2010-10-27
خالد تاجا لسيريانيوز: "مسيرتي حلم من الجنون" عبارة كتبتها على شاهدة قبري

في الوسط الفني، هو فنان يذهل الكاميرا بنجاحاته، هو من قلة مبدعة مرت على عالم الفن العربي، متقن في تأدية أصعب الأدوار.

في الحياة هو شخصية متواضعة صنعت مجدها بتعب لا يوصف، لا يعرف الغرور مكانه في روزنامته، وإلى اليوم يسعى إلى ما بدأه منذ البدايات.


التقته سيريانيوز في حوار متميز، صارحنا بلحظات الضعف، الحب والنجاحات الكثيرة, يتكلم في الدين والسياسة وهو واثق الخطى، يؤمن بفلسفة النملة والنحلة.

لنتعرف على خفايا هذا الممثل الذي مازال يبدع في عالم نجوميته لنقرأ الحوار مع أنطوني كوين العرب الفنان خالد تاجا:

يقال أنك صاحب الأرقام القياسية في عدد مسلسلات الموسم الرمضاني الماضي، ألا تخشى الحضور المستمر؟

لا أبداً... هذا الموضوع يعطيني مساحة أكبر وفسحة حتى أخرج كل مخزوني الثقافي والمعرفي واستحضر ثقافتي في التمثيل، أنا اتلون مع شخصياتي المكتوبة، عادةً أضيف من عندي للشخصية إذا كانت غامضة المعالم.

وإذا أُمعن النظر في الشخصيات المقدمة نجد عملي في "الدبور" مختلفاً تماماً عن "أبو خليل القباني" في كل شيء من حيث الشخصية، الملابس، الحوار وكلا الدورين كانا بشدة الاختلاف بالنسبة للدور الذي مثلته في "الخبز الحرام" إضافة إلى دور كضيف في مسلسل "لعنة الطين" وباقي أعمالي للموسم الماضي فيلمين سينمائيين الأول بعنوان "انفلونزا" والثاني "دمشق مع حبي".

 
 
 
 

 

حقق الموسم الرمضاني الماضي جرعة عالية من الجرأة في الطرح المقدم والتطرق لثالوث المقدس "الدين، الجنس، السياسة"؟

أنا مع الجرأة بالطرح فلنخرج من خلف الستار وننظر إلى التنوع في الأنواع الدرامية بين التاريخي، المعاصر والجرأة، حيث كانت نسبتها عالية من جانب الطرح ولكن في الحقيقة العديد من المسلسلات الشامية كانت PHOTOCOPY ولم تعطي جوهر الشام باستثناء مسلسل "أيام شامية" فجل الأعمال البيئية كانت مجرد فلكلور وهذا برأي الشخصي.

فالنضال كان موجود من أيام العثمانيين ولم يكن لكل حارة باب ولم يكن هناك خروج عن القانون، فعنصر المبالغة كان طاغي بشكل كبير في الأعمال.

وللأسف أن الدراما السورية أصبحت نوعاً ما تجارية والمحطات أصبحت مهتمة بعرض الأعمال الرائجة والأكثر مشاهدة وهمها الدعايات بالدرجة الأولى.

 

وبالنسبة للدراما الكوميدية، ما سبب عدم انضمامك لبقعة ضوء هذا العام رغم طلبهم الشديد لمشاركتك؟

مسلسل "بقعة ضوء" في أجزائه الأولى مختلف عما هو مقدم حديثاً، وسبب عدم مشاركتي يعود إلى أني لعبت هذا الموسم الرمضاني أدواراً متعبة فعلاً وأنا في السبعين من عمري ولا أريد أن أنهك جسدي.

 

أتقصد باختلاف أجزاء "بقعة ضوء" هو تراجع سوية العمل؟

في الحقيقة خفت جرعة الجرأة، لكن أعتقد أن السبب هي توجيهات رقابية جاءت "من فوق" علماً أن العمل يحمل اسم "بقعة ضوء" وإن لم أرى حدثاً هاماً في هذه البقعة لا داعي له، ولكن هناك عنصر خارجي خفف من ألقه.

لكن ما حدث في "ضيعة ضايعة" العكس تماماً فهو ارتفع مستواه ككوميديا ناقدة؟

أنا لم أركز على الموقف بل ما شدني المخرج وعمل الممثلين فكم هم ملتصقين بالبيئة التي يصورونها وعاشوها علماً أني ضد توالي الأجزاء، بما أن هذه النماذج تقدمت فلنبحث عن غيرها ونبتكر كاركترات، وبالنهاية "ضيعة ضايعة" و"أبو جانتي" خلقا من عمل "بقعة ضوء".

 

كيف ترى تجربة الكوميدية في مسلسل "أبو جانتي"؟

الكوميديا اعتبرها فسحة وراحة من الهرولة الجادة، رغم أنها متعبة أكثر من الأنواع الدرامية الأخرى، إلا أنها تبقى بالنتيجة نسيج كاريكاتوري للممثل، أما بالنسبة لرأي الشخصي فيه كعمل بعد عرضه، فالناس أحبوه ويلقى مشاهدة عالية وأنا فنياً لا أستطيع التكلم على عمل أنا مشارك فيه.

(شهر كامل يقنعوني أشترك) على الرغم من أن دوري في المسلسل ذو مساحة كبيرة لكنه كان مؤثراً، وأنا مؤمن بسامر المصري وبالمخرج زهير قنوع إيماناً كبيراً.

 

من لقبك بأنطوني كوين العرب؟

انطوني كوين العرب اسم أطلقه عليّ الشاعر العظيم الراحل "محمود درويش" ربما لأنه رآني أشبهه في مواقف معينة، مع أنني لا أحب مبدأ أن يقارن أحد بآخر، ولكنه أخطأ في تسميتي هذه فهو خلق لي أكثر من عدو في الوسط من أجلها.

 

كيف تقييم تجربة خالد تاجا لخمسين سنة مضت ؟

أنا أسير في طريقي بشكل طبيعي، ولا أتصنع في شيء، أتعلم من كل أخطائي، ومسيرتي فيها النجاحات والإخفاقات المهم أن نستمر، وأنا مؤمن بفلسفة النملة والنحلة، وليس عندي مبدأ " ستوب" فلازال أمامي الكثير مما لم أحققه أتمنى أن يساعدني العمر بذلك.

 

هل تعتقد أن نجومية خالد تاجا تأخرت قليلاً؟

ربما لأنني منذ الصغر كنت أغرد خارج السرب فأنا للأسف لم أُحصل تعليمي في المدارس، ولكني بدأت بقراءة الثقافة الغربية وحدي وغرقت بالسير الذاتية والفنانين الغربيين، حتى أنني قمت بسرقة بعض الكتب بسبب عدم امتلاكي للنقود. فعندما أعيش في هذا الزخم من الثقافة أغدو بعيداً عن ثقافة المنشأ التي أعيش فيه الذي هو بلادي، فأنا دوماً كنت أشعر بوجود مسافة وفارق بيني وبين الناس في وسطي الفني.

 

هل تتمنى أن يتوقف الزمن بك وتعود إلى الوراء ؟

لا أبداً. أتمنى لو أنني أتيت بعد مئة سنة، استعجلت بالمجيء للحياة ربما لكنت أتيت في ظروف أفضل وربما أسوأ، ليتني درست الفلك لأعرف أشياء كثيرة، تربيت في بيت لم يعرف اللوحات، أهلي بسطاء ووالدتي امرأة ذكية جداً كان ينقصها العلم الأكاديمي لو كان والدها باشا في اسطنبول لربما كانت في وضع مختلف.

 

ألم يدغدغك حلم العالمية؟

لن أفكر في عمري بالعالمية ولا حتى منذ سنوات، فحلمي فقط يتمركز في قدرتي على تأدية الأدوار بالطريقة التي تناسبني، والموضوع المادي حالياً لا يعني لي شيئاً فأنا أشعر بالرضى (مستور الحمدلله) وأسير بالنهج الذي يريحني، والشهرة التي حصدتها موجودة وتحيطني بإيجابياتها وإزعاجاتها، وهذا يكفيني للاستمرار.

 

ماذا عن حياة خالد تاجا من وراء عدسة الكاميرا؟

أنا رجل تزوج بهولندية ولدي صبية تعيش في هولندا اسمها " ليزا" إضافة إلى ثلاث سوريات واحدة ماتت بحادث سيارة واثنتين انتهت بالانفصال، وزوجتي الأخيرة طلقتها بعد زواج دام 18 عاماً فقد آلمتني كثيراً تلك التجربة التي أضاعت زمناً من عمري هدراً.

 

والآن أين الحب من حياتك؟
الحب يمر مرة واحدة في حياة الإنسان، والكثير من الناس قادرون أن يعيشوا الحب أكثر من مرة أما أنا فعشت حالة حب حقيقية وكانت صدمتها أكبر بكثير، فبقدر كبر الحب وقوته فجعت بالحبيب، وعلى كل الأحوال أنا خرجت من هذا المخاض العسير. وأتمنى أن تتكرر هذه التجربة في حياتي بهذا السن ولكن بنهاية مختلفة.

 

ماذا تعني لك عبارة "مسيرة الحب مليئة بالجنون"؟

اشتريت قبراً باسمي، مكتوب على حافته "مسيرتي حلم من الجنون كومضة شهاب تزرع النور بقلب من يراها لحظة ثم تمضي" منزل الفنان محمد خالد ابن عمر تاجا من مواليد 1940 توفي ومتروك هذا التاريخ إلى الأجل.

وأقصد من العبارة أن الشهاب كتلة كبيرة مشتعلة تحترق وفي أغلب الأحيان تتحول إلى غبار، وهي ما نراها عادةً في لحظة زمنية عمرها آلاف السنين بينما تشكلت وتكونت حتى انتهى بها الأمر إلى الاختفاء، لهذا أتمنى أن أكون ومضة أدخلت لحظة نور لمن حولي.

 

أسست موقعك الالكتروني مؤخراً، فما رأيك بالصحافة الالكترونية وهل تعتبر أنها قد تصل إلى مستوى وأهمية الصحافة المكتوبة يوماً ما؟

أشعر بالخوف على الصحافة المكتوبة من تلك الالكترونية، لأنهم اليوم يحتفلون في بيروت بإنشاء مدرسة لا تحوي ورقاً، وهذا شيء يبشر بالخير ومحزن في الوقت نفسه، فكأننا

اليوم نودع مرحلة مرت من حياة الإنسان واستمرت آلاف السنين وهي مرحلة الورق، فالإنسان غدا تخاطبه مقتصراً عن طريق الضغط على الأزرار وهي مشكلة.

 

هل من قراءات جديدة لمشاريع درامية؟

على الصعيد المهني أنا بصدد تصوير الجزء الثاني من مسلسل "الدبور"، أما حياتياً اشتريت بستان وقررت أن أسكن فيه ويكونوا أصدقائي في البستان عبارة عن مجموعة من الحيوانات "بقر، غنم، ماعز، وسمك" أتمنى أن أعيش مع الطبيعة، وقصدت أن أقول بستان لأنني لا أريد أن أعمر فيلا أو مزرعة بل أريد بقعة من الشجر والفواكه والحيوانات.

أرجو إنهاء حوارنا بكلمة أخيرة لموقع سيريانيوز:

لا حوار مختوم بسيريانيوز، هناك كلمات دائمة ومستمرة "أتمنى لكم التوفيق وأتمنى أن تجتهدوا ومهما بلغتوا من المجد اعرفوا أن هناك طريقاً طويلاً، والجهد في سبيل الاستكشاف والتجربة ليس فيه خسارة، وأتمنى لكم أن تخوضوا جميع التجارب وتستفيدوا منها، لتفيدوا من حولكم وتكونون شهباً.

تهاني عبود-سيريانيوز