مضى عامان من عمر الأزمة التي تعصف بسورية، نشطت خلالها فئات وهيئات كثيرة كانت مهمشة في السابق، وعلى رأسها الشباب-ات، الذين يعيشون حالياً مرحلة تحولات وتغييرات جذرية لامست حياتهم الفردية والجماعية، لكثرة العنف الذي يهيمن على المنطقة، والذي دمّر الكثير من القيم في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية أفرزته..
غير أنه في خضم هذه التحولات برز أفراد ومجموعات تعمل انطلاقاً من وعيها الذاتي على خلق مجالات ومؤسسات وباستقلالية عن الدولة، لدعم حريتها، والمساهمة في الإبداع والخلق، وأنتجت عملاً جماعياً جاء نتيجة لحاجات مجتمعية ملحة، فتشكلت جمعيات وتنظيمات المجتمع المدني التي يقودها الشباب، سعياً لوضع أساس البناء الجديد لمجتمع الغد.
يعدُّ الشباب-ات أساس المجتمع الأهلي والمكوّن الأساسي للمجتمع المدني، وذلك لدورهم
الأساسي في المجتمع، وخاصة في ظل الأزمة الحالية. فقد بات التصدي للمشاكل السياسية
والاقتصادية والاجتماعية للمواطن السوري هو التحدي الأكبر للسياسات الحكومية
ولمكونات المجتمع المدني. ولكن مع بروز الحوار الوطني كخطوة ملحة ومهمة في إعادة
الوفاق واللحمة الوطنية وطريقة لإيقاف العنف والخروج بنتائج إيجابية، من شأنها
إيقاف الفوضى، برز دور المجتمع الأهلي والمدني في هذا الحوار المرتقب، لدوره الهام
في تهيئة الجماهير، وتفعيل الاصطفاف الشعبي لنجاح الحوار، وكذلك المساهمة في تقريب
وجهات النظر وتخفيف التوترات السياسية.
لقد كان الشباب-ات على الدوام عماد نهضة سورية وسرُّ قوتها، وإننا نأمل أن نصل إلى
تمكينهم اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، لأن هذا حقهم في أن يكونوا شركاء في بناء
مؤسساتنا، وشركاء في بناء جمهوريتنا الجديدة، ولدورهم في تفعيل الديمقراطية
التشاركية.. الأمر الذي يتطلب من مؤتمر الحوار أن يناقش ويرسم مستقبل المجتمع
المدني بمكوناته المختلفة من جمعيات ومؤسسات وغيره..
فالضمانات مطلوبة في هذه المرحلة لحقوق الإنسان والمتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لأن قوام الدولة المدنية الرئيسي احترام حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية. ولما تمتلكه مؤسسات المجتمع المدني من الأهداف الوطنية والإنسانية الجليلة، والتي يأتي في مقدمتها المساهمة في حل مشاكل المجتمع والتخفيف من معاناته وآلامه، مع المحافظة على قوته وتماسكه خاصة الفئات المهمشة منه. ونقترح النقاط التالية من أجل نقاشها أثناء مؤتمر الحوار القادم، من أجل إقرارها في الوثيقة بعد الاتفاق عليها:
- بداية نحن الآن في مرحلة مختلفة تماماً، والمؤتمر الوطني للحوار سيؤسس لدولة
جديدة ولنظام ديمقراطي جديد. لذلك يجب أن يبنيها المجتمع كله من خلال تمثيل كل
الفئات المكونة للنسيج الاجتماعي السوري. والدور الأساسي لمنظمات المجتمع المدني هو
نقل رؤية المجتمع إلى مؤتمر الحوار الوطني، مع الإشارة إلى أن لدى منظمات المجتمع
المدني الخبرات المهمة لإثراء الحوار كشريك أساسي ينبغي أن تمثل بالحوار بشكل كبير،
فيجب ألا نستمع للقوى السياسية والأحزاب على حساب منظمات المجتمع المدني.
- العمل على إيصال الأصوات من القاعدة الشعبية فيما يتعلق بقضايا النساء إلى صانعي
القرار خلال الحوار الوطني والمرحلة التي تليه، مع التشديد على إعطاء دور كبير
للمشاركة النسائية في الحوار الوطني.
- من ناحية أخرى تعيش الحركة المدنية اليوم مرحلة جديدة يلزمها إصدار قوانين ناظمة لها وتوفر لها الآليات القانونية الكفيلة بترسيخ قواعدها، فقد صار لزاماً الاعتراف بأهمية المجتمع المدني، مع تأكيد أن تصاغ القوانين على مبدأ تكامل الأدوار والتعاون والتشارك بين المجتمع المدني والدولة. وأن تحدد أيضاً آليات وميكانزمات العمل الشبابي المدني، ما يعزز مشاركة المواطنين والمواطنات في تدبير السياسات العامة، ويضمن احترام كرامة الإنسان وحقوقه.
- تعزيز مفهوم التطوع في المجتمع وفي المراحل الدراسية كافة، بواسطة أنشطة وفعاليات
يشارك فيها الطلاب، لأن المجتمع المدني يرتكز على المشاركة الشعبية والعمل التطوعي،
وهو ما يتطلب إدراج جوانب عملية في المناهج الدراسية. فلن نتمكن من السير بالمجتمع
المدني إلى آفاق أرحب في مجتمعنا السوري إلا عن طريق العلم، وتحسين الرعاية الصحية،
ورفع مستوى دخل الفرد، الأمر الذي يتطلب إقامة استثمارات اقتصادية وأيد عاملة مؤهلة
قادرة على تدوير عجلة الاقتصاد الوطني، وهو ما يحتاج إلى بيئة مساعدة تتميز
بالاستقرار الديمقراطي، تسير بالتوازي مع الخطط والمشاريع التي تقود عجلة التنمية.
- العمل على دعم الشباب-ات، من خلال تقديم الدعم الاجتماعي والفكري أي خلق حالة
جديدة ضمن هذا المجتمع من خلال الفكر الروحي والاجتماعي، مع العمل على تأهيل
القيادات الشابة وإعدادهم للمستقبل، وذلك بوضع استراتيجيات وسياسات جديدة موجهة
للشباب تكون منسجمة مع الواقع الحالي، عن طريق مراكز البحث العلمي، وصولاً إلى
تحقيق نقلات في مجالات الحياة كافة، وذلك كدور تكاملي مهم مع دور مؤسسات الدولة
ومؤسسات القطاع الخاص.
- إتاحة الفرص أمام الشباب-ات لتمكينهم من المشاركة الفاعلة في حياة المجتمع وتوفير
فرص العمل لهم وإذكاء الشعور الوطني وتعزيز انتمائهم وإدماجهم في مسارات التنمية
الشاملة، لأن المجتمع المدني يُبنى على خدمة مصالح الأفراد والمجتمع بواسطة منجزات
تنموية تستهدف رفع قدرات المواطنين وتحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية
والبيئية، وتوعيتهم سياسياً لتحمّل مسؤولياتهم التاريخية للمساهمة في تفعيل التنمية
المستدامة.
- وضع سياسات مالية من أجل دعم المجتمع المدني، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية السائدة، من أجل أن يتمكن من تحقيق أهدافه التنموية المنشودة.
ختاماً
سيكون المجتمع المدني قادراً على لعب دور في إعادة
بناء المجتمع السوري حينما يتم التوصل إلى حل سلمي للأزمة الحالية. فالمرحلة
القادمة تتطلب دمج الشباب-ات في أدوار ذات قيمة، ليتمكن المجتمع المدني من القيام
بدوره التنموي. ولكن التنمية الحقيقية التي نحتاجها اليوم ليست تنمية الموارد
الطبيعية والمادية فقط، بل هي التنمية البشرية المستدامة التي تهدف إلى تطوير قدرات
الإنسان وتحريره من التخلف والجهل والأمراض والفقر عن طريق تحسين دخله السنوي،
وتوفير رعاية صحية جيدة، وتعليم متطور يؤهله للتكيف مع ما يواجهه. وبانتظار أن
يتحول ذلك إلى قرارات نافذة بواسطة الحوار المرتقب، يساهم المجتمع المدني بكل
طاقاته التطوعية في تشغيل الإنسان من أجل خدمة الإنسان.