لم يكن من قبيل المصادفة أن تكون الثورة السورية الكبرى قد قامت على يد عدد كبير من القادة السوريين من كل مناطق ومدن سوريا وباشتراك كل طوائفها وأعراقها، من جبل العرب وحوران سلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية الكبرى، ومن حلب إبراهيم هنانو، ومن دمشق حسن الخراط، وفي الساحل السوري صالح العلي وعدد كبير من الأبطال والمجاهدين من مختلف مناطق سوريا. واشتركت فيها كافة فصائل الشعب السوري.

حتى أن أولئك الأحرار لجئوا إلى الشيخ سلطان سطام الطيار أحد شيوخ قبيلة "ولد علي من عنزة" احتماء من المحتلين الغاصبين وأذنابهم المتجسسين.

ومن المعلوم أن فارس الخوري كان رئيس الوزراء في الجمهورية العربية السورية، ومن المشرّف أنه في وطن عظيم مثل سوريا كان هذا الوطني الشريف قد استلم وزارةً الأوقاف بالرغم من كونه مسيحياً وعند الاعتراض عليه من قبل البعض دافع عن الثقة به نائب كتلة إسلامية هو عبد الحميد طباع ليؤكد ثقته المطلقة بنزاهة وأمانة هذا الرجل.

وفي درعا وسهل حوران خسر أحد زعماء تيار ديني هو الشيخ أحمد جنادي انتخابات رئاسة ميتم إسلامي مع أحد الوجهاء من الأخوة المسيحيين هو هاني السالم.

لم يشهد تاريخ سورية على خلاف جيرانها, أي حرب دينية طائفية طوال عقود وأعوام من التلاحم والتعايش, ولم يخل الأمر من مواجهتها لبعض المتطرفين كما حصل في فترة مؤلمة من الثمانينات يقول البعض أنها كانت نتاج خلافات إيديولوجية بين حزبين تطورت لأحداث دموية مؤسفة ينبغي التمحيص فيها من كل الأوجه لأنها لم تكن تأخذ وجهات نظر مختلفة ومتعددة واكتفت بوجهة نظر واحدة، اعتبروها طرفاً في النزاع، ونقل هذا الرأي لا يعطي تبريراً أبداً وعلى الإطلاق إدانة أي جرم و أن من لوثت يده بالدماء مجرم بحق الوطن والوطن منه براء.

الطائفية هي نقيض للشرائع السماوية، فرب السموات تجلى في علاه هو الذي خلقكم شعوباً وقبائل لتعارفوا. وجعل من آياته اختلاف الألسن والنحل والعقول. الطائفية نقيض للمدنية، نقيض للحرية، نقيض للعقلانية، هي ضد لا يشجع على اعتناق الوطنية في الذات الفردانية. الطائفية ظلام يقيد القلوب ويمنع التآلف ويزيد في النفوس الحساسية والنفور. هي نار تأكل ولا تذر, خصوصاً في هشيم جاهل متعصب متهالك بعيد عن المنطق والعقلانية.

الطائفية تجعل الطفلين الشهيدين، حمزة الخطيب وثامر الشرعي، محاربين من الأعداء، ذاهبين لسبي النساء من البيوت لا يسترعي تعذيبهما ومن ثم قتلهما رأفة أحد المحللين السياسيين أو المطالبة لمن قام بهذا الجرم بالعقاب !!!وهي ذاتها من جعل من الشهيد نضال جنود عدواً، والتمثيل بالجثث شيئاً عادياً.

يلعب على وتر الطائفية من يحبون الحديث عن الأكثرية والأقلية وهو مفهوم يتجاوز بمراحل كيفية بناء الدولة الدستورية المدنية, ولا عجب فهي تقوم على محاصصة مريضة, وتقاسمات منصبية, يتقاسمها حيتان رؤوس الأموال من التجار والزعماء. ليس من قوامها البحث عن الشخصية الأنسب, وعن الأهلية والمقدرة على تحمل أعباء المناصب,  وامتلاك روح الارتقاء وتبادل مناصب السلطات بكل سلاسة ودون إراقة أي دماء.

إثر الاحتجاجات الأخيرة في سوريا الحبيبة الجريحة بتنا نستشعر بعضاً من ريح طائفية لا نود لها أن تمضي باستعار, وهنا أجد لزاماً أن أضع آراءَ يتناقلها العامة والخاصة دونما حرج لنسمع بقية الأطراف ولتكن بنية تصحيح المسار.

يرى بعض الأطراف أن السلطة الأمنية ذات العقلية الوصائية هي أول من قام باستدعاء شبح الطائفية البغيض كسلاح وقائي في بداية الاحتجاجات, لتبرر بذلك أي عنف قد تستخدمه ضد المحتجين لاحقاً, مما يجعل هذا السلاح البغيض غطاء شرعياً لإخماد أي صوت أراد أن يرفع لسان الاحتجاج. وسيشارك معظم أفراد الشعب في تأييد هذا التصرف الأمني ويباركه على أنه وأد لفتنة في مهدها حتى لا تجتاح العدوى باقي مناطق البلاد. ودليلهم على ذلك ما ظهر في حديث السيدة بثينة شعبان الأول في تصريحاتها للصحافة عقب الأحداث علماً بأنه لم يكن هناك أشياء ملموسة على أرض الواقع تفند هذا الترويج، حيث كانت الاحتجاجات مجرد طلبات شعبية لا تستدعي الترويج لهذا الاتهام.

ويؤكد هذا الطرف أن بناء السلطة بذاته قائم على تمايز طائفي تحتكر فيه أبناء طائفة من الأقليات معظم المناصب الحساسة في البلاد. يقول هذا الطرف إن حالة الوفاق الطائفي التي نجحت السلطات بتعويمه في سياستها بديلاً عن الوفاق الطائفي الصحي والحقيقي هو حالة المحاصصة الاقتصادية وتولية بعض المناصب الشكلية والركوب على موجة الأقليات والأكثريات. هؤلاء لا يجدون حلاً للطائفية سوى بالتعددية السياسية دون لجوء للترويج أنه دون هذه التركيبة من الحياة السياسية وامتلاك المناصب حتى الممات ستذهب البلاد نحو الانفلات.

بينما يرى آخرون بالمقابل أن هناك الكثير من التخشب والتعصب والتحجر في المشهد الطائفي يتم بعيداً عن ما يصوره التلفاز الرسمي من تعايش وتسامح بين الطوائف, ومرد ذلك يعود لانتشار القنوات الدينية المحرضة المدعومة والممولة من رأسمالات البترودولار كما يصفها المفكر أسعد أبو خليل، والتي أراها جريمة بحق الأديان السماوية السمحاء, وهي الطرف المقابل لفوضى قنوات الانحلال والعري والفجور التي تمثل جريمة بحق العقل والمنطق والضمير والأخلاق.

والواقع يقول إن كلاً من هذين النوعين من الفضائيات غايته اغتيال العقل وتحرير النزوات واستباحة الدماء والأعراض, فبدل أن يرتقي الإعلام بثقافة الإنسان ووعيه وانفتاحه على الآخرين نجده أضحى أكثر انغلاقاً وأكثر أنانية وتطرفاً.

ويرى طرف ثالث أن اشتمام ريح الطائفية أو الشحن في الأجواء ما هو إلا دليل آخر على فشل السلطة في تحقيق إصلاح حاسم في هذا الباب, فالتعاطي تم على أساس اعتماد العنف لإخماد الاحتجاجات, وترك باب أسلوب العلاج الذي يستلزم وقتاً يتم فيه البحث عن المسببات وعن أنسب طرق العلاجات. يقول أصحاب هذا الطرح إن هذا الفشل هو تفريغ لشعارات طالما رددتها الجموع باحترام وإباء عن الوحدة والاشتراكية، أما الحرية فما عدنا نهوى ذكرها خشية التخوين والاتهام بالارتهان لمشاريع خارجية.

يجب علينا من حيث الأساس مراجعة منظومتنا الدينية لكافة الطوائف وإحالة أمر مراجع هذه الطوائف لدورة من إعادة التأهيل عبر غرس فكر العيش المشترك, وأخذ كل ما هو مشترك وايجابي من تراثنا الفكري والاجتماعي وتعميمه, واحترام خصوصية الآخرين وعدم النيل منها سخرية أو تجريحاً, حتى ينمو زرع جديد يقطف ثمار الاحترام, ولتنشأ صحوة لا نريد لها أن تكون متأخرة.

هناك خرافة ينشرها الجهل والغباء بين الأكثريات مفادها أن معظم الأقليات فاسدة أو منتفعة ومرتهنة للسلطات, وإذا وجد من أتباع طائفة ما, من يتولى مركزاً حساساً في البلاد فهذا يعني أن طائفته تعيش حياة الترف والبذخ, وهي تتحمل مسؤولية الكوارث التي قام بها فساد بعض هذه الأطراف, وهذا إفراط في الغباء والتعصب والجهل والانغلاق، فالفساد منظومة تدوس بلا رحمة كل الطوائف وكل الأجناس والأعراق وهو لا يعرف التمييز بين المعتقدات ولا الثقافات فالكل في عرفه عبد آبق ليس عليه سوى الانصياع لفساده, أو دون ذلك فظلام السجون ورعونة وبطش السجان.

أيها المراهنون على انقسام شعبنا الأبي عبر المحن والشدائد، أيها الذين يطبلون ليل نهار ويشعلون نيران الانقسام ويستخدمون فاحش الألفاظ والعنصري من العبارات, يا أيها المبشرون بعراق جديد أو لبنان غير سعيد لن تغنموا منا فليس لكم في وعينا من أنصار, فهذه الديار مباركة شئتم أم أبيتم, ولن يزعزع وحدتها بعض الزعران أو المتطرفين قلوا أو كثروا, فهم مجرد أغراب عن حضارة أراد رب السموات لها أن تسكن هذه الديار. أكثريتنا يا سادة لا تهتم بأمر الطوائف بل تتعداها للإخلاص في حب وطن سكن الفؤاد ليس لحبه من بديل أو خيار.

ثقوا بتاريخ شعبكم وبتعاضده وبتحليه بالوعي وبوطنية أهله حتى و إن حدثت بعض الأحداث والحساسيات بحكم وجود احتكاك فج ومظالم فهذا لا يعني أن البلد ستقع في فخ حروب ودماء،  فوعي الشعب أظهر حتى الآن رسوخاً كبيراً وتسامياً كبيراً حتى بوجود بعض التحريضات مقارنة بحجم الأحداث وتوسعها انتشارها....أيها المشككون بعظمة هذا الشعب ووعيه آن لكم أن تعيدوا النظر فشعبنا شعب يمتلك ضمن خريطته الجينية الحضارية كل مفاتيح  الإصلاح ولفتح صفحة جديدة بدون ضغينة وبدون تفرقة وبدون إلغاء.