رغم الاختلاف العقائدي والفكري الذي يتبعه هذا التنظيم في منطقة يشعل الخارج فيها بين الفينة والأخرى النوازع الطائفية بين الشعوب وتقوم كثير من حالات الجهل بتبني هذا الشقاق بدلاً عن حالة الاحتضان والاتفاق التي بموجبها نحرق أي تدخل أو نردم أي جهل قد يعقد هذا الاتساق.

لقد كانت تلك الشعبية العارمة دليلاً كبيراً على انهيار مكانة المنظومات العسكرية في الدفاع عن شرف الأمة بكافة مكوناتها الشعبية الأصيلة(رغم تخصيص معظم المداخيل العربية الكبيرة للدفاع وتسليح الجيوش وخصوصاً منها تلك الدول النفطية) وبذات الوقت كانت دلالة على استراتيجية جديدة للقيام بالحروب بالوكالة، لإنعدام سلم التوازن العسكري ،يقوم بها عدد من الأنظمة العربية ضد الكيان الصهيوني ومن وراءه في المعسكر الغربي الذي يعتبر نفسه وصياً على العالم بأسره بكل استكبار وغطرسة وعنجهية.

لم تكن تلك الشعبية بفعل الالزام ولم تكن مراءاة كان يقوم بها المتابعون كما هي عادة التنظيمات السياسية العربية الاجبارية في ضم أفرادها بل كانت وليدة الالتزام برد جزء من شرف الأمة الذي أهدرته الأنظمة الانقلابية في أشكال مختلفة من صناعة مجتمعات يأكلها العجز والخوف والقلق هرمت قبل الآوان رغم كون غالبية مكونها من المواطنين يعتبر الأكثر شباباً.

لقد كانت الشعبية اصطفافاً جماهيرياً وقف فيه العاجز أو المتفرج أو المتابع مع الطرف الذي تبنى مظالم شعب مغتصب، شعب مهجّر، شعب هجرته كافة المواثيق الدولية الجائرة والظالمة التي تقف دوماً مع القوي والمتحكم وصاحب النفوذ أو الثراء.

لقد ظهرت منفذ في بداية الثورة السورية عبارات طائفية فسرالبعض وجودها على كونه اختراق من قبل السلطات لتشويه المطالبين بالكرامة ومطالبهم واعتبرها آخرون موضوعاً نسبياً ضئيلاً حدث ولكن تم تسليط الكثير من الضوء حوله في خدمة تطلق للسلطة يداً واسعة في قمع الاحتجاجات وهي بالنسبة والتناسب شأن طبيعي كونه حتى في المجتمعات المتحضرة لابد وأن يوجد فيها فئات متعصبة لديها فكر متحجر تستدعي التدخل والمعالجة المناسبتين.

هل قام حزب الله بالانتحار شعبياً ؟

لقد أثبت حزب الله على نفسه خلال الثورة السورية، ثورة الكرامة، كل التهم التي حاول الأطراف في لبنان حشدها ضده، فقد أكدت تصرفاته وتصريحاته الخارجية أنه دولة داخل دويلة من حيث الانحياز الكامل والمخالف لشركاء له في الدويلة اللبنانية التي تسيّد عليها. لعلّ لعنة الاستحواذ على القوة تصيب الجماعة كما الأفراد بداء النرجسية والتضخم بالذات، ولعلّ فقدان مرجعية دينية متمثلة بغياب سماحة السيد فضل الله المعروف باعتداله ووسطتيه وذكاءه كانا سببين رئيسيين في انحراف الحزب وفكره عن بوصلة الانحياز للمظلومية على أرض الواقع والإفراط في عدم تناول المواضيع المتداولة على الساحة باعتدال ومن زوايا عدة.

لقد أخذ حسن نصر الله موقفاً شخصياً من الثورة السورية ولم يقبل حسب بعض الروايات الوقوف على الحياد بل حابى الجلاد ولام الضحية المضطهدة على الصياح ووضع نفسه كطرف في معركة خاسرة مع الشعوب، لقد أنكر وبشكل متواصل ما يحدث على الأرض والتزم بنظرية المؤامرة بدلاً عن الخوض بالنزول للشارع ومشاهدة المآسي التي خلفتها آلية التفكير الأمنية الاجرامية العنيفة المطلقة اليد والمنزّهة عن الحساب، رغم أن حليفه الرئيس السوري قد اعترف ببعض الأخطاء، فكان ملكياً بالولاء أكثر من الملك ذاته

لقد ادعى المقدرة على الدخول كطرف وسيط ولكنه أثبت كل التهم التي كالها له فريق 14آذار عندما قال أنه يستخدم المقاومة الخارجية كغطاء للهيمنة الداخلية، بدا الرجل قزماً عندما نظر للثورة السورية بقصر نظر بات التعامي عنه غباء مفرطاً، حيث لم يترك باباً خلفياً للرجوع، بل قام باحداث قطيعة كاملة معها واتهمها بالارتهان والارتزاق وكل موجبات الاتهامات الملوثة للشرف والتي تتعامى عن الحقوق. ولو كان حريصاً فعلاً على المقاومة لكان ترك الإحتمالات مفتوحة فهذا كان ليضمن عمقه الإستراتيجي في مواجهة العدو المشترك (الكيان الصهيوني).

ألم يفكر بإحتمالات نجاج الثورة السورية ولو كانت ضئيلة؟ كيف سيؤمن ممرات اسلحته بعد إنتصاره؟ بل ألن يفقد مصداقيته وبيئته الحاضنة التي كانت له عوناً مادياً واستراتيجياً وداعماً ضد التطرف ؟ خصوصاً أن هذه البيئة عادت فتاوى من متشددين لم يقبلوا بالدعاء له للانتصار ضد العدو الصهيوني.

لماذا أخذ الثورة السورية وكأنها مشكلته الشخصية؟ مع العلم أن بعض من قيادات حزبه حذروه من سلوك هذا المسار؟

لماذا كذب حسن نصر الله بشأن ما يحدث في قلب سوريا الجريح حمص وهي أقرب ما تكون للبنان (مرمى حجر) وقال مستهزئاً أنه لا يحدث هناك أي شيء في حمص!!!؟؟ لقد تجاوز هذا الكذب الفاضح أي حد يمكن حفظه لكرامة هذا الشخص عندما تجاوز كل الدماء وكافة أنواع العقاب الجماعي وكافة أنواع الدمار النفسي والمادي الذي حلّ بالمدينة المنكوبة، بل وخرج علينا بثوب الناصح أن يقبل الشعب الثائر ب(إصلاحات سيده) وإلا لكنا مارقين متآمرين متأمركين؟ وفي ذات الخطاب يطلب بصفاقة غير معقولة من ثوار البحرين أن لا يقبلوا بأي مما تقدمه حكومة ملك البحرين، التي لا تقل في ظلمها وجورها وتمييزها بين الرعايا عن باقي الأنظمة العربية ولكنها لم تصل بعد لمستوى الدموية التي وصل اليها ذاك الذي يدافع عنه (زعيم المكاومة).... أي نفاق وازدواجية وطائفية يخرج بها علينا بهذا الوجه الجديد سماحة السيد العتيد كي ينصحنا بأن لا نقاطع حكومتنا الفاسدة وقد قام هو بما ينهانا عنه؟ ألم يقرأ في القرآن العظيم (كبر مقتًأ عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) ألم يسأل هذا (الزعيم) نفسه لم كان مسموحا لحزب الله وأمل ان يعتصموا لمدة عام ونصف أن يغلقوا الطريق العام بساحة رياض الصلح ويشوهوا المنظر السياحي العام لبيروت "ست العواصم" ويعطلوا عجلة الاقتصاد الوطني والسياحة ويعطلوا السلطة التنفيذية ويسقطوا هيبة الدويلة والا فإن فزاعة السلم الاهلي والعيش المشترك ستتهدد؟

لقد شجع (الزعيم) ثورة ليبيا رغم كل التدخل الاجنبي الخارجي فيها مع العلم ان حلفائه السوريين اعتبروها حرباً صليبية يقوم بها (جرذان الناتو)!!

لقد عادى فكر نظام الملالي في حزب الله دولة ليبيا ونظامها لفترة طويلة وجرّ معه كل الدويلة اللبنانية فقط لأجل شخص واحد تم اغتياله أو أسره في ظروف لا تزال غامضة! هي مدانة بكل تأكيد.

يظهر الفكر الأحادي في خطابات (الزعيم) التي تقدس الفرد المقرب منها بدون حدود فلم نجده قد نادى بالانتقام لألف شهيد لبناني إبان الاعتداءات الوحشية من الصهاينة ولكنه كرر كثيراً مصطلح الانتقام للشهيد عماد مغنية؟! على أهميته وعمق موضوع اغتياله إلا أن هذه الدقائق الصغيرة تتطلب اجابات عن تقديس الافراد في فكر الحزب وزعيمه الأوحد والمطلق، لنجده لايفرق كثيراً عن باقي الأنظمة الشمولية التي يتبع لها ويداع عنه باستمرار مثل نظام ايران والنظام السوري الدموي.

هل نستطيع أن نقول أن حزب الله أدخل نفسه بقذارة المصالح قبل المبادئ ؟ أم أنه كان كذلك سابقاً ولكن عاطفية الشعوب العربية وضعف أنظمتها عن مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب كانا السبب الرئيسي في التعامي عن حقيقة الحزب وأصوليته؟

هذا يتطلب التساؤل عن مفهوم المظلومية في عقيدة حزب الله أهي مبنية على مصالح سلطوية تستدعي الندب المتواصل على حكم قد زال؟ أم هي حالة انسانية شاملة وعامة تستدعي الانتصار لكل صاحب مظلومية مهما كان في كل زمان ومكان؟

لقد توسع حسن نصر الله في اطار الانتفاخ المتضخم والنرجسية حين الغى الحدود البروتوكولية وخاطب الخاطفين السوريين بشكل مباشر، وهنا لا يمكن الدفاع عن أسلوب الخطف الخسيس أياً يكن من قام به، ولكن أسلوب تجاوز إدارة مثل هذه الجريمة أوحى أن زعيم عصابة يتحدث مع زعيم عصابة أخرى قامت باختطاف بعض رجاله!! ألا تملك الدويلة اللبنانية رجال سياسة وأمن مختصين بإدارة مثل هذه الشؤون؟

هل حسب نصر الله أنه زعيم في دولة سوريا ؟ كما هو زعيم في دويلة لبنان؟

لقد تجاوز حسن نصر الله زعيم حزب الله حجمه الحقيقي حين حسب نفسه مسؤولاً يخاطب سوريين مهما كان جرمهم مشيناً فقام بتخطي مؤسسات الدولة السورية والدويلة اللبنانية على حد سواء فاعتبر نفسه شخصاً لازال يمتلك شرعية القلوب التي تمنح من الشعوب بدون استئذان وبدون رسميات

لقد أغفل حسن نصر بدون كياسة أن تحالفه السياسي مع السلطة السورية هو ميثاق يباركه وصنعه الشعب السوري وهو الكفيل الوحيد باستمراره وبقائه وهو الذي دعم المقاومة ودعم مشاريع التصدي للكيان الصهيوني، فإن كان لا يزال يؤمن بأن الصهيونية هي العدو الأوحد فعليه بالاعتذار من تلك الدماء التي استهزئ بسقوطها وكذّب وجودها وادعى بتحيز ظالم وجائر أنها غير موجودة.

إن العدو المشترك والأوحد ينبغي أن يبقى هو العدو الصهيوني وإلا أكلتنا نار الفرقة والانحياز للمسيطر والقوي والتنّكر للضعيف وحقوقه وهذا بحد ذاته يستوجب حرباً نستعيد فيها بعضاً من الاتزان بعيداً عن الارتهان والابتذال لطرف على طرف حسب المصلحة وحسب المواقف المتبدلة والمتغيرة.