رغم كل الإجراءات الوقائية إلا أن القلعة تنتظر من يفك أسرها

سندات التملك  لأهالي القلعة تحول دون استملاكها من قبل الآثار

عبر نظرة متبصرة من مكان مرتفع في  مركز المدينة العالي تستطيع عزيزي القارئ أن تشاهد تلك القلعة  الأثرية الشامخة  لتجذبك إليها عبر سحر لا يقاوم ،  إن اقتربت منها ..

تعانقك أحجارها بغبطة ، و يصافحك خندقها الذي يحيط بتلك القلعة الرابضة في مكانها تتجول عبر بصرها هنا و هناك ، هي شاهد على عصور مضت و ستبقى شاهد على عصور لاحقه إنها قلعة معرة النعمان ... ( القلعة الأسيرة ) التي تناشد الجميع لإنقاذها و فك أسرها .

( قلعة معرة النعمان ) الشاهد على تاريخ بلد و حضارة و أمة .. قلعة المعرة التي تتأوه، و تتوسل عبر صرخات قوية تهدر من قلب ممزق لإنقاذها من التشويه و العبث فهي ليست ملك إلا لبعض الأهالي عبر سندات و أوراق تثبت ملكيتهم لها .
 

• مناشدات :
في زيارتنا لهذا الموقع الأثرية وجدنا الكثير من أهالي المدينة يناشدون الجهات العليا لترميم القلعة و استملاكها ومن بينهم أبو أيوب ـ سليمان . أ يعمل في إحدى أسواق المعرة : يقول منذ زمن بعيد ونحن نحلم أن نصعد إلى القلعة و هي مرمّمة و تحت إشراف الآثار ،و أن لا تبقى هكذا دون أية اهتمام و دون أية معالجة لوضعها فهي قلعة ذات تاريخ حضاري كبير جداً وبالطبع الأسر و العائلات التي تقطن القلعة هم بالتالي بشر مثلنا و الدولة ليست عاجزة عن تأمين مساكن بديلة لهم أو تعويض أو إلى ما شابه ذلك .
أما إبراهيم .ع من أهالي المعرة ـ أعمال حرة قال : يحز بنفسك أن تدخل القلعة و وتجد ما يوجد فيها من تخريب و إلى ما وصلت إليه من طمس لمعالمها الأثرية لكن ليست المشكلة بالأناس الذين يقطنون القلعة ( و هذا طبعاً أمر غير مقبول فيه نهائياً فالمفروض إخلاء القلعة و تعويض السكان ) لكن الأمر الأخطر ما يحدث في داخل القلعة من تشويه لمعالمها ،وأن تهان القلعة بان تتحول إلى زرائب لقطعان الماشة من الغنم و الماعز و الأبقار فهذا أمر لا يحتمل البقاء صامتين ،وحتى غير مقبول ، و منذ زمن بعيد نتساءل عن الأسباب لعدم استملاك القلعة لتكون تحت رعاية الأثار لتقدم لها الرعاية و الدعم الكافيين .
 

• القلعة عبر العصور :
القلعة و التي تتمركز في مدينة معرة النعمان تلك المدينة التي يقدم لها الأستاذ الباحث فايز قوصرة عرضاً تاريخياً حيث يقول: المعرة التي يبلغ مساحتها 2320 كم 2 وتبعد عن إدلب 40 كم وعن حلب 83 كم و عن دمشق 272 كم ، وحماه 63 كم ، و حمص 110 كم من أهم آثارها جامعها الكبير ، و المدرسة الشافعية ، و قلعتها ، و خان مراد باشا ، وخان أسعد باشا العظم ، و بعض الأطلال الدارسة بجوارها .
و في دراسة ميدانية تحدث فيها أيضاً الأستاذ الباحث أحمد غريب قال : عن هي القلعة التي تتوسط المدينة القديمة للمعرة في الاتجاه الشمالي منها ، و التي امتد إليها العمران بعد أن كانت بعيدة عن البلدة نحو 500 م ، و أقيمت على قاعدة كلسية طبيعية مرتفعة يحيط من حولها خندق عظيم عمقه ( 10 ) م ، و عرضه ( 13 ) م كإحاطة السور بالمعصم ، يلتف من حولها وادي الهرماس من الجنوب و الشمال و الغرب ، و تبلغ مساحة القلعة 5200 متر مربع لا يزال معظمها يحتفظ بأقسام كبيرة من الأحجار الضخمة استخدم الكثير منها في بيوت السكان المحليين و لها عشرة أبراج قائمة أيضاً على الصخر ، و كلها بشكل مستطيل تقريباً ، و كان يدخل إلى القلعة من الجنوب بواسطة الجسر المتحرك الذي يمتد على دعامة فتستند عليها غرفتان من الجانبين و اخذ لها مدخل ثانوي بعد ردم ما تحته في الخندق من تراب .
و إذا فتشنا جيداً عن تاريخ القلعة و بحثنا عن عظمتها عبر العصور يتابع الباحث الغريب قوله : نجد أنه يعود تأسيسها إلى العهد الروماني ، و لم يسلم بناؤها بسبب الغزوات ، و الحروب التي مرت بها في العهد الأيوبي أصابها تحوير كبير في أقسامها الداخلية ، و حتى في القليل من أقسامها الخارجية ، و هذا ما دعى لتحويل المدخل الثانوي عن الأصل إلى الشرق ، و أنشئت فيها الأقبية ، و المستودعات ، و تتخلل جدرانها أعمدة الربط كما هي بعض أبوابها من الغرب فضلاً عن زخارف ، و أشكال نجوم سداسية ، وثمانية ، وفي سطح القلعة من الجنوب أيضاً سطر كتابي نافر بخط نسخي أيوبي كبير طوله 145 ، وعرض 30 سم يذكر تجديدها ، و في وسط القلعة مسجد أثري على جدرانه كتابات بالعربية ، و كتابة باليونانية في مدخل الحرم من الشمال ، ومن المحتمل جداً كما يعلق باحثون أن يكون هذا البناء في الأصل كنيسة قبل تحويله إلى مسجد في العهد الأيوبي المتأخر .
كما أن الجدران بنيت بحجارة كلسية كبيرة الحجم متقنة الصنع ، و كانت السقوف بعقود نصف أسطوانية ، و للحرم محراب و باحة ، و ثمة كتابة عربية .
 

• حلول لابد منها :
عبر هذا الاستعراض لتاريخ قلعة معرة النعمان تلك المدينة التي تتمتع بالمواقع الأثرية المتعددة و المتنوعة و تزخر بمكانة رفيعة بأن شاعر الفلاسفة و فيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري كان من المعرة و كتب عنها و عن أهلها و أرضها ، لا يمكن أن نتناسى ما لهذه المدينة من أهمية تاريخية خاصة إذا علمنا أنها تضم متحفاً يختص باللوحات الفسيفسائية الكبيرة و يعد هذا المتحف الأول عربياً على مستوى الشرق الأوسط ، و إلى الآن تدل التننقيبات الأثرية إلى وجود مواقع أثرية و قطع تتوزع في مدينة المعرة و ريفها .
لكن الشيء المحزن أن تبقى قلعة المعرة الأثرية على هذا الحال من الإهمال فللأسف مازال يقطن القلعة الأهالي ، و هي رغم أنها تعتبر موقع أثري إلا أن مجموعة لا بأس بها من الأهالي و السكان يقطنونها ، و يستقرون بها مع عائلاتهم ، ضمن سندات ملكية فهم يعتبرون السكان الأصليون لها .
مع ما أصاب القلعة من التشويه و التخريب منذ زمن بعيد أي قبل عقود كثيرة مضت فالبيوت الأثرية قد اندثرت و حل مكانها بيوت يلاحظ المرء الزائر لها أنه بناء دخيل رغم قدمه لكنه بأي شكل من الأشكال لا تشبه أحجار القلعة الأثرية ، ليس ذلك فحسب بل يستطيع المرء أن يشاهد أقسام من القلعة تحولت على منتجع سياحي خمس نجوم و أماكن مريحة للدواب و الماشية من أغنام و ماعز ، !!!
 

تسعى دائرة الآثار و مديرية الآثار في إدلب كما علمنا ، و كما هو ملاحظ إلى حلّ مشكلة القلعة ، و وضع الكثير من القرارات حيز التنفيذ منذ سنوات ريثما يتم استصدار قرار رسمي بتملك القلعة من هذه القرارات و الإجراءات الوقائية هي منع أية تشويهات أو تخريب في القلعة ، و مراقبتها بشكل جيد ، و تثبيت أعمدة كهربائية ذات إنارة قوية حول القلعة لكنها مع السف تم تكسيرها من أشخاص يقطنون القلعة ، و لكن رغم هذه الإجراءات الوقائية إلا أننا نناشد الجهات المسؤولة العليا منها وزارة الثقافة و ، ووزارة السياحة و السلطات المختصة وضع هذه القلعة بعين الاعتبار لأنه ليس من المعقول و المقبول أن تبقى هذه القلعة تعاني الإهمال فبالإمكان تعويض السكان الأصليون بأراضي أو بمنازل أو بأي مبالغ مالية مقابل تملك هذه القلعة الأثرية التي لا تعوض بثمن فهي بحاجة إلينا و نحن بحاجة إلى أن نقضي بين أحجارها رحلة عبر التاريخ ..
 

مصطفى رستم  - سيريانيوز