syria-news.com
الصفحة الرئيسية
من نحن
اسرة الموقع
أكثر المواضيع قراءة
الإعلان في سيريانيوز
الإتصال بنا
المساهمات في هذا الباب لاتعبر بالضرورة عن رأي المركز
المدينة، الناس، والمفاتيح تتغير، هو طبع الزمن... بقلم: خلدون عزام
مساهمات القراء

بعد أن وجدت مفتاح البيت صدفة في أحد الحقائب ، طفت الذكريات كفقاعة ثقيلة ، وازداد حجمها، فابتلعت الليل وصار موعدا لها كي تطرق أبواب ذاكرتي، لأدعها تمر ، لكنها أدمنت استرجاع الماضي فتركت الليل موعدها ، لتحتل نهاري أيضا، فتزيد من عذابي ، ألا تكفيني الغربة ..


ترميني كل يوم بحصى الفراق.. قلت هذا محاولا الخروج من مأزق الذاكرة... لكنها أبت ... منذ أن أخرجت ذلك المفتاح ، وشوارع هذه البلاد الغريبة لا تشبه حارتي الحنونة التي علقت على جدرانها أفراحي و خيباتي، ورسمت فوق أزقتها خطوات سريعة تحت المطر مع الحبيبة ، فكرت كم مزقت هذه الشوارع الغربة ذاكرتي و أدمتها، بضجة غريبة.. ليست كأصوات الأطفال الصغار يلعبون تحت شباكي,, أو بائع (غزل البنات) الظريف يعبر كل يوم وفي يده سكر ملون لذيذ.

أيام طويلة تمضي في الغربة ، تحاول أن تمحو صوت أمي يدعوني إلى الطعام ، والدي قادما من عمله يقبلنا بكل حب، ساعات السهر مع أصدقائي على أنغام العود و مارسيل "يغني تصبحون على وطن"، فتنطلق الأحاديث عن الحب ، المغامرات و الأحلام بزمن جديد ، كل هذا تسرب نحو أعماقي ... وفي يدي مفتاح بيتنا في الوطن... أتحسسه, ليس كأي مفتاح يا ربي ... أقول ، هنا نبدل المفاتيح كل شهر و نترك الغرف بدون ذكريات وخطوط ملونه... فلا تعلق في الصدور إلا صورا باهته عن أماكن هجرها الود، ووجوه شاحبة أمرضها الزمن و عاجلتها الغربة بأوجاعها ، أنظر إلى المفتاح أقلبه بين أصابعي، فاشعر أنه يطوف بروح من هواء الجبل، ثم أتذكر يوم السفر حين قال والدي ، أترك المفتاح هنا، قلت له: أحتاج أن يبقى معي... وها أنا اليوم بعد زمن طوى تلك اللحظة ، أحس بالحاجة للمفتاح، فهو الذكرى التي تشدني نحو بيت ينتظر أن أفتح بابه، لأستريح في المضافة أو تحت دالية العنب ...

كان للذكريات الماضية وقعا كنهر جارف ،فقد نقلتني نحو تفكير جديد... وهو العودة نحو الوطن, لم أخبر أحدا عن ساعة العودة، قلت لهم أنا قادم في الصيف وكفى، فقد كنت أرغب أن أفاجئ الجميع، و أدخل البيت كما الماضي ، فأذهب الى غرفة الجلوس، أقابل أهلي أضمهم جميعا، وكأن سنوات الغربة لم تكن، كنت أرسم في عقلي سيناريو لدخول البيت، وأتصور تعابير المفاجئة على وجوه أهلي، و أنا أمسك المفتاح ، أنظر إليه وفي أعماقي فرح و أنا أتخيل المشهد، أحرك المفتاح في فضاء الغرفة كأني أفتح الباب... أدخل البيت ، أمي في المطبخ تحضر الغداء، أختي في غرفتها تقرأ قصص تشيخوف ، و أخوتي، يجلسون على طاولة في الحاكورة تحت ظلال الدالية ، أحدهم يبدل الأسطوانة ويستمع لمطرب غير معروف، والدي يقرأ الجريدة الرسمية أو يضع مذياعه القديم على صدغة ليستمع إلى أخبار العراق و فلسطين، معالم المفاجئة تبدو واضحة على وجهه، يصيح متعجبا حين يراني أمامه فيسقط المذياع من يده ، ولكن كيف؟.... تأتي أمي... يجتمعون حولي كأني حلم أو كائن هبط من السماء ... لا يصدقون، أني عدت هكذا ، وبعد أن يتنهي طقس اللقاء المذهول، و الدموع، تبدأ الأسئلة ، لماذا لم تخبرنا؟ ... أنسيتم أني أحب المفاجأت؟..أبرر قدومي المباغت... ثم أوقف مد أحلامي هنا... و أستعد ليوم جديد، فأمامي غدا يوم طويل، وساعة العودة إلى الوطن بدأت تقترب...الطائرة تقلع ، فتسبقها أفكاري، تشرق الشمس رويدا، لتغمر الكون بنورها الندي، أتنفس هواء الصباح، أحضن المدى بعيوني، محرك السيارة يهدر، يغيب الصوت ليطوف ذهني بأوهامه الجميلة... المسافات تندثر خلف الأفق، فيطل الجبل فارشا الأفق كمارداً عتيق ، يحتضن سهول القمح .. بساتين العنب و الزيتون... أقول للسائق: هناك مدينتي ، تعيش ، تفرح ، وتحزن ، خلف التلال البازلتية ... ندخل الساحة الكبيرة... أوجه السائق نحو بيتنا... لا ، هذا الطرق مقفل، قال السائق، سأذهب من شارع أخر، ذهب.. استدار، و أنا أنظر حولي مستغربا، ربما هي مدينة أخرى قلت مازحا... ضحك السائق .. ثم أضاف: المدينة، الناس، و الحجر تتغير ، هو طبع الزمن .. عمي , الحمد لله على السلامة.. وأخيرا وصلت البيت... قلت: هنا توقف، ساعدني السائق بتنزيل الحقيبة, أعطيته أجره، سحبتها نحو المدخل، أخرجت مفتاحي، أولجته في الباب... لم يفتح.....حاولت مرة أخرى لكن الباب بقي موصدا ... فجأة دخل صديقي ممر البناء ، وقف مندهشا حين وقع بصره علي .. متى أتيت لم نعلم بعودتك ، تعابير المباغتة لم تفارقه ، وهو يتحدث معي، تعانقنا، تذكرنا الأيام الماضية .. ثم حكيت له قصتي مع المفتاح... ضحك ضحكة مدوية، ضحكت معه محتارا، قال: منذ شهر غير والدك القفل لأنه تعطل، و كيف تعرف هذا؟ قلت...أجابني، أنا ساعدته بتركيب القفل الجديد ... ثم قلت لكن أحدا لا يجيب، قرعت الجرس تأكيدا لكلامي مرة ثانية.... ثم صعدت بيته لأستريح ، ناولني جواله لأتصل بهاتف والدي...كان أهلي خارجون ليحضروا عرسا في الحارة، ما لبثوا أن أتوا على عجل غير مصدقين.    


2006-05-11 09:13:46
شاركنا على مواقع التواصل الاجتماعي:



شارك بالتعليق
خلدون2006-05-17 20:54:24
الى رؤى
نعم يشعر الغريب أن أنه غريب أينما كان و هذه هي فكرة القصة فالمفتاح لم يفتح الباب و بقي موصدا في وجه الشخصية محور القصة
-سوريا- أبوظبي
رؤى2006-05-16 23:14:53
غريب في كل مكان
من يغترب مرة عن الوطن يغترب كل المرات. إذ يشعر أنه غريب في بلاد الغربة و في وطنه..الحمد لله أن صديقك كان ودودا ...لكن ألم تشعر أنك غريب في بيتك و مع أهلك بعد ذلك الفراق ؟
-دمشق
رؤى2006-05-16 23:08:54
غريب في كل مكان
من اغترب مرة عن الوطن يغترب طول عمره. هذه حقيقة كل مغترب إذ يشعر أنه غريب في بلاد الغربة و في وطنه، الحمد لله أن صديقك عانقك مشتاقاًوكان ودودًا لكن لدي سؤال :ألم تشعر بغربة و أنت مع ذويك بعد زمن من البعد عنهم؟
-دمشق
ضايج2006-05-11 15:54:38
كثفت مرارتي
أوغلت بين سطور قصتك هذه وإذ بي لاألمح سوى تقاسيم وجهي وكأنك يا خلدون تكتبني... وتلخص مسيرة جحافل المغتربين لبلد "اللا أعرف لماذا انا هنا". مددت كلماتك على نظري و تكثفت مرارتي..الله يسامحك
-شوب دوت كوم
خلدون2006-05-11 13:49:04
إلى باسل حسن
الصديق باسل شكرا لك ، أخجلتني بكلامك ...و أقول لك مهما جار الزمن علينا، ومهما عصفت السماء فينا فتنثرنا بعيدا عند كل صباح و مساء ، سيقى الوطن في قلوبنا لأنه الأرض و الذكريات و الإنسان
سوريا
ماجد2006-05-11 12:52:52
حلو
قصة جميلة ومؤثرة. أحسنت أخ خلدون
-دبي / السويداء- الكفر
باسل حسن2006-05-11 10:15:57
الحنين
أنا أول واحد بيعلق اليوم.. القصة كما كل قصص خلدون عزام محبوكة بعناية وموضوعها الشباب السوري المغترب بغض النظر عن إنتمائه السياسي والطائفي.. خلدون عزام إستطاع ولمرات عديدة إختزال الوطن وهمومنا كلها بشخصية بطل القصة وأهله طارحاً أغلب المشاكل التي يعاني منها المغتربون.. أرجو لك المزيد من التقدم يا صديقي ويبدو أنك ستعود إلى الوطن قريباً.. أما أنا فأين وطني!
دبي