news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
قاتلة الاحلام ... بقلم : اسامة احمد نزار صالح

رائحة عطرها الفرنسي كانت منعشة، شعر وهو يضمها انه ملك الدنيا........هاجس أن تتركه كان يؤرقه ويقض مضجعه منذ زمن،في هذه اللحظة التي كانت بين ذراعيه أراد أن يأخذ منها عهدا
 احبك يا مجنون أنت حبيبي ولا يمكن أن أتركك........      
لكني احبك أكثر وأخاف فراقك.......


ضحكت ضحكتها البريئة وهي بين ذراعيه ......ضمها إليه بقوة اكبر وطبع قبلة صغيرة على جبينها.
كان يعشق نظراتها إليه،يتهيأ له انه ليس حبيبها فقط .......هو أخوها وأبوها هو كل شيء في حياتها وها قد اخذ عهدها أن الموت وحده يفرق بينهما.

تقلب في فراشه .......الضوء الخافت في غرفته سمح له أن يرى صورتها التي مازالت تنتصب على جانب سريره بوضوح.

كم كان اللقاء الأول رائعا" .......كانت تمطر بغزارة والرياح شديدة في ذلك اليوم الشتوي بامتياز
حبيبي انظر تكاد الريح تقتلع الأشجار........حبيبي إني حقا أطير 


كانت أول مرة يمسك يديها،كم كانت فتاة بريئة تحمر وجنتيها  خجلا،انفها المدبدب الصغير كحبة كرز مدورة وسطهما،عيناها البنيتان الواسعتان تزدادان سحرا" ولمعانا" حسب ألوان ملابسها،كم تمنى في ذلك اليوم أن تضيع أصابعه وسط شعرها الذي كان كما الغابة الكثيفة.........كانت حقا فتاة بريئة تقطر دلعا"....لمعت السماء فجأة فاندفعت نحوه بجنون وضمته بقوة


احبك.....احبك جدا  -
تبادلا القبل تحت قسوة البرد والأمطار
ليلى لن تتركيني صحيح؟  -
تضحك ضحكتها البريئة
- لن أتركك يا مجنون أنا احبك أنت حبيبي........

محاولته المليون ليقلب صورتها تفشل فيقرر الانسحاب إلى الصالون،كل شيء يذكره بها،هي من اختار الأثاث وألوان الجدران حتى الستائر مازالت أقمشتها تحتفظ بعطر يديها الفرنسي الرقيق،لمسات ذوقها الارستقراطي في كل ركن من أركان الصالون.
جلس على كرسيه الوثير بكل كبرياء وكأنه في احد اجتماعاته السياسية، أشعل سيجاره المتروك منذ أيام على الطاولة أمامه واخذ يدخن ما تبقى منه.

حفيف الأشجار المورقة ......شذى الورود المتفتحة ....النسيم العليل والتربة الندية وهي كانت تسند رأسها على كتفه ليخفق قلبه بعنف، كانت سيارتيهما مركونتان مقابل بعضهما أعلى الطريق المنحدر الذي يستقبلهما كل يوم تقريبا ليتبادلا قبلا" لا تنتهي أسفله عند البحر.
مازال يدخن ما تبقى من سيجاره دون متعة حين بدأت تمطر بغزارة في الخارج، عواء الرياح وأصوات الرعد أعادت إلى ذاكرته ذلك اليوم الذي هربت الموسيقى فيه من كلمات صوفيا

 - أنت لم تفعل شيئا .......الجميع يحاصرني .......سامي لم تفعل شيئا أنت متهم بالعجز، كنت أظن انك ستقلب الدنيا فقط لأجلي لكنك لم تفعل شيئا، يجب عليك أن توافق تترك خلفك الجميع وتسافر معي وعائلتي
- صوفيا لا استطيع أمي عاجزة وإخوتي صغار....... عندي مسؤوليات .....حبيبتي يجب أن تفهمي
سامي انتهى الوقت ..... أضعت الفرصة ولم تفعل شيئا 


حبيبتي لن تتركيني؟ أنت وعدتني.....سننحني سويا للعاصفة وستمر العاصفة..... 
  أنا لا شأن لي.....سامي إنها مشيئة الله......وداعا سامي.....وداعا  

خمسة عشر سنة منذ غادرت صوفيا وأسرتها البلاد مازالت هذه الكلمات ترن في أذنه.

صوت أذان الفجر يغلب على أصوات ارتطام زغات المطر بالأرض،يسمع الأذان بقلب منفتح ويتمتم دعوته:
 (اللهم إملاء قلبها بالفرح واجعل أيامها سعيدة)
يستسلم للنوم وهو مازال جالسا على كرسيه وبين أصابعه سيجاره الذي انطفأ


في الصباح تقتحم أشعة الشمس شباك الصالون والستائر الحريرية لتجفف دمعته العارية على خده وتملا الغرفة بالأمل،يمر يومه بعد أن ينهي أعماله في مكتبه التجاري وسط المدينة كما كل أيامه فالرجل أصبح في الخامسة والأربعين سياسيا لامعا لكنه وحيد فهي كانت أول وأخر حب.


اليوم الاثنين وهو اليوم الذي يتسلل فيه إلى الحانة الصغيرة في احد أزقة المدينة ليحتسي كأسا من الويسكي.


هذا الاثنين كان هناك شخص مميز في الحانة،زبونة جديدة وقع بصره عليها فور دخوله من الباب،الرجال يحمون حولها كما الذباب،سيدة جريئة تحتسي الويسكي كأنها تشرب الماء تضحك ضحكات فاضحة،تملا قلوب الرجال بالشهوة عندما تتكسر على ضلوعهم وهي تدخن سيجارتها بشراهة،كانت هذه اللحظة التي وقع بصره عليها كما اللحظة التي يموت فيها الحب في الأعين المرهقة.


تقدم نحو طاولتها ببطء، بدت بصمات الذهول والشحوب على وجهها المطلي بمساحيق التجميل واضحة، اقترب منها وانحنى نحو أذنيها، صعقته رائحة الصباغ المستورد على شعرها
همس بصوت يرتجف:
أنت يا سيدتي متهمة بقتل أحلامي .....أنت قاتلة الأحلام  


لم يكد سامي يكمل جملته حتى غادر إلى منزله تاركا سيارته مركونة أمام الحانة، مشط جميع طرقات وأزقة المدينة بحثا" عن صوفيا البريئة دون جدوى،كانت خطواته سريعة وصل منهكا من التعب إلى منزله، استلقى على كرسيه كانت الفكرة الوحيدة التي تدور في ذهنه أن حياته كانت طافحة بالذكريات الجميلة


لم يدرك سامي أذان الفجر، ولم يستطع أن يتمتم دعائه المعتاد، كانت حياته طافحة بالذكريات وعرف كيف تتحول النسمات الرقيقة إلى عواصف قاتلة.
 
 

2013-05-18
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)