توقفت شاحنة بجانب الطريق، وترجل منها رجل وامرأة، وانفرط عقد الاولاد الصغار من الصندوق المكشوف وتبعثروا فرحين في مساحة بيضاء ضمن حدود حياتهم البائسة،

وبيد عارية قطفت صغرى البنات قطعة من الحلم قبل ان يسافر وجَبَلتها رجل ثلج، ورفعت نظرها تتابع والدها الذي تخلى عن وقاره، يلاحق والدتها ويقذفها بكرة ثلج كبيرة.. يضحكان.. يقهقهان.. لا يتشاجران..؟؟!!

بلا مازوت.. شعرت بالدفء، بدأت تركض متعثرة تحاول مجاراة إخوتها الكبار.. تقذف الثلج مرة على رأسها ومرة ورائها وبالكاد احيانا تصيب رقعة في معطف والدها الرث المهترئ..

هنا حيث تصبح قطعة الثياب جزءاً من لوحة عتيقة معلقة على جدار مائل متداعٍ، في منطقة للسكن العشوائي، عشوائي ليس لان البيوت فيها متكئة على بعضها مثل صخور قذفها بركان.. بل هي عشوائية الحياة، حيث الاستسلام للقدر، والانتظار سنة، سنتان ربما عشر سنوات للمرور بفسحة امل، نقفز اليها.. وتتعلق نظراتنا بتلك الرقائق البيضاء المجنونة، وفي قلبنا رجاء بان تمكث وقتاً أطول قبل ان يرحل الثلج مع المطر الاسود..

حين تلبس الدنيا الرداء وتغيب التفاصيل ويختفي التمايز فتتشابه حاويات القمامة مع سيارات المسؤولين، وتصبح الحياة بلون واحد كالحلم الجميل، عرس وعروس ورداء وطرحة، ضحكات، ومضات، "ملّبس"، وازهار زنبق..

تتوقف الموسيقا وتدق الساعة ويعود الارسال، نشرة الاخبار الرسمية وشريط يركض في اسفل الشاشة من دارفور الى الفلبين، بينما مازال يروي لنا المسؤولون قصص الاطفال عن بلدي، واحبها على قلبنا "ساندريلا".. فنحلم في الليل بفردة الحذاء، ونصحو في الصباح وفي وجهنا كلتا الفردتين.. فلا تسأل عنا حكومة ولا وزير..

نضال معلوف