{ويسالونك عن الروح قل الروح من امر ربي وما أوتيتم من العلم الا قليلاْ}
الجسد النفس الروح , هي بلا شك ثلاثة دعائم اساسية في تكوين الانسان
لقد اهتم الانسان
منذ القدم بتفسير الجسد اصله , نشأته , امراضه وطبه . ولكن بالنظر الى العاملين
الاخرين نجد ان المعرفة الانسانية ضحلة جدا بما يخص النفس وتكاد تكون معدومة بما
يخص الروح .
فقد بين العلم ان هناك ارتباط وثيق بين النفس والجسد , فمرض النفس او اعتلالها يؤدي
الى مرض جسدي ملموس ,ولكنه قصَّر في معرفة كيفية الطريقة او معالجة هذه الامراض
والاعراض واقصى ما توصل له بهذا الخصوص هو تثبيط الجسد ككل , فعلاج الوسواس القهري
مثلا , هو ليس علاج جذري للمشكلة بحدها وانما تثبيط لكامل وظائف المخ حتى ان المريض
لا يدرك انائم هو ام مستيقظ . ومع ذلك فقد نجح العلم في وضع علاقة مباشرة بين النفس
والجسد .
اما ما يخص الروح , فالامر معقد اكثر فلا يوجد دليل علمي ملموس على وجود الروح ,
واختلف البشر بمكوناتهم الاعتقادية بخصوص الروح , فمنهم من اعتقد بها وهم اهل الكتب
السماوية وغيرها من الاديان التي تؤمن باتصال الارواح ومن يعتقد بانتقال الارواح من
جسد الى اخر .
ومنهم من انكر وجودها لعدم اثبات العلم لوجودها وهم الملاحدة والعلمانيون .
وهذا لا شك تصديق لقول الله تعالى , فالمتأمل لقوله تعالى يجد ان بعد الحديث عن الروح جاء التهكم الرباني بالحديث عن ما أوتينا من العلم وكانه اشارة الى اننا لو أوتينا الكثير من العلم لوصلنا الى كنه الروح , ولكن هذا مما اختص الله نفسه بالعلم به , و وواحدة من كبرى المعجزات التي اعجز بها خلقه { وفي انفسكم افلا تبصرون } .
ولكن الاية بمنظور اخر , هي اثبات لـ"علمية" الروح , فالروح مبنية على علم , ولها
خصائص ومميزات ولها امراض وادوية ولها قوانين خاصة .
فما هي الملامح الاساسية عن الروح ؟!
الروح هي مخلوق من مخلوقات الله , يجري عليها ما يجري على بقية خلق الله من قوانين
ونظم , والروح لا تقبل التأنيث ولا التذكير , فالتانيث والتذكير صفة من صفات الجسد
.
والارواح تتلاقى قبل الاجساد , ومع الاجساد , وبعد الاجساد .
والارواح تحب وتكره , وتعذب , وتشعر بالنعيم .
اما علاقة الجسد بالروح والنفس , فبامكاني ان اشبه الامر بالسيارة وقائدها .
فاما السيارة فهي الجسد واما القائد فهو الروح , واما المقود ودواسة البنزين و مقبض
تغيير الحركة وكل ما يفعله القائد للتحكم بالسيارة فهي النفس .
فالجسد هو الهيكل الملموس من الانسان , الذي مكنه من العيش والتاقلم والاستمرار على
وجه الكرة الارضية , فقد حباه الله ما يمكن الانسان من عمارة الارض , فجعل منه
الذكر والانثى لاستمرار النسل , جعل به حساسات للجوع والعطش و الجنس والتنفس وغيرها
من اجهزة الجسم التي تؤدي وظيفة معينة وهي بقاء الانساء وضمان استمراريته . ووجود
الجسد مرتبط بوجود الروح والعكس غير صحيح.
واما الروح فغذاؤها معنوي , وجوعها معنوي ايضا , والروح مرتبطة بالعقيدة والافكار
ارتباطا غير وثيق , والاوثق منه ارتباطها بالفطرة . والروح غالبا ما تدعو الى كل ما
هو سامٍ , وتنأى عن ماكل هو مدنسِ لها , مقلل من قيمتها الروحية . وهذا في كثير من
الاوقات قد يجد اعتراضا مع احتياجات الجسد في البقاء, وهنا تأتي وظيفة النفس .
فالنفس هي حلقة الوصل بين الروح والجسد في الحياة الدنيوية , فمن دونها لمات الجسد
.
والنفس قد تكون نفسا لوامة تلوم الجسد على كل فعل ينافي الروح , او تكون أمّارةٌ
بالسوء لا هم لها الا تلبية رغبات الجسد بغض النظر عن الروح .
ومن الخصائص في النفس انها غير جامدة فبامكان الانسان ان يضبطها ويهذبها ويعودها
على ما اراد وفق ادراكه الحسي والاعتقادي .
ال
الحب هي صفة
روحية لا جسدية , فالارواح تتحاب وتتنافر وبناء عليه تتقارب الاجساد وتتباعد .
والحب صفة من صفات الخالق, فالخالق يحب عباده , ويحب صفات معينة من خلقه كأن يحب
الذين يقاتلون في سبيله صفا كانهم بنيان مرصوص .
الحب عند الارواح لا معيار له , او ربما تكون معاييره غائبة عنا .
والحب الروحي اصله واحد , وان اختلفت طرق استجابة الجسد وترجمته لهذا الحب .
فالجسد يستجيب لهذا الحب بطرق مختلفة . فالافعال الجسدية تجاه من نحب تختلف باختلاف
اجناسهم , وقرابتهم , ومعايير اخرى .
فحب الام والاخت والزوجة والصديق والاخ و العصفور والبحر والطبيعة والهدوء والسكينة
, هو حب واحد , ولكن تختلف الافعال الجسدية في ترجمة هذا الحب حسب المحبوب ,
فالافعال الجسدية تجاه الزوجة المحبوبة هي غير الافعال الجسدية تجاه الصديق المحبوب
, وربما يكون حب الصديق غالبٌ على حب الزوجة و العكس صحيح .
والحب الروحي دائم , لا ينقطع بانقطاع الاجساد , والحب الروحي لا يقوم على مصلحة,
وان قام بناء على مصلحة فهي حتما مصلحة راقية رائعة دائمة رفيعة , فالحب الذي يقوم
على مصلحة دنيئة او مؤقتة , ينتهي بانتهاء المصلحة و بتعارضه مع الروح التي تدعو
الى الرفعة والسمو , ولذلك كان الحب في الله لا لشيء غيره هو اسمى انواع الحب لان
الله باق ابدا .
والحديث عن الحب طويل وله شجون , ربما اكتب عنه في غير مقام.
الـجـنــس
وأما الجنس
فيختلف عن الحب اختلافا جوهريا , كونه مطلب جسدي اصيل . لا علاقة له بالروح الا وفق
اطر محددة تحددها العقائد والافكار, و قد يتعارض مع الروح في احيان غير قليلة .
والجنس هو صفة جسدية ضامنة لبقاء الانسان واستمرارية نسله على كوكب الارض , و
الرغبة الجنسية - المتمثلة في التكاثر- في علم الجسد تاتي مباشرة بعد حب البقاء .
وهذا ليس في الانسان فحسب بل في المخلوقات الدنيوية جميعا.
والروح قد تابى الجنس عموما ,مثله مثل رفض الروح لاي فعل جسدي اخر .
وهنا ياتي دور النفس التي تكون حلقة الوصل بين الروح الجسد , لتضمن بقاء الجسد
واستمرارية وجوده.
وللحفاظ على الروح , وصيانتها شرع الخالق طرقا لتلبية رغبات الجسد بما لا ينقص من
الروح واحتياجاتها .
ففي الجنس شرع الزواج وجعل عقده من اوثق العقود والعهود ووضع ضوابطا بين الزوج
وزوجته. والزواج هوجائزة الحب الروحي بين الذكر والانثى واكليله وتاجه .
والجنس يرقى ويحسن بتوافق الحب الروحي ووجوده . وبدون الحب الروحي فالجنس لا يغدو
الا مطلبا جسديا سعت في تنفيذه نفس أمارّة بالسوء أدت الى مرض الروح و علتها .
هذا والله اعلى واعلم , وهذا راي شخصي فان اصبت فمن الله وحده وانا اخطأت فمن نفسي
والشيطان .