(من علمني حرفاً، كنت له عبداً) هذي هي المقولة التي تسمو بالمعلم إلى مراتب عليا، تذّكر الإنسان دائماً بوجوب الامتنان والشكر لكل معلم. ومهما تعددت الاستثناءات فإن ما يقدمه المعلم لا يقدر بثمن. ومع كل ذلك فإن الحياة والتجارب يمكن أن تعلما الأجيال ما لا يمكن لمعلم أن يعلمه، أو بالأحرى ما يتجاهل المعلم تعليمه للأجيال، أو يجمله كي يضمن لهم الأمل وحياة جميلة مليئة بالتفاؤل.
ولكن الواقع يفرض نفسه، وهذا حال الشعب السوري الذي يعلم نفسه بنفسه مبادئ لم يتعلمها أو لم يتذكر أنه قد تعلمها في المدارس أو الجامعات، يعلم نفسه أن يعيش حراً أبياً بكرامة. ويطرح أسئلة من حقه أن يطرحها في حالته الحالية المزرية بمناسبة اقتراب عيد المعلم في هذا الوقت العصيب
أيها المعلم الفاضل: هل علمتنا أن الشعوب قد تكون بلا حليف، وأنها تهان وتتشرد
وتهزم، وأن الدم والنزيف يمكن أن يستمر طويلاً؟ هل علمتنا أن المصالح قد تغلب كل
المبادئ؟ هل علمتنا أن الأنظمة تقام لأجل الشعوب ولحريتها، وخدمتها، والدفاع عنها،
وعدم المساس بأمانها أم عكس ذلك؟ هل علمتنا أن الثورات تقام لرفع شأن الشعوب وعزتها
وكرامتها أم عكس ذلك أيضاً؟ هل علمتنا أن ضريبة التغيير ثمينة، وثمنها الدم والتشرد
والمهانة؟ هل علمتنا أن الأوطان يمكن أن تهجر وتتهدم أو أنها ستبنى بعزة وشموخ برغم
كل شيء؟
كلها أسئلة تتبادر إلى أذهان كل مواطن سوري، عندما يفكر بأوَّليات معارفه ومكتسباته
الفكرية، والعلم الذي ناله بحياته، يجد نقصاً بأوَّليات معارفه مهما اغتنت، التي لم
تتركز على معرفة وطنه بكل تفاصيله وحاجاته، ويحاول تفسير محاولته الحالية حول معرفة
كل ذلك، ويدرك أن الأزمة وجهت أنظاره إلى كل تلك التفاصيل.
عذراً أيها المعلم الفاضل: علمتنا الكثير، والشكر واجب ومفروض، ولكننا لا نستطيع
استذكار ما تعلمناه وما افتقدنا تعلمه بعد حلول أزمة الوطن القاسية، التي تعلمنا من
جديد نحن الشعب بكل أطيافه بما يتضمن من معلمين متفانين أيضاً وبشكل عملي كل شيء عن
الأوطان، والشعوب، والمصالح، والثورات، والأنظمة، وحقوق الإنسان وواجباته، وحريته
واغتصابها. نحن الشعب السوري الذي سيتعلم ولن ينسى لزمن طويل كل ذلك، لأن جراح
أزمتنا السورية ستؤول ندبة لن تزول لزمن طويل، هذه الندبة التي ما زالت جرحاً
عميقاً مستمراً ينزف بغزارة. فتحية لك بعيدك،ولو جاءت متأخرة، وكل عام وكل معلم
بخير، قادر أن يعلم الأجيال أن تستمر بمحاولة أن تكون شعوباً محفوظة الحقوق،
والكرامة، آمنة، وتسعى لمستقبل أفضل.