لا يكاد يمر أسبوع دون أن نتابع خبراً يتناول عنواناً مثيراً عن إعفاء أحد المسؤوليين الحكوميين من وظيفته الرسمية والتبرير المترافق معها يكون عادة مرفقاً بالجملة الشهيرة "أعفي من الخدمة لأسباب تمس النزاهة" ولعلّ مثل هذا الخبر.

من وجهة نظر متفائلة، يدل أن هناك متابعة، من نوع ما، تدل على أن "محاربة الفساد" هي أولوية لدى من يمتلك زمام الأمور في تصفية منابع الفساد والقضاء عليه وتجفيف منابعه وأن الأمر لا يعدو عن كونه "مسألة وقت" حتى تنظف مؤسساتنا الحكومية والرسمية من كل ما يشوبها من مظاهر عامة وخاصة للفساد بأشكاله المختلفة.

وبناء عليه فما علينا، كمواطنين، سوى الانتظار وسنجد أن الكثير من المشاكل التي كان عائق الفساد سبباً في تشكلها سيزول بشكل تدريجي وليس علينا استعجاله فما قد تراكم خلال سنين لا يمكن اجتثاثه خلال سويعات أو أيام.

ومن وجهة نظر أخرى، يجد المتابعون لهذا الشأن الهام والحيوي، في ملاحقة الفساد والفاسدين والمفسدين،أن هذه الإعفاءات ما هي إلا واجهات ضعيفة المحتوى والأساس ولن تلبث إلا أن تظهر مدى هشاشتها وعدم فعاليتها كونها تقوم على "اصطياد" السمك الصغير الضعيف وتهمل الحيتان الكبيرة، التي تحميها علاقاتها الشخصية من المحاسبة، التي تلتهم أضعافاً مضاعفة ما قد يقوم به أولئك المفسدون "الصغار" من خلال الكثير من المسميات التي تندرج في خانة الفساد مثل الاحتكار والحصر وغيرها من الاساليب ..

وعليه ارى بانه ينبغي أن يتم القيام باستخدام سياسة الاستئصال المباشر والعقاب الشديد والضرب بيد من حديد على كل متلاعب بمقدرات البلاد وخاصة ذاك الذي يحسب أنه بمنأى عن المحاسبة لأن استخدام المحاسبة فقط ضد صغار الفاسدين، على أهميته، إنما يكرس مبدأ الانتقاء في تطبيق القوانين وهو مبدأ لو تعرفون..

يخلخل الأمور بشكل زائد ويضيف "حاشية رقيقة" للذاكرة الفاسدة أن هناك دوماً "استثناء" وأنه في زحمة الاستثناءات قد ينقلب الحق ليصبح باطلاً فقد سمعنا العديد من المرات عن "تكالب" (كناية عن "تعاون" ) الفاسدين لإسقاط أسماء من رفضوا لفساد والمفسدين كي يقعوا في قفص الاتهام غير المدان فيخسر الوطن هنا أيضاً مرة ومرات، مرة شرف مكافحة الفساد، وأخرى خدمات أولئك الذين دنست أسمائهم بإضافتهم لقوائم "المساس بالنزاهة" والذين كانوا يعملون بكل جد وأمانة ومع ما يتوافق مع ضمائرهم تجاه أهلي هذه البلاد الكريمة ويتم تحويل جهودهم لدول جوار!!!

وكأحد المواطنين البسطاء، أجد في هذا المصطلح، من قبيل الإعفاءات، استخفافاً في عملية الاصطلاح والقضاء على الفساد؛ إذ يكفي الفاسد أنه يخرج فيه من الخدمة بعد أن يكون مليء الجيوب بدون أي عقاب واضح وصريح وعلني واللاحكمة تجري بحجة أنه لا دليل لهم أو مستمسك مادي على جريمة قام بها هذا الفاسد المارق..

ولعله يحق لي أن أتسائل ما الذي جعل من هذا الفاسد متمركزاً سنوات طوال في مركزه بدون أي مساءلة أو أحقية فيه في حالات عدة سوى أن ولائه يسبق أدائه لفلان أو علان!!!

وفي غمرة الحديث عن الفساد لعله يجب أيضاً أن ينسحب على من قام بتعيين أحد في غير ما يستحق وبذلك نرسم دائرة محكمة الإغلاق على من تسول له نفسه أن يقدم المناصب لهذا أو ذاك بناء على منفعة أو لولاء، فيكون من الحاشية، فيتم استئصال الخلية الفاسدة معاً دونما إبطاء.

في الختام أود أن أقول أن الفساد في أحد أسبابه استبداد لا يطال الإشارة لأخطاء أو لاحتكارات يقوم بها فئة من الناس وتتراكم وتتكاثر في بيئة المتابعة المتراخية لقضية مركزية وذات أبعاد قومية عليا كمكافحة الفساد..

 وعلينا كمجتمع ومواطنين أن نزيد من إشاراتنا لمكان تمركز هذا الفساد عله يصبح مفضوحاً "بشكل أكبر" وتتداركه الجهات المختصة قبل أن يتفشى هذا السرطان أكثر مما ينبغي فيصيب كافة مرافقنا ومفاصلنا بالارتكاس غير القابل للإصلاح.