العلاقات الاجتماعية ودورها في بناء الروابط
الإنسانية
مما لاشك فيه أن للعلاقات الاجتماعية دور هام في بناء الروابط الإنسانية بين البشر
جميعاً أين ما كان موقعهم على سطح كوكبنا هذا ، إذ أنّها تنشئ حدثاً مميّزاً يغذي
الطبيعة الإنسانية بروافد جديدة على الصعيدين المعرفي والسلوكي، وتبدّل من
الانطباعات الكائنة ؛ إيجاباً على الأغلب ، وتنمي المعاني الإنسانية وتبعث روحاً
جديدة للإيثار والمساعدة والتواصل، وتمحو الكثير من المفهومات السلبية ، وتذيب
شيئاً من الحقد واللامبالاة .
ولعلّ ما دفعني إلى طرق هذا الباب ما أراه من تشتُّت وضياع للمنتَج الإنساني على شتى الصعد حتى الفنية منها ؛ خلا الحديث عن منتجات الصراعات التي لا قيمة لها ، والتي لطالما انحرفت عن المعاني السامية التي هي في النهاية مسعىً للرقي البشري الذي يمهّد لبناء حضارة إنسانية تعتزّ بها الأجيال المتعطشة أبداً للشفافية والرحمة والتسامح .
ولعلّ القرار باعتماد منهج سياسي مصطَحب بأوهام أو طموحات مادية أو شكوك ، قد عطّل
بل شوّه العلاقات الإنسانية خاصة والعربية عامة ؛ فإذا ما قضى السياسي حياته بين
الترقّب والشك وربما الطموح المتوهَّم ، فقد قضى الاجتماعي وأقصد به الإنسان حياته
معذّباً لما يترتب عليه الفعل وردّ الفعل ، وربما المزاج ، وما تترتَّب عليه
النتيجة وامتداداتها من تشكُّلٍ للحقد حيناً ودافع الانتقام غير المعلن أحياناً
وتولُّد مشاعر العتب والحزن التي تؤدي إلى الانفصام النفسي للانتماء وتولّد الكره ،
وضياع المبادرات الخيرة الحقيقية ، أو تساهم في انحسارها .
فما نحن إلا بشر ضعفاء في الأصل والتكوين ، فلا يمكن أن نقوى بالخوف من بعضنا أو
بظلم بعضنا بعضاً إذ لا يمكن للسياسي العربي أن يعيش على أنقاض القهر الاجتماعي
أبداً ، ولا يمكن للحالة الاجتماعيّة السائدة في موقعٍ ما أن تؤمِّن له لحظة من
التعامل الشفّاف والتي من المفترض أن يشعر عبرها بمدى الصفاء الإنساني
والاندماج المجتمعي الصحّي السليم ..
وربّ أمثلة عديدة – لسنا في معرض ذكرها - تقطع الشكَّ بتفاقم هذه الحالات على الصعيدين النفسي والخطابي ، وحين نسمعها نشعر بالحزن على الطرفين كونهما يمثلان النسيج الواحد لمجتمعنا .
وأودّ أن أقول دونما إسهاب: إننا نحن العرب بخاصة نستطيع أن نعيش حياة جميلة هادئة
تغنيها الثقة والأمان والقوّة والحب والإخلاص ، بغضِّ النظر عن الانزياح السياسي
والحذر غير المبررين ، وبعض الاختلافات التي تؤدي إلى الاختلاطات ، وتبدِّل
السلوكيات التي لطالما ساهمت في تعكير مسار حياتنا ، وأساءت لكبريائنا واعتزازنا
ومشاعرنا ، وشككت في وعينا وأنقصت من آمالنا .
فما أروع أن يعتزّ المواطن العربي بحسن تعامل أخيه العربي مهما كان موقعه أو درجة
مسؤوليته ، فما زلنا نعتزُّ ونحترم بعض رموزنا الذين قرأنا عنهم في صفحات التاريخ ؛
بغضِّ النظر عن صحة ما وصلنا عنهم وذلك لأنّ صدورنا عطشى إلى الشعور بالكرامة
والاعتزاز وحسن الانتماء الحقيقي الصادق والمتواصل على الرغم من كلّ الأحوال
الإقليمية السائدة والأحوال السياسية الوفاقية أو الخلافيّة المتواترة .