حقيقة
انتصار العقيدة القومية الاجتماعية مجسدة بأفكار انطون سعادة . رغم زمن الانكسار
والهزائم وفي خضم الصراع العالمي الذي يريد أن يقول إن عصر القوميات قد انتهى ،
واضعين بذلك نظريات من نهاية التاريخ إلى صراع الحضارات .
لقد ثبتت
صحة هذه النظرية الفكرية القومية الاجتماعية في ميدان الصراع العالمي رغم جميع
العقبات والمصاعب التي مرت بها هذه العقيدة عبر تاريخها . وذلك من محاولة إلغائها
عبر اغتيال مؤسسها إلى محاولات تسيسيها عبر بعض الفئات والأفراد المعتنقين هذه
العقيدة ، وعبر الاستهداف العالمي للحزب الذي يحمل هذه العقيدة من قبل الدوائر
اليهودية العالمية بما فيها أمريكا وبريطانية وفرنسا ، ونجح هذا الاستهداف في خرق
هذا الحزب عبر تاريخه .
يقول انطون
سعاده مؤسس هذا الحزب : إن اليهودية كحركة تقوم على خطة نظامية دقيقة وحتى نستطيع
مقاومتها نحن بحاجة إلى خطة نظامية أدق لمواجهتها .
فوضع سعاده
هذه الخطة للرد والمواجهة ، وطبعاً هذه الخطة هي جزء من مشروع نهضة أمة . شاملة شتى
نواحي الحياة من خلال نظرة واضحة إلى الحياة والكون والفن في الهلال السوري الخصيب
.
هذا الهلال
الخصيب المستهدف عبر التاريخ ومنذ تشكل الإمبراطوريات مازال مستهدف حتى الآن ولذلك
نلاحظ الاحتلال الأمريكي للعراق تحت ذرائع متعددة بدأت بنشر الديمقراطية ولم تنتهي
بالحرب على الإرهاب ومحاولة إعادة تقسيم هذا الهلال وفق ما تقتضيه مصالح الدول
المنتصرة في الحرب العالمية الثانية . ورغم كل هذه العقبات هذا لا يعفي الحزب من
ممارسة دوره القيادي في خدمة المجتمع وأن هناك فرصة ذهبية سانحة له الآن لقيادة
المجتمع لم تحصل له عبر تاريخه .
السؤال
الهام الذي يفرض نفسه إذا كانت العقيدة انتصرت في نفوس أبناء الأمة وأن هذه النظرية
أثبتت مصداقيتها وواقعيتها على الأرض فلماذا نلاحظ فشل التنظيم والمؤسسات ضمن الحزب
أين تكمن المشكلة ؟ هل في ضعف خطاب الحزب السياسي ، أم في ضعف الخطط واستهداف
المستقبل ، أم في الإقطاعية السياسية ورجالاتها . أم أن هناك محاولة وقد نجحت إلى
حد كبير في جعل الحزب سياسي اعتيادي متفلتاً من دوره الحضاري . للإجابة على هذا
السؤال لا بد لنا من إلقاء نظرة عامة على أحزاب المنطقة يمكن أن نقسم الأحزاب فيها
إلى قسمين : أحزاب سياسية اعتيادية ( إقطاعية سياسية ) ، وعشائرية وعائلية وطائفية
ولكل من هذه الأحزاب منافعها السياسية والعائلية ولا تمت بصلة إلى خدمة المجتمع
ومصالحه أو مصالح الوطن ....الخ ، والقسم الثاني : أحزاب عقائدية .
فالأحزاب
السياسية الاعتيادية : هي لفيفاً بشرياً ضبابياً لا دستور له ، أو له دستور لا يعمل
به ، ومأوى للمنافع الخاصة والخدمات الآنية .
والأحزاب
الطائفية : هي وهم وحدة روحية متفسخة .
والعشائرية
والعائلية : وهم رابط دموي وحجر للتعصب والجهل .
وهي جميعها
متفسخة النظرة إلى شؤون الحياة والاقتصاد والدين والفلسفة والحب والتربية وانبثاق
السلطة ومتباعدة الرؤية حول الفن والأدب والموسيقى ووكراً للمفاسد .
أما الأحزاب
العقيدية : فهي التي تعنى بشؤون الحياة والمجتمع وفق أسس حضارية في نهجها الفكري .
ونلاحظ أن أحزاب القسم الأول حققت انتصاراً خطيراً حين جرت مسئولي أحزاب العقائد
نحو التمثل بها ، فمثلوا بأحزابهم وامتثلوا . وبات ينطبق على أحزاب العقدية نعت ((
الطائفة )) بامتياز . ولا يسعف هذه الأحزاب هجومها الخطابي ومقاومتها الكلامية لـ "
الطائفية " فممارستها لمنطق الطوائف في السياسة والإذاعة واستبطانها النمط الطائفي
في العلاقات الداخلية والخارجية ، وتحالفها الاستراتيجي مع بعض رموز الطائفية
السياسية وتشابه مسؤوليها مع مسؤولي أحزاب الطوائف لجهة القصور والأشباح والمرافقة
والحصص الخاصة في الشركات والتوظيفات ، كل ذلك يدينها ، مضافاً إليه تعاملها مع
النظام الطائفي في المنطقة كطائفة . لقد دخلت هذه الأحزاب لعبة السلطة والتسلط
,أعادوا صوغها من حيث يدري المسؤولون ويجهل الأعضاء . ، ومن هنا فإن الأحزاب
العقيدية تحث الخطى في اتجاه فنائها من شدة إساءة الاختيار . إن من ينقذها من شدق
التسيس والطائفية قيامة عقائدييها المنفتحين العلميين الأنقياء والأخلاقيين
لاستردادها وتحريرها واستكمال التأسيس .
وهذا كله
أصبح ينطبق على الحزب السوري القومي الاجتماعي بامتياز ولنعد في تاريخ الحزب إلى
الوراء , فعندما عاد سعاده من مغتربه القسري وجد حالة انتشار الفكر السطحي والفلتان
النظامي بما لا يتوافق مع عقيدة الحزب فوضع خطة لإعادة انتشار الثقافة الحزبية كي
لا يتعرض الحزب إلى الميعان والانحلال ، والتفكك ، لأن كما يقول سعادة : " المعرفة
والفهم هما الضرورة الأساسية الأولى للعمل الذي نسعى إلى تحقيقه . وإذا كنا نريد
فعلاً تحقيق النهضة القومية الاجتماعية وتأسيس المجتمع الجديد بتعاليمها ودعائمها .
كان الواجب الأول على كل قومي اجتماعي في الأوساط الثقافية ، الإطلاع على الأمور
الأساسية وفي صدر وسائل الإطلاع والمعرفة الصحيحة ، الندوة الثقافية " . التي
أسسها سعاده قبل اغترابه القسري بعامين .
ويقول سعاده
أيضاً : " فإن استغرابي بلغ حداً عالياً عندما وجدت أن أعضاء في الحزب السوري
القومي الاجتماعي يدعون أنفسهم قوميين اجتماعيين ، لأنهم مسجلون رسمياً في الحزب ،
يتقولون في قضايا الحزب والعقيدة والحركة كما لو كانوا جماعة غرباء عن الحركة
القومية الاجتماعية بالكلية ، النظامية الفكرية والروحية والمناقبية التي كانت
العامل الأساسي الأول في نشوء النهضة القومية الاجتماعية وتولد هذه الحركة العظيمة
الآخذة في تغيير نفسية هذه الأمة ومصيرها ، كادت تنعدم في دوائر الحزب العليا بعامل
الإهمال ، وأصبحت الحركة مهددة بالميعان العقدي والنظامي " .
وهنا لا بد
من الإشارة إلى مقال السيدة أو الآنسة وعد الأشمر المنشور في موقع كلنا شركاء
وأتوجه لها بشكري لأنها حرضتني على الكتابة وأحب هنا أن أرد الجواب على بعض
طروحاتها من حيث الخطاب والديمقراطية والمجتمع المدني .
وأقول لا
يوجد حالياً لدى الحزب السوري القومي الاجتماعي خطاب وإنما هناك ارتجال واجترار
للماضي أي هناك خروج خطير عن مسار الحزب .
بالنسبة
للديمقراطية في نظام الفكر والنهج في العقيدة القومية الاجتماعية أرقى أشكال
الديمقراطية التعبيرية حيث يكون المسؤول عن اتخاذ القرار في الوحدات الحزبية شخص
واحد فقط يتحمل مسؤولية قراره ( هذا في حال وجدت المحاسبة وليس الحصص ) وعدم
المعرفة بنظام الفكر والنهج يؤدي أيضاً إلى البلبلة ، ويساعد في اتخاذ القرار هيئة
إدارية يكون لها صفة الدور الاستشاري فقط . ولا يوجد
ديمقراطية
أقلية وأكثرية والتي قد تخضع في طبيعتها إلى كثير من اللغط وخاصة في المجتمعات
المتخلفة .
أما لجهة
المجتمع المدني إن أول من طرح هذا المشروع هو الحزب السوري القومي الاجتماعي عام
1992 ممثل برئيسه آنذاك حضرة الأمين يوسف الأشقر ولكن لا ندري نحن كقوميين كيف دفع
حينذاك حضرة الأمين يوسف الأشقر إلى تقديم استقالته من رئاسة الحزب فطار الرئيس
والمشروع أيضاً . وهذا لا يصح ضمن نهج وفكر الحزب لأنه حزب مؤسسات ، أي بذهاب
الأفراد لا تذهب المشاريع والخطط الاستراتيجية وأن حدث فهذا معناه هناك مصادرة لهذه
المؤسسات .ومن جملة ما قال ودع إليها حضرة الأمين يوسف الأشقر : (( لعل الموضوع
الحقيقي الذي يستحق أن يكون شاغل الحياة السياسية الأول ، موضوع " الدولة المدنية /
المجتمع المدني " وهو يستحق أن يحصل فرز القوى المتصارعة على أساسه بدلاً من الفرز
الطائفي بين المسيحيين والمحمدين ، وبدلاً من الفرز على أساس الشعار الأيديولوجي
بين يمين ويسار لا دليل لهما ولا دليل عليهما . ولا بأس عندها ، بل من الطبيعي ومن
المطلوب أن تنقسم القوى السياسية إلى جبهتين جبهة العاملين للدولة المدنية والمجتمع
المدني وجبهة المناهضين لهما . عندها يكون الصراع مكشوف لأطراف مكشوفة وبمنطلقات
مكشوفة ولأهداف سافرة . الصراع يرغم المتصارعين على الكشف عن وجوههم في مبارزة
صريحة ، بينما مسرح النزاعات لا يعرف غير الأقنعة والمقنعين . " ( وطبعاً يوجد بقية
لهذا الطرح ولكن لا مجال لطرحه الآن ) .
فالمشكلة أو
المسألة لا تكمن في طبيعة الخطاب ومفهومه أو عدم القدرة على صياغة خطاب والحزب خرج
عبر تاريخه عمالقة الأدب والفن في العالم العربي كما ذكرت أنت منهم أدونيس وأضيف
محمد الماغوط والموسيقار توفيق الباشا والشاعر يوسف الخال والرحابنة كلهم نهلوا من
مدرسة سعاده وفكره إذاً المشكلة تكمن في مصادرة الفكر والحزب وتحويله إلى طائفة ,
ولا وجود لسجن ضمن أفكار معينة ولا تعبد لنص فقد أطلق سعاده حرية الإبداع والفكر
والنظرة إلى الحياة والكون والفن بما يخدم المجتمع أي حدد مسار الفكر كي لا يحدث
تخبط وبلبلة . ولكنها المصادرة يا عزيزتي .
علي دياب
من مساهمات
القراء