syria.jpg
مساهمات القراء
قصص قصيرة
تفاصيل ميتة ...الجزء الثاني...بقلم: منيرة اسماعيل محمود

كعادتي ...من نافذة المطبخ التي تشرف على ساحة الحي
كنت اتمتع باشجار الشتاء العارية واصوات قطرات المطر المختلطة بصوت الرعد
كان النور مطفأ ولكن البرق كان يضيئ المطبخ بين لحظة واخرى
لم يدم ذلك طويلا ...


اتاني صوت ابي يناديني (ابنة امل) بصوته الاجش
ارتعبت ....وصلني صوته مرة اخرى (هاتي كاسة شاي وتعالي)
كنت متأكدة اني سأسمع عبارات مؤلمة ودون سبب
سالي ...الشاي يا ابي
الأب ...اسمعي يا بنت ...انت اصبحت صبية وانا لا اريد ان انتظر كي تكبري اكثر ...لو كان بيدي لزوجتك منذ زمن
نظرت اليه فقط
لكنه استدرك ...لن انتظر كي تجلبي لنا فضيحة مثل امك.
رائحتك كرائحة امك تماما ...
نظرت اليه مرة اخرى
لا تنظري الي بعيون امل
اسمعي يا بنت ...لقد جاءك عريس اليوم وقد وافقت دون جهاز او عرس ....انه على عجل بسبب السفر
سوف يأتي مع اهله غدا
حاولت ان اخرج من صمتي ...ولكن يا .....
لم اكمل ...
اذهبي من هنا يا بنت امل وكفى وقاحة ...طريق البيت انسي ....رقم البيت انسي ...الحمد لله خلصت منك قبل ان تعملي مصيبة ...تناول كاس الشاي بعصبية ودخل غرفته ...
لم يعلم انه ترك وراءه بقايا فتاة ...
جثوت على ركبتي طويلا لم استطع استيعاب ما قيل...
كنت اسمع دقات قلبي تطرق اذناي

اضاء البرق المكان وايقظني صوت الرعد كمنبه مزعج جمعت نفسي اغمضت عيوني اسندت راسي على الارض ....
يا بنت قومي....احسست برجله تحركني ...كانني حيوان قذر

بصعوبة فتحت عيناي التي الهبها الدمع ...كنت متعبة ...ظهري يؤلمني ...
جلس بقسوة على الاريكة قائلا ...
الجماعة كانو بالكويت ...
عيلة محترمة والأهم انهم لا يعرفون شيئا عن فضيحة أمك الله لا يرحمها ...
كل ما يعرفونه انها ماتت بحادث سيارة ...الشب دارس ادارة أعمال .
اظن انني عملت واجبي وأكثر امام رب العالمين ولا أطلب منك شيئا سوى ان تستريني ولا تفضحيني ...
جرحي لم يزل حيا ...كنت اسمعه فقط دون اي شعور ...
لااااا تغلطي ...اقترب مني واعادها مرارا لاااا تغلطي ...
حاول ان يخفي ذلك الألم بداخله لكن دمعة واحدة كانت كافية ...
لكنها لم تؤثر بي ...لقد كرهته كما كرهت امل كرهت كل الرجال ...
لماذا يجب ان اعيش مع رجل ؟ حيرني ذاك السؤال السهل الصعب ...
ماذ ينتظرني هناك ...اي يد سوف تضربني بعد ...
وفي زحام الاسئلة كنت سعيدة لانني لن اسمع من يناديني ابنة امل ..كان هذا اجمل ما في الموضوع...

لم اشبه اي عروس كما لم اشبه اي فتاة من قبل ...
وحان الميعاد كان يوم تعيس اسود كنت اعمل طوال اليوم وجهي باهت بارد...
حضر الجميع ...عماتي وخالتي والجيران ...كل ذلك لاستقبال العريس المنتظر
لبست كنزة بيضاء ...وجينز ...رفعت شعري دون اهتمام ...
وصل الضيوف الكرام ..كنت خائفة دون ان اعلم لماذا ...كان بامكاني ان اقول لذلك الشاب لااا ...نعم هذا ما فكرت به ...
قطعت خالتي حبل افكاري ...لا تغلطي امام الضيوف ...كانت تشد على اسنانها ...كنت اتأملها بحقد ...ملامحها القاسية حركة شفاهها عيونها ...
خرجت وما زالت عيوني تحدق في الفراغ ...حملت القهوة كما احمل الاف من الأسئلة في عقلي ...
لا احد يحبني ...لم يتمسك بي احد ...كان يجب ان اترك هذه الايادي التي ترفضني...
علي ان اخلع ثوب هذه العائلة الذي لم يدفئني يوما ...علي ان ابحث عن مكان ربما أجد فيه من يذكرني ب سالي ...
كان قرارا سريعا ...مسحت دمعتي ..رسمت ابتسامة على شفتي ...استجمعت قواي ...دخلت بثقة كان الجميع يحدق بي ...
اقتربت من السيدة ..قدمت لها القهوة ..اقتربت من الشاب الاول ...التقت عيوننا ..كان هادئا مبتسما ..وسيما ...يجلس على كرسي متحرك ..
اخوه التوأم كان نسخة منه ...كان ينظر الي بجرأة ...يتأملني جيدا ...
اما أبي فيبدو عصبيا مرتبكا مستعجلا ...
احسست بنظرات الجميع تخترق جسدي النحيف .
كسرت السيدة فريدة ثلج الصمت كيف حالك يا سالي؟
ابتسمت ..لم اسمع اسمي منذ زمن طويل ...
الحمد لله ...
انا اعلم انك مرتبكة يا بنتي ولكن لا عليك ...ما شاء الله انت قمر ...
انا آسفة لأن كل شيء سيحدث بسرعة ...
اريد ان اتحدث معك لوحدك ...
مشت امامي كأنها تعرف تفاصيل البيت ...وقفت في الممر ...
وضعت يدها بحنان على كتفي ...انت ابنتي يا صغيرتي ...
بصراحة لم اتخيلك بهذا اﻻدب والجمال ...
هذان ولداي توأمان وكما رأيت مصعب مقعد والثاني سليم ...
وانا متأكدة انك نلت اعجاب الاثنين ولكني اريدك لسليم ...
لن اظلمك يا صغيرتي ...
هذه المرة الاولى التي يتكلم احد الى بذلك الحنان والاحترام ...
لم اكن اعلم انني جميلة ...او اني لم افكر بذلك قط ...
همت بالذهاب لكنني خرجت من صمتي ...خالتي ...انا اريد مصعب ...لو سمحت ...
مصعب عاجز !!!
نعم اعرف... اعرف ولكني ارتحت له
صدمت السيدة بقراري ... كنت مقتنعة اني لا اريد زوجا ...وهو من يناسبني لأنه بالطبع عاجز ولا يبحث عن زوجة ...انه بحاجة الى ممرضة ...افكار مرت كالبرق في خيالي
اتفقنا ....لاااا ...اتفقوا على تلك التفاصيل الخاصةبالزواج ...
تحضرت للسفر ...كل شيء كان بسرعة ...
شعور بارتياح لم يراودني من قبل ...
الجميع اتى لوداع العروس ...
لحظات الوداع لم تكن مؤلمة ...اما أبي فقال ...الله يوفقك ...
كنت سعيدة ...حقا ...جلست جانب مصعب ...لم اخف ...لم اخجل ...امسك يدي بحنان ...
انتفضت... ابتسم بهدوء ...ضحك ضحكة دافئة ...
وبصوت مرتجف قال ...لا تخافي ...
حدثني مصعب عن نفسه... هواياته...عمله...
حدثني عن حادث السيارة الذي تسبب بعجزه ..عن علاجه الذي ما زال مستمرا ...عن أمله في الشفاء ...كان سعيدا بي ...وممتنا لانني اخترته ...كان ارتياحي له يزداد كل يوم ...أما أمه فكانت حنونة ولا تخفي حبها لي ورضاها عني ...
اما البيت فكان جميلا ...واسعا ...كل شيء كان رائعا ...كالأحلام ...كنت رفيقة ...ممرضة ...ولكن لم اكن زوجة ...قرأنا روايات ...شاهدنا افلام ...تابعنا مسلسلات ...لعبنا الشطرنج ...حيث انها لعبته المفضلة.
ذات مساء دخل سليم المطبخ ...كنت أحضر العشاء ...سألته هل تشاركنا العشاء؟؟
سليم ...وهل استطيع ان اقول لا ؟
اقترب مني ...حلو فستانك ...
تلبكت... ابتسمت ...شكرا ...انه اختيار مصعب ...
فجأة وضع يده على كتفي ...
ابتعدت عنه بقوة ...لو سمحت ...لا يصح هذا ...
خرجت من المطبخ ...كنت خائفة جدا ...بت أحاول دائما الا ألتقي بسليم ..
اما حالة مصعب ففي ثحسن ملحوظ ...ولكن لا بد من ذهابه الى فرنسا لتلقي العلاج الفيزيائي ...
حزنت لفراق مصعب ...بكيت وبكيت وبكيت ...لحظات وداع مؤلمة ...لم اكن اعلم اني تعلقت به ...همست بأذنه انتبه لنفسك ...
وضع يده على خدي ....أخائفة علي ..؟؟
لم اكن اريده أن يذهب ...قبل جبيني بحنان ورحلت بسمتي معه ...
استغل سليم غياب أخيه فصار يلاحقني باستمرار ويحاول التقرب مني
وكان جل خوفي ان يراه أحد وهو يتقرب مني ...
لن يصدق أحد انني بريئة
كان يردد دائما انه أحبني منذ شاهدني أول مرة ...
وأنه يريدني له ...وأنني اخترت مصعبا زوجا لي لأنني أشفق عليه
كثرت رسائل سليم من حب ومن غزل ...
حاولت جاهدة ان ابتعد عن سليم ...حاولت وحاولت وحاولت
ذات مساء ...في الحديقة ...على الأرجوحة ...تحدثت مع مصعب ...انه بخير وحالته ممتازة ...سوف يعود بسرعة ...دون كرسي متحرك ...سوف يعود واقفا على قدميه
ياااا لفرحتي ...هذه صور سليم وهو يحاول الوقوف ...المشي
أغمضت عيناي ...فجأة احدهم أمسك بيدي ...إنه سليم ...شدني إليه بقوة
أرجوك اتركني ...
قولي حبيبي لأتركك...
هل جننت ...هل جننت ..انا زوجة أخيك
لا تكابري ...قولي أنك تحبيني
أأصرخ وأخبر الجميع عما تفعل ؟؟
وهناااا أضاءت خالتي فريدة الضوء ...
نظرت الينا باحتقار
ابتعد سليم ...احسست بأن الأرض تبتلعني
سوف تحتقرني والدة مصعب كما احتقرني الجميع
ياااااااللله
رفعت يدها وصفعت سليم ...أغمضت عيني لتلقي الصفعة المتوقعة
أمسكت يدي تجرني وعلا صوت سليم ...قلت لك انني أريدها ولكنك كالعادة فضلت مصعب علي
كنت أبكي بحرقة ...وكان الخوف يشلني ...تذكرت مصعب ...عيونه ...صوته ...لمسته ...شعوره عندما يقال عني خائنة ...ماذا سأجيبه ؟؟؟
قررت أن أحكي كل شيء ....قررت ان أدافع عن نفسي ...ورجوتها ألا تخبر مصعب بما حدث
سألتني ..هل تحبين مصعب ...؟ كان سؤالا صعبا ...قلت أجل ...أجل ...اكتشفت أني أحبه
اذهبي الى غرفتك...
لم اعلم ان كانت صدقتني أو لا ...
كانت ليلة طويلة من الأرق والألم والدموع والخوف ...
أتاني صوت الخادمة ...السيد مصعب وصل !!!
كان صوت مصعب عاليا ..فرحا ...
التف حوله الجميع ...ركضت إليه ...أضمه بشوق ...أبكي وأضحك ...
تفاجأ مصعب ...ابتعدت عنه ...لاااااا تبتعدي عودي وضميني
حكى مصعب عن رحلته ...وعن علاجه ...كنا سعداء ...لم ينتبه احد لغياب سليم ...
دخل سليم فجأة والشرر في عيونه...
ماذا يا بنة أمل هل تريدين ان تضحكي علينا ؟؟؟؟
لم يفهم عليه سواي ...تمنيت ان تنشق الارض وتبتلعني ...
ركضت الى غرفتي ...لكنه وقف أمامي متحديا ...قفي مكانك
هكذا اذا ...وانا اسأل نفسي لم وافق اهلك على مصعب وهو عاجز ...
هذا عيب ....عيب لكن ...والله وانكشفت يا بنة امل
عندها رفعت رأسي وصرخت بأعلى صوتي ...
نعم انا ابنة أمل ...التي ماتت مع حبيبها في السيارة
نعم أنا ابنتها التي حملت ذنبها لهذا اليوم
انا ابنة أمل التي لم تعرف أم ...أو أب... أو أخ
أنا ابنة أمل ....ماذا تريدووووون ؟؟
حاسبوني على غلطتها حتى أموت ...اجرحوني واظلموني ما شئتم ...
ألى ان يأخذ ربي حقي منكم ....نعم انا ابنتها .....
فتحت عيوني ...كنت في سريري ...كان مصعب بجانبي سارحا ...
أدرت وجهي جانبا ...ونزلت دموعي
قال بحنان ...خفت عليك كثيرا ...
لا أعتقد أنك تخاف علي بعدما سمعته عني ...
لا تقولي هذا ...أمسك وجهي بيديه وأدارني نحوه ...
أنظري في عيوني وأجيبيني
أتحبينني؟؟
أومأت له برأسي ...أجل ...
هل انت متأكدة من خيانة أمك ؟؟؟
لقد ماتت معه في السيارة !!
هل ماتا فورا ؟؟ أجل
هل سألهما أحد ؟ هل سمع منهما أحد ؟؟
لا ...لكنهما كانا معا!!!
لا تستغربي ...لو لم يكن لدي ثقة بك ...لو لم أسمع منك ومن أخي الحقيقة ...كيف كان لي ان أعرف أنك بريئة ؟؟؟؟
سالي انسي اتركي كل شيء ...أنت سالي ابنة أمل ...ارفعي رأسك الصغير فخرا
غمرته ...ضممته ...لمست وجههه ....كان كل شيء في يصرخ أني أحبه نعم قد أحببته بكل جوارحي ...وقد أثمر ذاك الحب طفلة جميلة ...أسميناها " أمل"
 

2018-07-23
التعليقات