syria-news.com
الصفحة الرئيسية
من نحن
اسرة الموقع
أكثر المواضيع قراءة
الإعلان في سيريانيوز
الإتصال بنا
المساهمات في هذا الباب لاتعبر بالضرورة عن رأي المركز
الحنشل طراد ... بقلم : الشيخ عبد القادر الخضر
مساهمات القراء

تتدخل العناية الربانية عند الحاجة لكل مظلوم !! ومفتاح تحريرها هو الثقة بالله والتقوى في السراء والضراء !

الحنشل طراد !!! أم القدر !!


لم تكن سيارات التكسي بمدينة حلب من الكثرة في بدايات القرن الماضي فعامة الناس تستخدم الدواب إلاً الميسورون منهم !!

وكانت السيارات يمكن أن تباع بدون أوراق إثبات الملكية وان تم طلبها يمكن تزويرها بسرعة ! وكان بعض اللصوص يقوموا بسرقة السيارات من لبنان ويبيعونها في سوريا ومن سوريا تباع في الأردن! وهكذا

وكان الشاب حسن الظاهري  الجمًاسي . من سكان حلب وكان وحيدا" لأمه الأرملة على نصف دزينة من البنات بعد وفات والده القادم من الرقة ! وكان حسن اسم على مسمًى في الخلق والشكل واللباقة والسيرة !! وكان سعيدا" في عمله وأسعد بأسرته فقد كانت أخواته يزفنًه  لدى عودته من الباب حتى المقنطرة كالعريس يوميا"!  وهي ساحة مبلطة بالحجر في البيوت الحلبية القديمة وهي أبرد نقطة في البيت وخاصة في فصل الصيف !

من عادة حسن عند الساعة التاسعة يشتري مستلزمات البيت من الخضار والخبز ! وحينما اقبل على سوق بانقوسا الشهير أشار له رجل كبير الجثة فارع الطول متوسط العمر مميز بشاربه الطويل وعيناه اللواتي تتقدان وحادات النظر ! توقف حسن بمكانه أمام الرجل لأن الطريق مزدحم بالحمير والبغال وعربات الجر الحناتير

اقترب الرجل الطويل من سائق التاكسي وانحنى وبصوت كفحيح الأفعى قال : أريد من أن توصلني إلى منطقة الجبول !!! هناك لي رفاق أريد رؤيتهم وهم ينتظروني وكم تكلف السفرة أدفع لك !!

لم يرتح حسن للرجل لكنه في قرارة نفسه كان شجاع ومشهود له بالصراع مع شباب الحارة في باب الحديد  فهو العكيد على سن ورمح !! واخرج الطويل رزمة من الليرات السورية حينما رأى النقود !! تردد حسن !! وبلع الطعم وقال له أريد خمس ليرات وهذا المبلغ يعادل عمل أسبوع له في المدينة وافق الطويل فورا" ونفحه المبلغ مقدما" ! وفتح الباب وجلس بجانبه !!

قال له حسن :

 رمضان كريم فأنا صائم وأسرتي وأطلب منك أن تمنحني بعض الوقت لأشتري لعائلتي مستلزمات طعام الإفطار رد بسرعة الرجل الضخم وهو يتمطى بمقعده خذ راحتك طالما نحن سنسير بعد ذلك ! نزل حسن إلى قصاب معين كان والده يشتري منه لحمة البيت وبجواره عدة محلات لبيع الخضار واشترى كل ماطلبته أمه ولم ينس أن يذهب إلى الفرن ويشتري الخبز الفقش !!  الذي كانت رائحة المحلب وحبة البركة تفوح من الأرغفة برائحة زكية تفتح شهوة الإنسان ليأكل ذاك الخبز بدون ايدام !!!

أحس حسن بانقباض في صدره لكنه توكل على الله وغره ثقته بنفسه بأنه عكيد الحارة بدون منافس حتى الآن ولم يظهر من لوى ظهره أو رماه أرضا" !!!

أدخل الحاجات التي اشتراه وودع والدته وزوجته وأخواته الصبايا والصغار مع بناته الاثنتين !!! ونظر باتجاه أمه الصالحة والتقت عينهم مع بعض وكأنما أمه استشفت أنه يطلب من الدعاء له في هذا اليوم الرمضاني الكريم فرعت يديها إلى السماء وقالت :

الله يكفيك شر الناس وأسأل الله العظيم بحق اسمه العظيم أن يحميك ويردك إليً ياولدي سالم غانم !!!

وأحس بوحشة من هذه السفرة !! وخرج وجلس خلف المقود ودعا دعاء السفر وزاد عليه آية الكرسي من سورة البقرة !! وتمتم أدعية كثيرة في قلبه لأن الرجل الجالس بجنبه كان صامت لايتكلم إلا بقوله :  بسرعة خلينا نطلع من حلب !!

لم ينتبه حسن إلى وجه الراكب الذي يديره ويخفيه كلما صادفهم دركي ( شرطي ) بالطريق !!! ووصلوا إلى طريق البادية الذي يصلهم بمنطقة بحيرة الجبول والتي كانت تزود سوريا والبلاد المجاورة بالملح الجبولي النقي والمستساغ في الأطعمة ! لقد بشر الموسم على بدايته ! وكلما أوغل بالصحراء وهو يسير على طريق ترابي مميز بحوافر الحيوانات أكثر من أثر عجلات السيارات ! وما إن توغل في بادية الجبول بقرب البحيرة حتى دب الرعب في فرائصه وكاد يكشف نفسه للراكب !! الذي كان كلما أوغلوا بعمق الصحراء كلما انفرجت أساريره ! كان يرقبه من زاوية عينه وفي مكان منخفض قريب من البحيرة طلب من الراكب الوقوف !! فتوقف على مهل وعينيه تدور في أنحاء المكان فقال في نفسه لاطير يطير ولا حتى وحش يسير !! ماهذا المكان المغفر يارب أسالك العون ! قال حسن بعد أن استجمع قوت أين رافقك الذين ينتظرونك !! رد الراكب وصلنا هذا موعدنا بهذا المكان وقهقه فبرزت أسناه السوداء التي لاشبيه لها سوى أنياب الذئاب ! وفجأة أشهر مسدس كان يخفيه بطيات ثيابه وطلب من حسن النزول من السيارة وأن يرفع يديه وينبطح على الأرض وهو مباعد مابين رجليه ! لقد كان يقهقه ويزمجر أحيانا" لقد انقلب إلى هيئة وحش  ولا يمت للإنسانية بصلة ! نفذ حسن ماطلب منه هذا الوحش لكنه استدار ناحيته وهو يقول خذ ما عندي من المال وخذ السيارة واتركني أعيش لنسوة وبنات صغار ليس لهم معيل غيري !!

تكلم بصوت جلي الراكب وهو يقهقه ما سمعت عن طراد ياول !!

رد حسن بلى ولكني حسبتك رجل محتاج لمساعدة !! قهقه طراد ثانية وهو يزأر كالوحوش ! ردد قوله حسن وهو يستعطفه خذ السارة وما عندي من نقود وبيني وبينك عهد الله لن أشي بك أو أفتح فمي بكلمة عنك فقط اطلب منك أن لاتقتلني من أجل عائلتي !!

قهقه طراد وصاح أنت ماتعرف طراد كبير الحنشل !! في بادية حلب بعمره ماعفى عن أحد !!! ولكن من أجل خاطرك سوف أقتلك قتلة تليق بدعائك واسترحامك لي !! وأخرج من داخل ثيابه حبل رفيع وتين كان يخفيه ! وجلس على ظهر حسن حاول حسن التملص من وزنه والانقلاب عليه ليصارعه لكن طراد كان مسيطر عليه بشكل تام وكل محاولات وحركات عكيد الحارة باءت بالفشل

واستطاع طراد تكتيف حسن وتركه جثة على الأرض المملحة بطبقة رقيقة من الملح مما زاد في معاناة حسن وزيادة على هذه المعاناة من تأثير الصوم !!

وقهقه طراد وهو يقول كثير غيرك أجيبهم إلى هذا المكان وأقتلهم بطلقة واحدة على الرأس وأذهب بالسيارة إلى بيروت وأبيعها هناك ولكني سوف أقتلك بدون رصاص لأنك وجعت قلبي وقهقه ضاحكا" مستهزئا" سوف أهشم رأسك تهشيم حتى تموت !!

ولم يكن في هذه الأرض المنبسطة مثل راحة الكف على مد البصر أي شيء بارز سوى صخرة كبيرة يمكن حملها فأرجع طراد مسدسه وأخفاه في ملابسه وذهب باتجاه الصخرة , وحاول اقتلاعها من الأرض ليحملها وهو يقهقه ! وفجأة صرخ صرخة عظيمة وهرول باتجاه حسن المكب على وجهه المربوط من يديه ورجليه ! كان يصح ويصرخ كمن مسه طائف من الجن !!!

وسقط على الأرض بعيدا عن حسن عدة أمتار !! فاقد الحركة ساكنا" والزبد يخرج من فمه المفتوح كالمغارة!! وعيونه كعيون عفاريت العجائز في القصص المروية عنهنً !!!استطاع حسن أن ينقلب ويستطلع الموقف الذي أصبح فيه ورأى على البعد أفعى رقطاء عادت إلى ظل الصخرة التي حاول طراد اقتلاعها ليقتله بها ولكن القدر له جنود مخفية تتحرك بإرادة السماء متى تشاء !!!

كان حسن يدعو الله حينما كان يشد وثاقه طراد وأيقن لاملجأ ولا معين إلاً الله بهذه المحنة !! والسماء أبوابها مشرعة لتلقي الدعاء وعلى الخصوص من المظلوم والصائم وأطلق لسانه بالدعاء وطلب النجدة من الله وحده !!!

حاول بشتى الوسائل أن يفك وثاقه أو يقطع الحبل لكنً محاولاته باءت بالفشل ! فأيقن أنه ميت من العطش في هذه المملحة !! وبينما يرقب الأفق بعينيه لاح له بارق أمل فقد رأى قفل بدو مار باتجاهه وما هي إلاً فترة من الزمن حتى وصلت طليعة القافلة ! ففكوا وثاقه وسجد لله شكرا" ! وقام بمساعدة البدو بجمل جثة طراد ووضعها بصندوق السيارة !! وودع رجال البدو وشكرهم وعاد إلى مدينة حلب وبالتحديد إلى قسم الدرك في باب الفرج وسلًم الجثة وعرفوه وكانت الحكومة السورية قد وضعت جائزة لمن يسلمهم طراد حيا" أو ميتا" !!! فأخذ الجائزة وارتاح لعدة أيام معتكفا" بالمسجد حتى العيد وقام بمعايدة شباب الحارة وكانوا يخاطبونه بالعكيد فقال لهم أنا منذ اليوم تنازلت عن هذا الاسم وأصبحت الطليق !! لأني أطلق سراحي من البدو وقص عليهم قصته !

وقال لأقرانه الدعاء بلسان صادق !!! قوة كامنة تتحرر لطالبها إن كان صادق الإيمان ومظلوم وأنا أشهد !!! وتذكر دعاء أمه له !!!  رويت لي هذه القصة منذ أكثر من أربعون عاما" وهي حقيقة وليست خيال !


2010-09-15 13:00:43
شاركنا على مواقع التواصل الاجتماعي:



شارك بالتعليق
فتى الجمًاسة الظاهري2010-09-22 17:32:48
قصة رمزية بامتياز
الشكر للشيخ على هذه القصة المجازية
-سوريا
محاسب قانوني2010-09-15 14:54:47
شكرا
تقبل مروري ومحبتي !!!
-الولايات المتحدة