أنهيت من وقت قريب ، قراءة رواية الكاتب الفرنسي الشهير، إميل زولا ، " نانا " ، و التي تحكي قصة فتاة ، جميلة ، اسمها " نانا " ، استخدمت جمالها و أنوثتها ، و هي عديمة الموهبة ، للانتقال إلى المسرح ، و الذي كان يمثل في منتصف القرن التاسع عشر ، الزمن الذي جرت فيه أحداث الرواية المذكورة ، ما يمثله اليوم السينما والتلفزيون .
و قد أطلق المسرح "نان" إلى عالم
الشهرة ، وذاع صيتها ، و أصبحت نجمة شهيرة و أصبح لها نفوذ و رجال
يأتمرون بأمرها ، و رجال يقدمون مالهم ونفوذهم في خدمة النانا . و عشيق أو
أكثر، هم بنك النانا . و كنت كلما قرأت عن نانا و حياتها ، كلما زاد التصاق
الرواية بواقع معاش في كثير من المجتمعات العربية ، حيث أصبحت نانا ظاهرة
بدلاُ من أن تكون حالة استثنائية موجودة في كل مجتمعات العالم .
و لهذا كان الحديث عن " النانا " المعاصرة , فها هي الفتاة الجميلة ، تطل بكل ما منحها الله ، و أطباء التجميل ، من جمال ، وتسمعنا بصوتها ما لايسمع ، و ترينا بالمقابل ، ما يرى الكثير من محبي النانا ، أنه يستحق الروءية ، و يبدأ رجالها و نساءها في الإعلام ، بتقديمها على أنها نجمة المستقبل و صاحبة الموهبة الأفضل ، و يصبح لهذه النانا جمهور أو فانس كما تحب النانات ( جمع نانا ) تسميتهم ، و تصبح ضيفة البرامج الحوارية و رفيقة الصباح و المساء فنراها و نسمعها ، مع أنها لا تكاد تحسن الكلام إلا عن جمالها و معجبيها متواضعة تواضع النانات .
و إن هذه النانا أخطر بكثير من نانا القرن التاسع عشر ، حيث أصبح لنانا
القرن الواحد و العشرين ، مستغلة وسائل التواصل الاجتماعي من فيس بوك و تويتتر
و غيرها ، جيش من المعجبين أو الفانس هو كالسيف في ظهرها ، و في صدرنا، يصل
عددهم أحياناً للملايين ، و في مقدمتهم الإعلاميين المأجوريين ، و هم
الجنرالات في هذا الجيش ، يكتبون ما تريد و ماتحب النانا أن يقال عنها،
و يهاجمون ، بكلِ شراسةِ المرتزقة ، أعداءها، فقد أصبحت النانا مصدر
رزقهم .
وتختار النانا لنفسها رجلاً أو أكثر ، يمكن تسميته ب " بنك النانا " ، وظيفته تغطية مصاريفها المرتفعة جداً و التي لا تستطيع هي من عملها تغطية حتى جزءصغير منها .
وبما أن المجتمع الشرقي لا يقبل
بفكرة العشيق أو الحبيب فإن النانا تقدم عشيقها ، وبنكها ، على أنه
الخطيب أو الزوج و تكون ، عادة الزوجة الثانية ، و نادراً الزوجة الوحيدة
في زواج لا يطول . و من المتوقع أن نراها قريبا تطل مع العشيق، حيث بدأت "
النانات " في كثير من إطلالتهن الإعلامية يشجعن فكرة المساكنة .
وتكمن الخطورة الأكبر لهذه الظاهرة " ظاهرة النانا " ، في ما تملكه
النانات من نفوذ يستخدم عن طريق الوسائل الإعلامية ، للمساهمة في تشكيل
، وعي وثقافة مراهقي اليوم ، شباب المستقبل ، و الذي في عقله من المشاكل
ما يحتاج الدهر لحلها و لا ينقصه النانات ، فتصبح النانا قدوة للبعض
منهم ، و لها رأي يؤخذ بعين الاعتبار ، كما و يستخدم البعض من
السياسيين " النانا " في نشر أجنداتهم السياسية ، في حين أن مثل هذا الارتباط
يعتبر في كثير من مجتمعات العالم كالحبر الأسود ، يتفاداه السياسيون ،
خوفاً من أن يلطخ سمعتهم . كما لا يخفى على أحد الضرر الذي تلحقه هذه
الظاهرة على الصعيد الفني ، فتؤدي إلى طرد أصحاب المواهب الحقيقية ، و
تلحق بالوسط الفني سمعة سيئة ، تبعد الكثير من الموهبين الراغبين بامتهان
الفن عنه .
قد يقول البعض منكم أن انتشار هذه الظاهرة أمر طبيعي في المجتمعات التي تعاني من التخلف و من الكبت الجنسي ، و لكني أرى أن هذا من غير الطبيعي أن يكون في المجتمع العربي ، فالعرب كانو قوماً ضرب المثل بأخلاقهم، و أرضهم كانت مهد الاديان السماوية إن انتشار الظاهرة في مجتمعاتنا ليس طبيعياَ ، و إنما هو واقع غريب عنا ، و يطرح أمامنا الكثير من التساؤلات