هل يحتاج أطفال سورية إلى ريما بندلي سورية لتنشد أوجاعهم ومآسيهم؟ هل يحتاج إلى طفلة من خضم أزمته ليعلو صوتها جاهراً بمآسي سورية؟ أم أن الطفولة لم تعد تحاول توضيح مآسيها للعالم لما شهدت أن محاولاتها لم تنفع الطفولة بشيء فلا من مجيب لحاجات الطفولة وآلامها، وأن حماية أنفسهم ليست مهمتهم؟ سؤال يخطر على البال مع رصد عذابات الطفولة بمختلف أصقاع الأرض، ومنها سورية.
ثم هل اعتزلت ريما بندلي الفن بعد أن كبر سنها، لأنها توصلت إلى نتيجة مخيبة من كل محاولات طفولتها لمساعدة عائلتها في التأثير على صانعي القرار بشأن الأمان والسلام والطفولة؟
عندما كانت ريما بندلي اللبنانية طفلة بريئة تمتلك موهبة الغناء بحرفية، حاولت بموهبتها المستمدة من عائلة بندلي الفنية أن توصل مآسي عدة إلى العالم أجمع، وإلى أصحاب القرار وخاصة في لبنان في ذلك الوقت. فقد غنت الطفلة الموهوبة عندما كانت في الثالثة والنصف من العمر، أغنية للبنان في الحرب اللبنانية. وبعد استمرار مأساة الحرب، غنت في الرابعة من عمرها أغنية (عطونا الطفولة، عطونا السلام) بثلاث لغات هي العربية، والإنكليزية، والفرنسية، كي يشهد العالم كله عذابات الطفولة في ذلك الوقت، وفي الحروب بشكل عام، ورغم ذلك تستمر الحروب.
عائلة بندلي كانت المسؤولة عن طفلتها بالألحان والكلمات وكل الأمور الفنية، وهي التي شجعت هذه الطفلة الرائعة لتغني للأطفال أغاني عدة ( طير وعليّ يا حمام، غسل وجهك يا قمر) لتدخل البهجة إلى قلوبهم، ومن ثم عادت لتغني لأهل الحرب وللحكام والسياسيين اللاإنسانيين، ففي إحدى أغانيها تقول: (طفوا النار كلا كلا ... حتى نزرع ورد محلا).
ما يحزن هو الدراية بأن النار انطفأت في لبنان، لا تلبية لنداء الطفولة، وإنما لأنها اكتفت دماراً وخراباً وموتاً. والخيبة الأكبر هي نار الأزمة التي اشتعلت في سورية اليوم. إن تاريخ الحروب يعيد نفسه، بدماره وخرابه وانعدام الأمان والتضور جوعاً، والموت ...
جهات كثيرة حاولت أن تضع الطفولة واجهة لمصالحها ومآربها، أطفال كثر غنوا مفاهيم لا تهمهم ومصطلحات لم يعوا أهميتها حتى لو حفظوها عن ظهر قلب بسبب واقعهم المرير، لكن ما من تجربة أحست الطفولة وجعلتها تغني حاجياتها وأوجاعها كما يجب، ببراءة السعي للسلام وحماية الطفولة لا غير!
ومن جديد تطرح أسئلة عدة: هل تكفي مشاهد التنكيل بالطفولة المتاجر بها عبر منابر الإعلام كافة لتعبر عن مأساة أطفال سورية اليوم؟ هل صوت الطفولة لن يغير شيئاً بهذه الأزمة؟ أم إن الطفولة واثقة أن صوتها لن يغير شيئاً، كما لم يغير صوت ريما بندلي شيئاً في ذلك الزمن الوحشي الذي يعيد نفسه اليوم مع بشر جدد ومكان جديد؟ وهل سيكتفي الأطفال بالصمت مع اعتزال الطفولة يوماً بعد يوم ومقاساة هموم لم تخلق لبراءة الأطفال، كما اعتزلت ريما بندلي البريئة الفن بعد أن أيقنت أن صوت الطفولة لم يفلح في أن يخفف من مصالح الجهات المسؤولة وجشعها ومؤامراتها ومطامعها في العالم، كما أن براءة الطفولة لم تخلق لتقاسي الحروب؟!