتظار على شرفة التأمل .... فقد بعثرت كلماتي على شفاه المعاني .... و تاهت نجمتي الصغيرة تحت خمار الظروف ..... أخبروها أن القمر يكتم الأسرار فراحت تغوص في متاهات دهاليزك حتى أفلت تحت أهداب براءة عينيها .... لم تعتد الانقياد إلى المجهول دون قلبي .... لكن غرر بها سحر طلتك الموشومة بنظرات المحبين المسمرة .... وما زلت أرقب طيفها في كل حلم .... مع كل شهاب امتطى أجنحة النور و زعزع براثن الصمت ....
أيها الليل .... إذا لاقتك اللحظات الهاربة بعيني فتانتين لا يخفى سحرهما لا تصمت كعادتك إنها نجمتي .... قص عليها حكاية الانتظار المضني .... أخبرها عن آلامي المتكاتفة كالطود ... و احضنها ريثما أصل .... فلم أعد أطيق صبراً وتهت في بيداء هجرانها ...
قل لها أن" طريق الإياب أحياناً يفترش بالورود و يضاء بشموع الأحاسيس المتأججة .... و أن النظر إلى الخلف لم يعد هزيمة .."