نتحدث باختصار إلى جميع من يحاولون الدفاع عن اليهود بطريقة أو بأخرى، أنه ليس لدينا أي مشكلة مع أي يهودي ليس له دور باحتلال فلسطين. بعبارة أخرى، لا يعنينا يهود أوروبا وأمريكا وغيرهم من يهود العالم في حال لا يساهمون ولا يدعمون الهمجية اليهودية والصهيونية في فلسطين.
هذا الكلام أعتقد أنه يقطع الطريق على كتابات البعض وطروحاتهم في الدفاع عن اليهود. فلولا احتلال فلسطين واغتصابها يهودياً، لما انصبّ اهتمامنا على تفكير وثقافة اليهودي دون سواه، وهو المعروف تاريخياً بغدره وقتله ومكره وضعف إيمانه....الخ. لقد حاول العديد من الكتّاب بقصد أو دون قصد تصوير أنّ هناك يهود يقعون ضحية تفكيرنا المقاوم، في حين نسوا أو تناسوا احتلال أرض فلسطين وتشريد أهلها. عموماً شاع هذا الفكر في النصف الثاني من القرن الماضي وخصوصاً بعد معاهدة الاستسلام (كامب ديفيد)، حيث كان الاندفاع باتجاه التقرب من اليهود والتطبيع مع العدو اليهودي في فلسطين. كنا تحدثنا في مقالات سابقة عن بعض الكتّاب وما تناولوه في هذا المجال. وفي هذا المقال نتناول كتاب حول هذا الموضوع نظراً لأهمية الطرح في زمن بلغ الصراع أوجّه على أرض فلسطين ومحيطها الطبيعي، واشتدّ هجوم عدونا اليهودي لينال منّا جغرافياً وفكرياً وعلى كافة االصعد من دون هوادة. في حين يسعى البعض من المثقفين والكتّاب بنية طيبة أو غير طيبة لتشتيت نظرنا وتخفيف عزيمتنا في المقاومة والتصدي، من خلال طروحات نحن لسنا بصددها وليست غايتنا وهدفنا.
وقع بين يدينا كتاب بعنوان (يهود ضد الصهيونية) للكاتب محمد نمر المدني (1 أيار 2007 – دمشق). وعند قراءة مقدمته المُلخِصة لمضمون الكتاب شدّ انتباهنا الكثير من الجمل والاستنتاجات والأحكام المطلقة، وعندما بحثنا عن مراجع الكتاب ومستنداته وجدنا أنها مستندات ضعيفة جداً ومشبوهة، ولا يمكن أن يُستند كتاب بهذا العنوان الخطير ومضمونه عليها. فهذه المراجع بأكثريتها عبارة عن مواقع الكترونية، وللأسف لا تتمتع بالمصداقية والشفافية ولا حتى الموضوعية. نذكر أمثلة عنها (الجزيرة نت، العربية نت، وال BBC Arabic). وبما أننا لا نؤمن بالشمولية وبالتعميم المطلق رأينا تصويب ومناقشة الأفكار الرئيسية لمضمون الكتاب. بالنسبة لنا إنّ قيمة هذا الكتاب تكمن في فتح باب المناقشة ولفت نظر القارئ إلى أفكار ومعلومات وحقائق قد تكون غائبة عنه، وتقويم مانراه غير مناسب، وليس بمكانه الصحيح في هذا الكتاب. طبعاً هذا المقال ليس المقصود منه لا التجريح ولا التعرض لشخص الكاتب، وإنما معالجة ما كتب وما طرح نظراً لأهميته وخطورته باعتباره يمس مسألتنا الفلسطينية التي هي أهم مسائل الأمة السورية خصوصاً والعالم العربي عموماً لمن يعي طبعاً مصالح بلاده القومية.
في مقدمة الكتاب تحت عنوان (فقدان الوطن اليهودي) يُشير الكاتب إلى أنّ الكيان اليهودي عبارة عن عصابة إرهابية من الصهاينة (" ... بأن اليهود لا وطن لهم على الاطلاق، وأن هذا الكيان ...ليس سوى لعصابة إرهابية من الصهاينة ..."). في الحقيقة لا ضير في أن نسجل أنّ هذا الكيان عبارة عن عصابة من اليهود الصهاينة وهو الأصح، لأن ما سجله اليهود عبر تاريخهم ليس بعيداً أو غريباً عن ما يمارسوه ونشاهده اليوم في فلسطين. وهذه الأفكار والممارسات لديهم مستوحاة من التوراة (العهد القديم) والتلمود ومعترف بها عند اليهود وغيرهم من المتصهينين أو المتهودين. وعندما يستخلص الكاتب أنّ اليهود لا وطن لهم فهذا دليل على عنصريتهم وفوقيتهم ونظرتهم الدونية للغير (الغوييم)، وهذا لايُخفى على أي باحث أو حتى مطالع للتاريخ اليهودي وكتاب التوراة. وليس صحيحاً أبداً أنّ هذه العصابة استندت في إنشاء كيانها على أكذوبة المحرقة فحسب كما ذكر الكاتب في مقدمة الكتاب.
فالمحرقة الأكذوبة التي يعود تاريخها للحرب العالمية الثانية كان سبقها ما يُثبّت هذا الكيان على أرض فلسطين منذ بداية القرن السادس عشر حيث صار الشعب في انكلترا والمانيا يرى أنّ اليهود هم شعب الله المختار وأنّ فلسطين هي أرضهم وذلك بعدما تمت ترجمة الكتاب المقدس وقراءة التاريخ اليهودي، حيث أصبح المسيحيون المتهودون مؤمنون أنّ عودة المسيح مرتبطة بعودة اليهود إلى أرضهم الموعودة فلسطين. حدث هذا كله عندما قام الإصلاح اللوثري بدعم قراءة العهد القديم./ الأب ميشال السبع _ الصهيونية المقنعة بالمسيحية في خدمة مشاريع إسرائيل _ مجلة الدفاع الوطني اللبناني _ العدد 45_ تموز 2003 /. (علماً أن الكاتب في الفصل الرابع من الكتاب وعند اشارته إلى مارتن لوثر يُحاول أن يُدافع عنه ويُصيغ الموضوع بطريقة أخرى). نضيف على ذلك، أنّ اللبنة الأولى للمستعمرات اليهودية تشكلت في عهد السلطان العثماني عبد الحميد / تاريخ سوريا القديم _ د. أحمد داوود _ دمشق 2003 / مروراً بتقسيم سايكس بيكو وصولاً لوعد بلفور ومؤتمر سان ريمو وجميع هذه الأحداث سبقت إشاعة خبر الهولوكوست.
يذكر الكاتب كذلك في المقدمة (" كل النتاج اليهودي يتبرأ من الصهيونية ....اليهود الأحرار يزدادون يوماً بعد يوم..."). لا أعرف هنا ما يقصده الكاتب بالنتاج اليهودي وبمقولة اليهود الأحرار، لكن قد يكون قتل الأنبياء ومهاجمة القرى وإحراقها وقتل أناسها، وكذلك الاعتداء على السيد المسيح (ع) أو محاربة النبي محمد (ص) ونشر الأحاديث والأكاذيب عنه وحوله، أو امتصاص خيرات الشعوب والبلدان التي يسكنوها ضمن قوقعة معزولة (غيتو) هو المقصود بالنتاج اليهودي؟. لقد كُتِب الكثير والكثير في عنصرية ودموية ولا إنسانية اليهود، ويمكن للباحث عن الحقيقة أن يُراجع هذه الكتب المرتبطة بهذا الموضوع, فعلى سبيل المثال: تطرق الكاتب الدكتور جورجي كنعان لهذا الموضوع في العديد من مؤلفاته وبشكل شبه مفصل ( العنصرية اليهودية 1983، وثيقة الصهيونية في العهد القديم 1977 والعديد من الكتب الأخرى لنفس المؤلف وغيره التي تتطرق إلى هذا الموضوع حيث يمكنكم مراجعة قصة ذبح الكاهن توما في دمشق وغيرها من الجرائم المرتبطة بعيد الفصح اليهودي :
كتاب طقوس القتل عند اليهود للكاتب الروسي / دال 1844 / وغيرها من الكتب المرتبطة بهذا الموضوع). لكن بالنسبة للذين لا يؤمنون بما تخطه أيدي الكتّاب (الذين يكشفون حقيقة اليهود) عبر اتهامهم بالكتابة بدافع عاطفي وغيرها من التهم المذكورة في الأعلى، يمكنهم أن يراجعوا الكتاب الفصل في هذا الموضوع وهو التوراة (العهد القديم) بالإضافة للتلمود والبروتوكولات وغيرها من الكتب الموضوعة بأيدي اليهود أنفسهم, ليتأكدوا تماماً من عنصرية ولا أخلاقية ولا إنسانية اليهود وكيف ينظرون للآخر الذي هو نحن.
في الصفحة الثامنة من مقدمة كتابه، يؤكد الكاتب أنّ غالبية يهود العالم تؤمن أن لا دولة لليهود (" وان يهود العالم المشتتين لايقتنعوا بأن اسرائيل هي دولتهم، ولذلك لم يستوطنوافيها،....وايمانهم القوي بأن لا دولة لليهود"). هذا الكلام ليس دقيقاً بالشكل الذي طرحه الكاتب. إذ أنّ أغلب اليهود يدعمون اسرائيل في فلسطين، والقلة القليلة تعارض قيام دولة يهودية لأسباب دينية بحتة، حيث أن هذه المعارضة ليست من لون إنساني أو أخلاقي أو ماشابه ذلك. (أشار الكاتب نفسه لذلك وناقض كلامه في الصفحة 29 – 30، تحت عنوان عقيدة الخلاص اليهودية، بالإضافة لما ذكره عن اعتماد حركة ناطوري كارتا على أسس دينية يهودية في رفضها للصهيونية، جاء ذلك في الصفحة 42، وكذلك ماأظهره الكاتب في الصفحة 44. ويدعم كلامنا هذا أيضاً ما جاء على لسان الحاخام يسرويل ويس في الصفحة 103). حيث تؤمن هذه القلة القليلة أن خروج اليهود من فلسطين في الماضي هو عقاب آلهي وأن الوقت لم يحن بعد لعودتهم وهم ينتظرون مجيء المسيح الذي لم يأتي بعد بنظرهم، مستندين بذلك إلى التوراة والتلمود. وهذا ما أشار إليه الكاتب صراحة عند حديثه عن حركة ناطوري كارتا المعادية للصهيونية والتي تنتظر قدوم المسيح لإقامة الدولة اليهودية وعودة اليهود (الصفحة 44). أما الموجودون في فلسطين وغيرهم من المسيحيين المتصهينيين فهم يؤمنون بأن قيام دولة يهودية في فلسطين هو ضرورة حتمية لمجيء المسيح (العودة الثانية_ عودة الروح) وبالطبع مستندين للعهد القديم.
(" لاتخف فإني معك، وسآتي بنسلك من المشرق وأجمعك من المغرب وأقول للشمال هات وللجنوب لا تمنع / أشعيا 43/5-6"). (" ها آنذا آخذ بني اسرائيل من بين الأمم التي ذهبوا إليها وأجمعهم من كل جهة وآتي بهم إلى أرضهم وأجعلهم أمة واحدة في هذه الأرض في جبال اسرائيل وملك واحد يكون ملكاً لجميعهم. حزقيال/37/21"). كذلك نجد أنّ من يدعم من اليهود فكرة الوطن القومي في فلسطين كالحركة الصهيونية مثلاً، تدعم رأيها بما جاء في سفر ( عفوده زاره في التلمود ) على سبيل المثال: (" ينبغي ألا تؤجر البيوت لغير اليهود في أرض يسرائيل ، ناهيك الحقول "). مثال آخر:( " من يقيم خارج أرض يسرائيل هو مثل إنسان بدون إله " / كتوبوت . 11 ب/ ). أما من يُعارض فكرة العودة والهجرة إلى فلسطين من اليهود أيضاً يستندون إلى نفس التوراة والتلمود في خيارهم هذا وهذا ما أكده أحد الحاخامات مستشهداً على ذلك بسفر آرميا من التوراة( 22:27) وكذلك من التلمود ( " إن من يعيش في بابل كأنه مقيم في أرض يسرائيل " / كتوبوت .111 أ / ). ( اليد الخفية – عبد الوهاب المسيري).
وبهذا يمكننا أن نُعلل أحد وأهم أسباب تحمّس كل من جيمس آرثر بلفور وديفيد لويد جورج لإصدار وعد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين والذي عُرف فيما بعد بوعد بلفور ( فلقد كان بلفور ينتمي إلى عائلة بروتستانتية تؤيد كل ما جاء في العهد القديم من وصايا وحكايا ومنها إرث اليهود في فلسطين ومجيء المسيح المرتبطة بهذا الحدث. وكذلك لويد جورج الذي أكّد في اعتراف له بأنّه درس التاريخ العبري أكثر من تاريخ انكلترا وبمقدوره ذكر كامل أسماء ملوك اليهود أمّا بالنسبة لملوك انكلترا فحفظ أسماء القليل منها). كما لوحظ سيطرة تامة للعهد القديم ( التوراة ) على عقول بعض كبار المفكرين والكتّاب بالإضافة للقادة والسياسيين مثل باسكال، كانت، نابليون (الذي وعد اليهود باستعادة دولتهم في فلسطين إذا احتلها بجيوشه) والفيلسوف جان جاك روسو( ينتمي لعائلة بروتستانتية فرنسية) الذي أكدّ في أحد كتبه ( أميل - 1762) على إقامة دولة إسرائيل (" لن نعرف الدوافع الداخلية لليهود أبداً حتى تكون لهم دولتهم الحرة..").
إذاً ما هو مؤكد أن جميع اليهود ذوي ثقافة واحدة مستلهمة من التوراة والتلمود، بكل ما يحتويانه من أفكار غير إنسانية، أفكار فوقية ودموية وهمجية. فدقيق جداً قول الكاتب أنّ اسرائيل هي كلب حراسة للولايات المتحدة، والأدق من ذلك أنها كلب حراسة للانكليز من قبلها. ولكن ذلك يأتي وفقاً لاعتقادات دينية تُرضي متديني أمريكا وأوروبا وذوي الثقافة الصهيونية، وإلا لكانت اعتمدت الولايات المتحدة ووضعت بثقلها على كلاب الحراسة الأخرى المتمثلة بإمارات الخليج ومن قبلها شاه إيران. وهذا مايُفسر تقديم رؤوساء أمريكا أمثال (كارتر- ولسون- ريغان- بوش- أوباما) وغيرهم من المسؤولين الأمريكيين الولاء لاسرائيل، لأنهم شخصيات ذوي خلفية دينية تؤمن بالعودة الثانية للسيد المسيح بعد عودة اليهود إلى فلسطين. صحيح أن هنالك هدف استعماري من دعم اليهود ولكنه ممزوج بدافع ديني. حيث أنّ من الجدير بالذكر أنّ حوالي 47% من الأمريكان متدينين وهناك المئات من المحطات التلفزيونية والإذاعية التي تعمل على الجانب الديني وتغذي الفكر البروتستانتي الجديد (المتهود). حيث نجد أن أحد أهم أهداف الحرب على العراق تحقيق النبؤات التي آمن بها الرئيس الأمريكي بوش ومجموعة كبيرة من الشعب الأمريكي واليهودي حول العودة الثانية للسيد المسيح والسيطرة على العالم لمدة ألف عام (الأب ميشال السبع – تموز 2003 – مجلة الدفاع الوطني اللبناني). وحيث لا يخفى عليكم الموافقة التامة للولايات المتحدة الأمريكية على وعد بلفور سراً من قبل رئيسها ولسون في العام 1917 ، وجهراً في آب من العام 1918.
(" كافة اليهود ... والذين قدموا للإنسانية خدمات في نتاجاتهم لم ينتموا أبداً للصهيونية بل كانوا معادين له"). باختصار: يمكننا أن نستدل على تعريف اليهودي من خلال قراءة المفكر الاجتماعي السوري أنطون سعادة والذي يعتبر من أوائل المتنبهين للخطر اليهودي في فلسطين وكافة أرجاء الأرض السورية: (" لم يقم قط نابغة يهودي تمكن من أن يغرس في قلوب اليهود صفة التقرب من الشعوب التي يعيشون بينها والتضامن معها في أعمالها الاجتماعية والعمرانية، ظل اليهود بنوابغهم كاليهود بلا نوابغهم، يعيشون كالحلميات آخذين من قلب النهضة الاجتماعية بلا مقابل. أفبعد هذا يتذمر اليهود من اضطهاد الشعوب الحيّة لهم ؟" ) / من مقال القضية القومية الصهيونية وامتدادها. شباط 1925 /.
" ... اليهود المعادون للصهيونية ....تبلغ نسبتهم حوالي 90% من عدد يهود العالم"). لا نعلم من أين أتى الكاتب بهذه النسبة ؟، فهي غير موثّقة. حال أكثر المعطيات والأفكار التي أدلى بها الكاتب، فغالبيتها غير موثقة ومسنودة، ومراجعه جداً ضعيفة ولا يمكن الاستناد إليها بتاتاً. فلو أن هذه النسبة صحيحة لما كان هناك اسرائيل. إما أن تكون هذه النسبة محصورة باليهود المعارضين بالأصل لقيام دولة اليهود فيمكن أن تكون صحيحة ولكن هؤلاء اليهود نسبتهم في العالم قليلة جداً ولا يمكن التعويل عليهم. أما الحديث عن يهود العالم فهذه النسبة غير دقيقة بتاتاً.
في الفصل الأول من الكتاب وتحت عنوان عداء اليهودية للصهيونية: ذكر الكاتب أنّ هذا العداء مستند على عدة أسس منها: (" تكفير الصهيونية واتهام الصهاينة بعدم المعرفة بالتوراة وبعناصر الديانة اليهودية .... ويرفض يهود العالم بالإجمال الهجرة إلى دولة الكيان ..."). إنّ أي متابع لبدايات تمركز اليهود في فلسطين يصل إلى أن اليهود الصهاينة استغلوا كل جملة في التوراة لإثبات حقوقهم ودعم هجرتهم وسيطرتهم على فلسطين. أي أنّ القول بجهل الصهاينة بعدم معرفتهم بالتوراة فهذا غير صحيح أبداً. وإنّ محاولة لصق الجرائم بالصهاينة وإبعاد هذه التهمة عن اليهود فهذا ما يناقض تاريخهم، ويناقض ما جاء في كتاب العهد القديم وجرائمهم تجاه أنبيائهم وجيرانهم، كما يناقض ما جاء في القرآن حول عداء اليهود للمؤمنين. (" لتجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا ...."). الكاتب اليهودي إسرائيل شاحاك يؤكد بشكل واضح أنّ السياسة الإسرائيلية تعتمد في حركتها على العقيدة اليهودية بالدرجة الأولى. ( القلم الجريء / مفكرون غربيون ويهود انتقدوا الصهيونية / 2003 ). يعني هذا أنّ الصهيونية هي التطبيق العملي للثقافة والعقيدة اليهودية. كما يؤكد هذا الامتزاج الكاتب اليهودي أيضاً الفريد م.ليلينثال ونجد ذلك بتساؤله الذي أبداه في كتابه /علاقات صهيونية: ما هو سعر السلام/ عندما قال :( " ما دور الصهيونية في صراع الشرق الأوسط؟ وما الفارق بينها وبين الديانة اليهودية إن كان هناك فوارق ؟). ما يُسيء لكتاب الكاتب هو التعميم الدائم في جمله والأفكار المطلقة التي يطرحها. فلو كان كلامه صحيح حول رفض اليهود بالإجمال للهجرة لما كان هناك بالأصل الكيان اليهودي في فلسطين !؟.
يعود الكاتب ليناقض ما توصل إليه حول معارضة اليهود للصهاينة في تشكيل دولة يهودية في الصفحة 12، حيث يؤكد على أنّ أولى المسائل المهمة التي يثيرها يهود العالم، أن الصهيونية وعدتهم بأن تؤسس دولة يهودية تسمح لليهود بالتحكم في مصائرهم مستقلين عن مجتمع الأغيار. ما يُفهم من هذا الكلام هو تلازم خط اليهود والصهاينة في تشكيل دولة يهودية على أرض فلسطين وبالتالي الاشتراك في مجازر فلسطين. كما يؤكد على دعم اليهود للهجرة في العالم تجاه فلسطين. كما يدل على عنصرية اليهود والصهيونية التي هي من صلب ثقافتهم في التعامل مع غيرهم من البشر. أي أنّ الاختلاف كما يُظهر الكاتب نفسه في سياق حديثه لا يكون على قيام الدولة وإنما على قواعد وقوانين الدولة.
تحت عنوان الوعي العالمي ضد الصهيونية أقرّ الكاتب بتنويه كارتر في مذكراته إلى عنصرية اسرائيل. نقول أنه في صراعنا مع هذا العدو اليهودي لا تهمنا الأقوال بقدر ما تهمنا الأفعال. فما قدمه كارتر للعدو اليهودي ولاسرائيل في مرحلة استلامه لحكم الولايات المتحدة الأمريكية يدحض كل ما يقوله. فعملية السلام التي رعاها كانت من أهم الركائز التي استند عليها اليهود في سيطرتهم على فلسطين. والمتابع لتحركات كارتر بعد انتهاء ولايته يُشاهد دعم كارتر للعنصرية اليهودية في فلسطين وليس العكس، وبالرغم من انتحاله لصفة رجل السلام فلم يصدر عنه مانراه لصالح فلسطين وأهلنا هناك. وهذا ليس بالغريب عنه فهو أحد الرؤوساء الأمريكيين المتأثرين بالنبؤات اليهودية والمؤمنين بالعودة الثانية لليهود إلى فلسطين والتي أشرنا إليها سابقاً.
ضمن عنوان عقيدة الصهيونية: يُشير الكاتب إلى أنّ الصهاينة رفضوا الدين اليهودي ولم يلتزموا بقيمه الأخلاقية. في الواقع الصهيونية هي التطبيق الحرفي لليهودية وبعدها القومي. وهذا ما توصل إليه الكاتب اليهودي اسرائيل شاحاك (" إنّ الاطلاع على سياسات إسرائيل الخارجية، خصوصاً النصوص العبرية، يوضح أن العقيدة اليهودية ، أكثر من أي عامل آخر، هي التي تحدد السياسات الإسرائيلية. ومن لا يفهم الديانة اليهودية لا يدرك أسباب هذه السياسات"). في مكان آخر أيضاً يؤكد الكاتب على تلازم مساري اليهودية والصهيونية عندما قال:(" االيهودية القديمة، وحفيداها، المؤمنون بالديانة اليهودية، والصهاينة، كلاهما يرفضان فكرة إسرائيل المفتوحة الأبواب."). أما القيم الأخلاقية للتعاليم اليهودية فهذا صراحة ما أبحث عنه.
كنا نتمنى أن يُشير الكاتب إلى هذه التعاليم إن وجدت طبعاً. علماً أنه يُشير في الصفحة 23 إلى الفساد الأخلاقي لليهود. اللهم إلا إن كان مقصده أنّ استعباد الشعوب الأخرى (" و أما عبيدك و اماؤك الذين يكونون لك فمن الشعوب الذين حولكم منهم تقتنون عبيدا و اماء و أيضا من أبناء المستوطنين النازلين عندكم منهم تقتنون و من عشائرهم الذين عندكم الذين يلدونهم في أرضكم فيكونون ملكا لكم و تستملكونهم لأبنائكم من بعدكم ميراث ملك تستعبدونهم إلى الدهر و أما أخوتكم بنو إسرائيل فلا يتسلط إنسان على أخيه بعنف . 44,45,46:25 الإصحاح الخامس والعشرون _ سفر اللاويين")، وعدم الشفقة والمنهج الدموي والتعصب الإنساني والفوقية التي يعاملون بها الشعوب والأمم الأخرى (" متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها و طرد شعوبا كثيرة من أمامك الحثيين و الجرجاشيين و الاموريين و الكنعانيين و الفرزيين و الحويين و اليبوسيين سبع شعوب أكثر و أعظم منك و دفعهم الرب إلهك أمامك و ضربتهم فانك تحرمهم لا تقطع لهم عهدا و لا تشفق عليهم و لا تصاهرهم بنتك لا تعطي لابنه و بنته لا تأخذ لابنك ....... لأنك أنت شعب مقدس للرب إلهك إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعبا اخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض. 1,2,3,6: 7 الإصحاح السابع _ سفر التثنية ")، أم العنصرية وكراهية الأديان هي قيم أخلاقية ؟. يقول اسرائيل شاحاك (" كان هناك نقطة واحدة لا بد لليهودي من معرفتها. وهي مقاطع وأجزاء التلمود التي عارضت المسيحية وكرهت الغرباء.......... وقبل ذلك الوقت هاجمت الكنيسة المسيحية الديانة اليهودية معتمدة على نصوص التوراة ........ التلمود يحوي لغة قاسية تهاجم المسيحية.... التهجم على السيدة مريم البتول ...").
وتحت عنوان كفر اليهود باليهودية يُشير الكاتب إلى ابتعاد اليهود باستمرار عن الديانة اليهودية ويكفرون بها كعقيدة دينية. وكان قد ذكر الكاتب سابقاً أنّ الصهاينة كذلك، فمن تبقّى إذاً معتنقاً لهذه العقيدة ؟. نوضح أنّ هؤلاء اليهود الذين أشار إليهم الكاتب مؤكداً على انخراطهم في مجتمعاتهم التي يعيشون بها كأمريكا مثلاً، ولا يدعمون اليهود في فلسطين المحتلة، وكما أشار إليهم بأنهم ليسوا معتنقين للعقيدة اليهودية، لا يمكننا أن نعتبرهم يهود، ولذلك نجد تصرفاتهم هي انعكاس عن عقيدتهم المغايرة لليهودية. وبالرغم من كل هذا يعود الكاتب ليؤكد أنّ مواقف معظم يهود العالم هي مواقف داعمة للصهيونية ولو بسلوك سياسي سطحي (الصفحة 28) ؟!. في الحقيقة لا أعرف كيف يمكننا أن نفسر كل هذا التناقض في أفكار أو بالأحرى فيما نقله الكاتب من معلومات!؟.
الفصل الثاني من الكتاب جاء تحت عنوان الحركات اليهودية المعادية للصهيونية. في الحقيقة إنّ الحركات المستندة في تعاليمها للتلمود لا يمكن أن نعتبرها مناضلة ومقاومة للصهيونية لغاية انسانية وما شابه ذلك. لإنّ ذلك ينبع من عقيدة يهودية تلمودية بتحريم العودة إلى فلسطين، أي بالتخلص من العقاب المفروض على اليهود بمنع دخولها على حد زعم ما جاء في التلمود. وما جاء في الكتاب أنّ حركة (ناطوري كارتا) اليهودية تدعو لاسقاط دولة اسرائيل. برأينا هذا مفهوم لماذا وأشرنا لذلك سابقاً (الدافع الديني). كما أنها تدعو (أي الحركة) لتدويل القدس. وهذا صراحة لا يتناسب أبداً مع حل المسألة الفلسطينية. ومن خلال البيان في (الصفحة 47) من الكتاب نجد انسجام هذه الحركة مع خطى ياسر عرفات والسلطة الفلسطينية. طبعاً تطلعات ياسر عرفات ومسار السلطة لا يلبي أبداً تطلعاتنا في التحرير واستعادة كامل فلسطين.
بالنسبة لمنظمة ناطوري كارتا. نحن عموماً لا يهمنا ولا يعنينا أي يهودي مادام لا يدعم المشروع اليهودي الصهيوني في فلسطين. وهذه المنظمة صراحة لا أثر يُذكر لها في معارضة هذا المشروع، ووجودها أو عدمه سوف لن يمنعنا نتوقف عن قتال اليهود في فلسطين المحتلة. فبضعة آلاف من اليهود لها خلفية دينية معينة في معارضة المشروع اليهودي الصهيوني لا يمكنها أن تغطي على بقية يهود العالم عموماً واليهود القابعين في فلسطين خصوصاً. ليس هناك ما يدفعنا على كراهية اليهود في بلادنا وبالأخص أمتنا السورية لو لم يُساند هؤلاء اليهود الاحتلال لفلسطين ويهاجروا إليها دعماً لقيام الدولة الملعونة. حقيقة إنّ الدافع الأساسي وراء تشكيل هذه المنظمة هو ديني بحت. ولو لم يكن هناك سبب ديني لوقف يهود هذه المنظمة بعيداً عن هذا الموضوع.
الفصل الثالث من الكتاب عنونه الكاتب كالتالي: سياسيون ومفكرون معادون للصهيونية. كما أننا لم نجد من بين المنظمات التي ذكرها الكاتب من يتحدث صراحة عن تحرير فلسطين من اليهود واعادة كامل الأرض لأهلها، كذلك الحال ينطبق على السياسيين والمفكرين الذين ذكرهم الكاتب أمثال تشومسكي الذي عندما يتحدث، يتحدث من وجهة نظر أمريكية أي كمواطن أميركي، حيث يُدلي بما يراه مناسباً لأمريكا كدولة ديمقراطية بالمعنى الصحيح. أما الانتقاد لإسرائيل والحديث عن السلام الذي مرّ عليه مرور الكرام في هذا الكتاب فليس ما نسعاه ونطمح إليه ونعمل لأجله بالنسبة لمسألتنا الفلسطينية. وهذا طبعاً لا يقلل من أهمية مفردات هذا المفكر. وما جاء في هذا الكتاب ليس من هنالك ما يدل على أفكار تشومسكي حول اليهود والصهيونية وفلسطين، ومادار في الكتاب فجلّه حول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وغزو العراق. وكذلك الحال بالنسبة للكاتب اليهودي الذي اقترح انشاء دولة تضم اسرائيل والضفة الغربية وهذا ما نراه لصالح اليهود واستهتار بالحق الفلسطيني، وليس عداءً للصهيونية.
وعلى شاكلته الباحث ايلان بابيه، وآلان سولومونوف حول انشاء دولتين فلسطينية واسرائيلية. وهذا ما ينطبق أيضاً على ادموند هاناور (مؤسس جماعة سيرش). وحتى الكاتب اسرائيل شاحاك المتصدر لقائمة المُشاد بهم من كتّاب اليهود على الساحة في العالم العربي والإسلامي سنجد أنّ كتاباته لا تتطرق إلى احتلال فلسطين، ولم يُفكر قط في الدفاع عن الفلسطينيين من حيث إخراج اليهود من أرضهم وإنهاء الاحتلال. ما يُشير إليه الكاتب يدور حول العنصرية اليهودية ( والتي لا يستطيع أحد أن يُنكرها) وكذلك نظام الدولة الغير ديمقراطي، فهو إذاً يتحدث كمواطن يسعى لترسيخ وتوطيد الدولة من تفكير ومنطلق مغاير للفكر والتوجه السياسي الحالي في فلسطين المحتلة، والذي برأيه يضمن استمرار و ورسوخ و بقاء (الدولة اليهودية) لفترة أطول. أي أنّ الكاتب إسرائيل شاحاك مؤمن بقرارة نفسه بالحق اليهودي في فلسطين ودفاعه عما يتكلم به حول عدم التمييز ما بين اليهود و من يسكن فلسطين هو من باب استمرار وبقاء اليهود في فلسطين، والذي يؤكد على زوالهم ( اليهود) إذا استمروا في نفس السياسة. ويؤكد الكاتب وكما غيره من المُشاد بهم في العالمين العربي والإسلامي على أنّ النهج المتبع في إسرائيل خصوصاً وبين اليهود عموماً هو تطبيق للتاريخ والوصايا التوراتية والتلمودية، إذاً الكاتب يؤكد على امتزاج و تداخل كل من اليهودية والصهيونية ولا يُباعد بينهما. وهذا ما يحاول قرّاء الكاتب في العالمين العربي والإسلامي تجاهله وعدم ذكره بالرغم من كتابتهم له في مؤلفاتهم.
إذا عدنا إلى تاريخ بداية الحركة الصهيونية سنجد أنّ البابا بيوس العاشر لم يُميز بين اليهودية والصهيونية، وتحدث إلى هرتزل سنة 1904 موضحاً موقف الكنيسة الكاثوليكية من الحركة الصهيونية حيث لم يُباعد بين الصهيونية واليهودية، إذ عبّر عن ذلك بقوله : "لا أستطيع أبدًا أن أتعاطف مع هذه الحركة فنحن لا نستطيع أن نمنع اليهود من التوجه إلى القدس، ولكن لا يمكننا أبدًا أن نقرّه. إنني بصفتي قيِّمًا على الكنيسة، لا أستطيع أن أجيبك في شكل آخر، لم يعترف اليهود بسيدنا، ولذلك لا نستطيع أن نعترف بالشعب اليهودي." وتابع البابا ليقول في نفس اللقاء ".. أما أن يظل اليهود محتفظين بمعتقدهم ينتظرون مجيء المسيح، والمسيح عندنا قد جاء وتمت بعثته للبشر، في هذه الحالة نعتبر اليهود منكرين للاهوت يسوع المسيح، ولا مجال هنا لمساعدتهم لا في فلسطين ولا في غيرها..". والحديث عن سبب التغيير الجذري في أقوال و مبادئ الكنيسة فهذا بحث منفصل، وللاطلاع على هذا الموضوع يمكنكم مراجعة بيان الحزب السوري القومي الاجتماعي. ( ملحق بيان عمدة الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي / الفاتيكان بين الأمس واليوم/ 15 أيار 2009).
ما نقوله أنه عند تطرقنا لليهود واليهودية فليس المقصود حديثنا عن الديانة السماوية الموسوية. إنّ اليهودية هي عبارة عن ثقافة وكنيس، وهي بعيدة كل البعد عن الديانات السماوية، وحتى الإنسانية ( الأخلاقية)، كما أننا بنفس الوقت لا ننكر الصهيونية. لكن يمكننا أن نقول بعبارة أخرى وباختصار شديد: اليهودية ما هي إلا روح وقلب الصهيونية، والصهيونية هي البعد التنفيذي والسياسي، والوسيلة المنفذة للمشروع اليهودي، لذلك لا يمكن الفصل بينهما انفصال مباعدة، ولا يمكن اعتبار الصهيونية فكر ونهج وثقافة مستقلة عن اليهودية.
إنّ من ينعتوهم بالصهاينة وكفى، هم نفسهم من يدعونهم ويجالسونهم ويصافحونهم في مؤتمرات حوار الأديان وبعد كل هذا يأتي إلينا من يريد أن نفصل بين اليهود والصهاينة !؟. مؤخراً قام الملك السعودي بتعيين حاخاماً اسرائيلياً في مركز حوار الأديان في العاصمة النمساوية. وهو حاخام من فلسطين المحتلة يعمل مديراً للعلاقات الدولية في اللجنة اليهودية الأمريكية، كما يعمل مستشاراً لشؤون الأديان في الحاخامية الرئيسية الإسرائيلية. حيث التقاه الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز سراً في القصر الصيفي في المغرب ( جريدة الأخبار اللبنانية – العدد 1816- الأربعاء 28 تشرين الثاني 2012).
اليهود هم عدونا الأول في قيام الأمة السورية، ونؤكد أنهم أعداؤنا في منع تحقيق الأمة السورية لجبهتها العربية مع جيرانها من أمم العالم العربي، ونؤكد أنهم أعداء العروبة وأعداء من يؤمن بها، ونؤكد أنهم هم من يسعون لتمزيقنا لكيانات أكثر مما نحن عليه، أو ليحافظوا بالحدود الدنيا على كياناتنا المقسمة والمشتتة في أرجاء العالم العربي، والتي لا يمثل أي منها أي وعي قومي، وإنما تُمثل وعي فردي، طائفي، مذهبي واثني وكل ذلك تحت نظر الغرب أعوان اليهود.