news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
حفلة عشاء سورية على شرف التجربة الديمقراطية...بقلم : إيّاس أبرص

كأي مواطن سوري كان مدعواً ليشارك أخوة الأرض في العشاء ، في الرأي والاقتراح والبناء . راح يفكر ملياً كيف سيتحضر ، ماذا سيرتدي وكيف سيبدأ الحديث ، فالليلة بشارة زفاف لا يشبه الهطول ، ولأنه لم يرد أن يستنفذ قواه في كثرة الأفكار لألا تثنيه عن استحضار ما يفعم في حينه الحوار ، قرر أن يذهب عارياً ، ليس في ملابسه إنما فيما سيكون دوره عند أول خطوة .


صديقنا لم يكن يمانع في الذهاب عارياً حتى من ملابسه ، فقد اعتاد حقبة عارية من الأخلاق ، لا تغطيها لغة ولا يحيا عليها معتقد ، ولكنه وعلى أمل أن يخيط العشاء ثوباً ناصع البياض يخلد فيه إلى النوم بعد الإنهاك الذي طال وطال ، ارتأى أن يضحي بعض الشيء .. فالحلم الكبير سيولد ويصبح حقيقة .

في طريقه إلى هناك ، تلمس حوضاً فارغاً وأخبره سراً أن الجميع سيعود للاعتناء به كما زمان وسيقطفون من أعماقه أعرق ألوان الحب ، كيف لا ؟ ، وهو الذي عرف الحب يوماً مضى ويأمل بأن يعرفوه صغاره أيضاً ، مشى إلى حائط مشية عسكر وطالبه برقصة تقاعد ، لأنه سينصرف من عمله الشاق في مشاركة الجميع حياتهم السياسية ، قال راقصني فغداً ستكتسي بأثوابك القديمة ، رقم هاتف مراهق وذكرى وعبارة عن عدم التبول هنا ، ألا تشتاقهم مثلي ؟

من رصيف إلى آخر كان يعبر ، لا يكل ولا يتعب ، يشير ويخبر روحه عن بائع الفستق الذي يركن هناك ، وما أن يصل بائع الغزل حتى يبدآن جدلهما اليومي حول ما يحبه الأطفال أكثر ، ولا ينتهون إلا بحضور المجنون حسن كما يسمونه أهل الحي ، فيسرق امتعاضهما ويملأ وجهيهما بضحكات عجائزية ويكسب هو كيسين مليئين بالفستق والغزل ممضياً بقية اليوم في غناء أغنية أنا الشاطر حسن .

يملؤه الإيمان بأن نصف ساعة حقيقية تفصله عن ميعاد الحياة الغامرة ، ميعاد الحفلة ، وأن القبر الذي اشتراه لنفسه لن يدفن فيه للسبب الذي أعتقده هو ، وكان قد اعتزم أن يخبر أحجار قبره ذلك وهكذا فعل ، أردف على الجيرة السلام وأمنيات بالسكينة والطمأنينة وأخبرهم أن بعضهم ماتوا بريئين من الاتهامات ، وبعضهم الآخر ماتوا لأنهم لم يدركوا حب الحياة ، وأنهم الآن عليهم أن يكونوا موتى محبين وأنه وغيره سيعيشون بعد قليل من أجلهم زهو الحياة .

قدماه تطرقان عتبة الرصيف ما قبل الأخير ، قبالة الباب الأبيض ، مشيداً لنفسه إعجابه باللون فهو الغاية وهو السبيل ، أخذ نفساً عميقاً وتقدم في خط مستقيم للدخول دون عودة ، لم تكن انتفاضات القلب واندثار التفاصيل من حوله تمنعانه من استمرارية التقدم ، ولكن حصل أن القائم على تنظيم العشاء خصص بواباً ، ولعله يريد التأكد من خلو الأخطاء تماماً .. هكذا أخبر نفسه معللاً سبب وجوده .

- أنا المواطن السوري إ
- أحمر بنجمتين ردف الباب الأيمن ، أخضر بثلاث ردف الباب الأيسر
- ولكن الباب أبيض
- أحمر بنجمتين على يسار الطاولة ، أخضر بثلاث على يمين الطاولة
- لما تبادلا ؟
- كي نكون ديمقراطيين
- ولكننا أبناء لأب واحد ، ما هكذا يكون
- لا يهم ، هكذا ديمقراطيتنا
- ولكنني
- ولكنك ماذا ؟ ماذا تريد ؟
- أريد باباً أبيضاً يجمع بين الجميع

تبادل البواب الحديث مع شخصين لبضع دقائق ، يبدو أن كل منهما نائب لردف من الباب ، وعاد مسرعاً إلي يصرخ

- الديمقراطية ديمقراطية ولا يمكن للديمقراطية أن تكون غير ديمقراطية
- ها ؟
- وما أدراك أنت
- أدراني أنني وبعد هذا العمر الطويل ما عدت أعتبر نجومكم أوسمة وامتيازات ، وأن ألوانكم الخضراء والحمراء ما عادت كنايات عن الجمال والإخاء ، أدراني أنني جئتكم عارياً وأطالب الآن بعلمين منزوعي النجوم والألوان يحترمان

طلقتان سريعتان في الرأس ، التهمة : إساءة استخدام الديمقراطية ومحاولة عرقلتها
فيما بعد ، نقش المجنون حسن على قبره : عشاء سوري آخر على شرف الديمقراطية!


 
2012-07-19
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)