القصة القصيرة، نوع أدبي لذيذ فيه يكشف الكاتب عن زاوية في الحياة، فينيرها لبرهة ، لكن هذه البرهة كافية أن تستمتع بها ، وخاصة لو كانت القصة جيدة.

فالقص كفعل إبداعي لا يكتشفه الإنسان إلا إذا ولج اللغة، وتاه في شعابها، لكن القص موجود أيضا بطرق وأشكال مختلفة، فرسومات الكهوف، ما هي إلا نوع مصور ينقل قصصا لجماعات كانت تقطن في الكهوف، فأمالها وأحزانها معلقة هناك، وما الرسومات الفرعونية والسومرية الإغريقية في القبور وعلى قطع الفخار إلا قصصا عن العالم الأخر وتخليدا لبطولات اسطورية حملت الأحلام البشرية وجهزت الفكر لكثير من الاختراعات اللاحقة.

وعلى كلٍّ فإن الحضارات كلها كانت تستخدم فعل القص لتنقل تراثها وفكرها وأحداثها الجسام.

لكن يظهر السؤال هنا لماذا القص في هذا الوقت؟

إن متعة القص اليوم والحاجة إليه، لا تقل عن حاجة الشعوب القديمة له، وذلك لأن الروح والرغبة الإنسانية تبقي هي نفسها، لا تتغير عبر العصور، وإن اختلفت أدوات التعبير ونقل الإحساس من الجدران حتى الكمبيوتر، فمن منا لا يملك ذلك الشغف السري لسماع قصة ما ، فيتهيء ويعدل جلسته ليصغي ويقرأ، ليكتشف، فالاكتشاف هو اذا الدافع والمحرك للكتابة ، وعبر الكتابة نحمل أفكارنا وذاتنا، ونختبر الأفعال التي لا نجرؤ على فعلها في الواقع، فنهيئ هكذا لفكرة وأمر ما, ونضع اللبنة الأولى في بناء جديد، وقد نصل لفهم جديد عن الإنسان والطبيعة.

فما هي القصة؟

القصة من الناحية الأدبية هي نسق (فعل) تسري خلاله الأحداث، وتتفاعل معه الشخصيات، فتنقل الأحداث بسرعة، ويكون المجال للفعل ورد الفعل أقوى من الرواية التي تطول لتعرض تتطور الشخصية وبيئتها وزمانها، لأن القصة القصيرة لا تحتمل التطويل بل تتجه نحو التكثيف، وتكون الشخصيات فيها جاهزة، مثارة، سريعة ... وقد تكون قلقلة تحاول أن تجد المخرج ، ربما تتعقد الأحداث فيتفاعل القارئ من الشخصية ويسقط عليها شيئا من ذاته وتجاربه عله يجد المفتاح.

فالقصة القصيرة من هذا المنظور هي مثال للعصر الذي نعيش فيه، بضجته وسرعته .

ما هي المادة الأولية للقصة القصيرة ؟

عندما تريد أن تكتب قصة قصيرة يجب أن يكون عندك مادة أولية، فإما أن تكون هذه المادة أتيه من التجارب الخاصة, ومن الخيال، وما يصقل الكتابة هو المراقبة وملاحظة الحياة والناس، كيف يتحركون ويعبرون عن أنفسهم ، فعندما تحول ما رأيته وعايشته إلى كتابه، كأنك هنا تصنع عالما موازيا، يشبه العالم الخارجي بآماله وخيباته، وبقدر ما يكون أسلوب القصة مرن نابض بالحياة بقدر ما يكون التأثير كبيرا.

أما اسلوب التعبير عن الفكرة في القصة القصيرة ، قد يكون برسم المكان ووصفه( كانت غرفته عبارة عن جدارن رسم الزمن أحداثه فوقها, فلم يعد يتذكر لونها الأصلي ، فيها كرسي وطاولة في الوسط، لكنه بدا سعيدا....)

أو قد يكون بالرمز ، والرمز ربما يأتي من اسطورة ما ومن قصة شعبية فعندما تكون القصة عن شهد مات دفاعا عن معتقد ممكن أن نستعير أسطورة أدونيس " تموز" ( ... لكنه لم يمت فقد نثر دمه فوق السهول الواسعة، بذورا كي تنو أزهار الحرية ).

فهيا بنا نكتب قصة عن حدث ما، ونعبر عن رغبة نخشى أن نقولها أمام الآخرين، وحلم طالما انتظرناه، لننطلق ونطلق العنان للأفكار لأن ما كتب لا بد أن يصبح حقيقة يوما ما.