الشذوذ الجنسي في سورية

قد يكون العنوان الأنسب للمقالة هو "المثلية الجنسية في سورية" لأنها الظاهرة الأكثر انتشاراً بين أنواع الشذوذ الجنسي المنتشرة في سورية،

علينا كسوريين مثقفين وواعين وعلى الجهات الحكومية أن تحلل المشكلة بطريقة عقلانية بعيدة عن الاندفاع الديني أو الأخلاقي التي تستأثر بنا حينما نسمع بهذا التعبير، وذلك في إطار حلها كمشكلة لا تعقيدها من خلال تجاهلها أو محاربتها هذه المشكلة برأيي تندرج ضمن خانة الحالات المرضية كتصنيف...

الشذوذ شئنا أم أبينا هي حالات موجودة ضمن مجتمعنا سمعنا عنها في الشارع والجامعة وهمسات بشأنها في اجتماعاتنا الشبابية... مما يعني بأنها موجودة

الشذوذ الجنسي له عدة أنواع من أهمها المثليّة الجنسيّة (التي تقوم على ممارسة الجنس مع شريك من نفس الجنس) وممارسة الجنس مع الحيوان وهذه الأخيرة منتشرة في بعض أنحاء البيئة الريفية في مجتمعاتنا وترتكز بكثرة في شرق سورية بحسب الروايات المتواترة، إلا أن إحصاء دقيقاً بشأنها لم ينشر وذلك بسبب ممانعة الجهات الحكومية وسياسات التضييق الاجتماعية على الحالات الشاذة بحكم الأعراف والتقاليد التي تحكم مجتمعنا...

نظرة المجتمع للمثليين جنسياً هي نظرة نحو إنسان منحرف أخلاقياً ودينياً، وإن كن المثيليات يعانين من مشاكل أقل بقليل من أمثالهن من الرجال بسبب قدرتهن على التستر على حقيقتهن من خلال الزواج والإنجاب أو الحرية الأكبر الممنوحة لهن اجتماعياً،

لمعالجة المشكلة أو تقديم حلول لها، علينا أن نصنف أولاً أسباب وجود هذه المشكلة وفي الغالب هي:

•   اجتماعية: سيطرة المفهوم الشرقي على مجتمعنا وتحكم القيم الدينية المتعصبة المتمثلة في الفصل بين الجنسين، كلها عوامل اجتماعية تخلق بيئة خصبة لخلق هذه المشكلة، في سورية المدارس الحكومية في المرحلة الابتدائية والجامعية مختلطة إلا أن المرحلتين الإعدادية والثانوية هي مراحل تقوم بها الدولة بحكم العرف على مبدأ الفصل بين الجنسين، مما يخلق بيئة خصبة للكبت الجنسي مما يشكل بذرة لخلق هذه المشكلة، كما أن غياب دور الأهل وسيطرة مفهوم " العيب" يجعل من مسألة الثقافة الجنسية مسألة معيبة لا يناقشها الآباء مع أولادهم مما يدفعهم للحصول على إجابات خارج مؤسسة الأسرة، وهي البيئة غير المضمونة لاستسقاء معلومات كهذه، شلة الأصحاب، الأصدقاء في المدرسة وغيرهم، وهنا نؤكد أن هذه الفترة هي الأهم في تكوين كيان وشخصية الطفل ووعيه أيضاً، وفي هذه الفترة قد تتكون رواسب خطيرة في شخصية الطفل وهنا يبرز دورين، دور الأسرة والمجتمع من جهة، ودور الدولة التي يقع عليها عبئ التوعية بدون أن تقوم به أو أن تعمل على نشره، والنتيجة عقد نفسية وعدائية تجاه الجنس الآخر لدى شريحة لا باس بها من أبنائنا... فهذه الفترة حرجة في حياة الإنسان

•   اقتصادية: العامل الاقتصادي هو عامل هام في هذه المسألة وهو قد يخلق مشاكل جمة فدخل المواطن السوري وعدم تناسب هذا الدخل مع مصاريف الحياة في سورية من جهة، وعدم القدرة على مقارنة هذا الدخل بالدول المحيطة قد يكون سبباً آخر، فغلاء المهور والبيوت وارتفاع تكاليف الحياة من خلال ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وبروز عامل الرفاهية في العقد المنصرم ناهيك عن ارتفاع تكلفة مصاريف الأبناء في التحصيل العلمي والمصروف الشخصي والملبس والمأكل وغيرها، هي عوامل متعددة يقع عبئها على الدولة بالدرجة الأولى، ففي سورية مثلاً التحصيل العلمي والتقني والمهني هي العوامل الأساسية في رفع مدخول الفرد وبالتالي الأسرة التي تعتمد عليه وهنا يكمن دور الدولة المنكمش في تحسين الوظائف وفرص العمل وجذب الاستثمارات وتحسين أوضاع الجامعات والمهن الحرة

•   عائلية تربوية : دور الأسرة هو دور أساسي، ففي غياب التوعية الأسرية من جهة لدى غالبية الأسر والعوائل من جهة يشكل عامل مهم لرفاق السوء، وهناك عامل آخر يؤثر على نفسية الطفل فقد أثبتت الدراسات أنه في العائلات التي تقوم فيها سيطرة الأب بشكل مفرط في القسوة في وقت يتزامن فيه ضعف لشخصية الأم أو حينما تتولى الأم مسؤولية العائلة وانحسار دور الأب، يمكن أن ينمي دور الغريزة الجنسية لدى الطفل لينحو باتجاه خاطئ نحو المثلية الجنسية كما يرى أنطوني ستور في دراساته

•   تقنية:التطور الهائل الذي لحق بوسائل الاتصال في العقود السابقة كالإنترنيت والوسائل المرئية كالتلفزة ومحطات البورن والأغاني الهابطة التي انتشرت مؤخراً وسهولة الوصول إليها وغياب الرقابة الأسرية والحكومية عليها، وصعوبة السيطرة عليها، يسهل تواصل الأغراب مع النشئ الجديد والأطفال وقد يجذب غريزتهم الجنسية باتجاه خاطئ

•   سريرية: قد يكون للجينات أو الهرمونات عامل حسم في المسألة فكثير من الحالات الأسرية عانت من مسألة وجود طفل شاذ بين أطفال معافين جنسياً

•   ظروف خاصة: كحالات الاغتصاب التي تعاني النساء منها بالدرجة الأولى وحتى الأطفال أيضاً في سن معينة، قرأنا وسمعنا الكثير من حوادث كهذه، ولكن م الم يخطر لنا ببال هو مدى تأثير هذه الحوادث على مستقبل الحياة الجنسية للضحية!

كل هذه العوامل أسهمت بطريقة أو بأخرى في زياد حالات الشذوذ وزادت شعور الكبت، الحل الوحيد لإشباع رغبة المراهقين هو إما العادة السرية التي لا تكاد تشبع الرغبات أو الشذوذ وإما الاتجاه نحو بيوتات الدعارة الرخيصة التي لا تكاد تخلو مدننا منها وهو حل مكلف لا يقدر على تحمل تكاليفه المراهقون

المثلية والشذوذ موجودة في الشرق العربيّ أكثر ربما من الغرب، لا نريد أن نختبئ وراء أصابعنا وننكر واقعاً أوضح من الشمس، السلوك الجنسي أكان طبيعياً أم شاذاً هو مسألة فردية سلوكية وشخصية ويجب أن تصنف ضمن إطار الحريات الشخصية خروجها إلى العلن هو اعتراف منا بالتقصير كدولة ومجتمع وأسرة، ووضع للقدم على طريق حلها.

أما تجاهلها بسبب الإرث الديني ـ الاجتماعي ـ المتعلق بالتقاليد يغض المجتمع النظر عن هذه الممارسات فيما هي تنمو وتنتشر سيعقد المشكلة ويبعدنا عن الحل،

الظاهرة في انتشار واضح وبات للمثليين جنسياً أماكن تجمعات وتسكع معروفة في بعض أحياء دمشق ومقاهيها وحاناتها وحتى أهم شوارعها في أوقات معينة من الليل

السؤال الذي يطرح نفسه، الشذوذ الجنسي هو مرض أكان نفسياً أم جينياً لكنه بالمقابل وجد منذ فجر التاريخ، فما هي الطريقة الأنجع لعلاجه، هل هو البتر أو الكي أم دراسة أسبابه وتحليلها والعمل على تلافيها؟

كثيرون اعتبروا أن الشرع قدم حل لهذه المشكلة، الكيّ!!

وهو أخطر ما يتهدد المثليين، فجرائم الشرف محمية بالقوانين السارية والمعمول بها في سوريا والأردن، ويعتبر قتل المثيل جنسياً غسلاً للعار في مجتمعاتنا، في حين أن القانون يسهل التداوي بالكي في هذه الحالة ويصنف قتل المثيل جنسياً كغسل للعار يتهدد كثيرين، منهم فئات معينة من النساء اللواتي يتزوجن من خارج محيطهن أو يقمن علاقات خارج إطار الشرعية المعترف بها اجتماعياً...

ولكن، أليس المثيل جنسياً، رجلاً أكان أم امرأة ويضمن له الدستور حقاً بالحياة، في حين يتواطئ القانون والشرطة أيضاً مع المجتمع عندما يسلب هذا الحق من هذا الإنسان...

أليس المثيل جنسياً شخص واعِ ويحق له الاختيار؟

قد يكون مريضاً، أفلا يحق له العلاج والاستطباب؟ وحتى إن عاد إلى الشذوذ مرة أخرى ألا يحق لنا أن ننظر بموضوعيه إلى ظروفه؟

على من تقع المسؤولية، في ظل اتجاه اجتماعي تحكمه عقليه القرون الوسطى على مبدأ النعامة التي تدفن رأسها في التراب!

أعتقد أن المسؤولية تقع على الدولة التي يفترض بها أنها تعبر بنا بوابة القرن الحادي والعشرين لكنها تحمل عقلية القرون الوسطى من جهة وتقفز بنا في فضاء الثورة المعلوماتية باتجاه نظام الدولة الاجتماعية من دون أن تأخذ بعوامل التوعية ومن دون أن تتحمل مسؤولياتها الاقتصادية بالدرجة الأولى...

وللحديث بقية...