تصب تصريحات جون بولتون المندوب الاميركي لدى الامم المتحدة، والتي اتهم فيها سوريا بـ «دعم الارهاب» على خلفية «ايواء» رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ومطالبته السلطات السورية باعتقاله في إطار العجز الاميركي الدائم عن روية الحقائق بصورة مجردة.

لقد اتسمت السياسة الاميركية على الدوام بالعجز عن التعامل بمسؤولية مع قضايا الشرق الاوسط، هذه المعضلة اخذت ابعادا اكبر وأسوأ مع الادارة الاميركية الحالية، التي تتعامل مع قضايا المنطقة بطريقة ثأرية هدفها النهائي تفتيتها واعادة رسم خريطتها السياسية مرة اخرى، والآن فان ما يحدث في الاراضي الفلسطينية هو بمثابة فرصة مغرية للمضي في المخططات المرسومة، لذلك اخذت العملية منحيين رئيسيين، احدهما يستهدف حماس، والآخر يتجه نحو دمشق، وهو ما ظهر واضحا من خلال تصريحات بولتون التي طالب فيها سوريا باعتقال خالد مشعل، وكأن المسألة شخصية، يمكن ان تنتهي باعتقال رجل واحد، وهذا غير صحيح بالمرة.

ان الانحياز الاميركي الأعمى لا يوجد ما يبرره، وهو غير قابل للتفسير ايضا، اذ انه كيف يتم التغاضي عن اعتقال اكثر من عشرة آلاف فلسطيني وزجهم في السجون الاسرائيلية، في حين يتعين ان تقوم الدنيا ولا تقعد بسبب أسير اسرائيلي واحد؟

هذه القضية لا يمكن فهمها الا في اطار الانحياز الاميركي من جهة، ومحاولة استغلال الظروف الحالية لتمرير تسوية تعتقد واشنطن وتل ابيب ان الوقت ملائم لها من جهة اخرى، ان ذلك ليس صحيحا بالمرة، فهو سيقود الى حرب فلسطينية ، سوف تمنع اي فلسطيني من توقيع اتفاق لا يوجد اجماع حوله، ولأن الاخطاء الاميركية لا تنتهي فإنه عوضا عن التوجه لنزع فتيل الانفجار بين الفلسطينيين والاسرائيليين، فإن كل ما تفعله اسرائيل هو اضافة المزيد من التوتر لأزمة يكفيها ما فيها، عبر الضغط على دمشق هذه المرة.

ان افضل ما يمكن ان تفعله الولايات المتحدة هو الدعوة الى مفاوضات للسلام تشمل سوريا ولبنان وفلسطين من جهة، والاسرائيليين من جهة اخرى من اجل التوصل الى اتفاق يترجم قرارات الشرعية الدولية، وهي واضحة ومحددة، لكن ما يحدث شيء آخر يقوم على تأجيج بؤر التوتر واضافة ابعاد خطيرة اليها، تنذر بوضع المنطقة بأسرها فوق بركان هائل يمكن ان يؤدي الى حرب واسعة هي آخر ما تحتاجه المنطقة الآن.

لقد ارتكبت الولايات المتحدة الكثير من الاخطاء القاتلة التي تسببت بمآس مروعة للمنطقة العربية، والآن فان كل ما تفعله هو ارتكاب المزيد من هذه الاخطاء عبر دعم خيار القوة والعنف عوضا عن الدفع باتجاه سلام عادل وشامل ودائم يحظى بإجماع العالم العربي.

المصدر : الوطن القطرية