لا تعريف قانوني للاستثناءات،
فهي إجراءات لتجاوز القوانين برخصة من المسؤولين، والمبرر "بحسب ما تقتضيه المصلحة
العامة"، والتي تكون في الكثير من الأحيان لمصلحة شخصية بحتة، قبل الأزمة وخلالها،
بشكل يحرم باقي المواطنين منها، رغم الحاجة الماسة إليها.
والأحداث التي تمر بها البلاد
لم تردع العديد من المسؤولين عن هذه "العادة"، والتي آخرها محاولة وزيرة الشؤون
الاجتماعية كندة الشماط، وفق وثيقة وصلت سيريانيوز نسخة منها، التوسط، من خلال كتاب
صدر من مكتبها موجه لمحافظ دمشق بشر الصبان، للحصول على استثناء ترخيص "كشك" لأحد
أقربائها في منطقة مزة فيلات غربية بدمشق.
وتمنح تراخيص الأكشاك في سوريا
إلى أبناء الشهداء وذوي الإعاقة، وهي مخصصة لبيع المطبوعات والمرطبات والمواد
الغذائية البسيطة والخبز، وبحسب المصدر فإنه "منذ عام 1996 لم توضع شروط جديدة
لتنظيم تراخيص الاكشاك".
بيد أن الغرابة في طلب الوزيرة
للاستثناء لأحد أقربائها، هو مروره بديوان وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث منح الطلب
رقم /51128/1465/ ومهر بختم وتوقيع الوزيرة بدلاً من "توقيع صاحب الطلب"، ليخرج من
ديوانها بشكل "رسمي" إلى ديوان محافظة دمشق المخولة بدراسة ومنح الأكشاك.
ومن المعروف أن استثناءات ترخيص
الاكشاك، متوقفة منذ سنوات، وبدأت محافظة دمشق بحصرها فقط بذوي الشهداء أو ضمن شروط
محددة، حيث اكدت محافظة دمشق عام 2012 أنه "تم وقف منح تراخيص فتح الأكشاك في دمشق،
وأن عدد الاكشاك في تناقص، باعتبار أن ترخيص صاحب الكشك الذي يتوفى يلغى من أصله،
ولا يمكن توريثه إلا في شروط ضيقة مثل وجود أطفال قصر لديه أو اطفال معوقين، حينها
ينتقل الكشك إلى الوصي الشرعي بقرار من المحكمة الشرعية التي تقوم بإعلام المحافظة
بالوصي، وعلى هذا يبقى الترخيص ساري المفعول".
وقالت مصادر في المحافظة حينها،
"في الفترة الأخيرة تتجه المحافظة في دمشق إلى تفريغ قلب المدينة من هذه الأكشاك،
ويلاحظ وجود غالبيتها في الشوارع الفرعية، وغالباً ما يحكم مكان ترخيص الكشك منطقة
سكن صاحب الرخصة".
ولضبط آلية إيقاف ترخيص
الأكشاك، قالت المصادر إنه "كل سنتين يتم طلب الأوراق الثبوتية بالكامل من صاحب
الترخيص، التي تتضمن شهادة الإعاقة وورقة غير موظف كونه لا يحق للموظف الحصول على
ترخيص كشك الإعانة".
"كشك" قريب الوزيرة لم يتم
الموافقة عليه، لذلك لا يعتد به كاستثناء صريح، رغم تواسط الشماط، لكن فضيحة ابن
وابنة رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي وحصولهما على استثناء بنقلهما من جامعتهما
بحلب والسورية الدولية - كلية الطب البشري، إلى دمشق باستثناء موقع منه شخصياً،
حدثت مع دخول الأزمة عامها الثاني، ما يعني أن "امتياز" الاستثناءات ما يزال
مستمرا، رغم ما تعاني منه البلاد من أحداث.
وتناقل نشطاء بمواقع التواصل
الاجتماعي، ومنهم مؤيدون، وثيقة تحمل الرقم 1920/م بتاريخ 2012، إلى أمر نقل الطالب
محمد وائل الحلقي من كلية الطب البشري في جامعة حلب إلى كلية الطب البشري بجامعة
دمشق للعام الدراسي 2012 و2013 وإلى الصف الذي وصل إليه، ونقل الطالبة نغم وائل
الحلقي من الطب البشري في الجامعة السورية الدولية الخاصة إلى كلية الطب البشري
بجامعة دمشق للعام الدراسي 2012 و2013 وإلى الصف التي وصلت إليه.
وقد ذيلت الوثيقة الصادرة عن
جامعة دمشق و"بناء" على توجيهات من وزارة التعليم العالي بعبارة ( استنادا إلى
التوجيه)، وقد وقع على الوثيقة وختمها الدكتور محمد عامر المارديني رئيس جامعة
دمشق.
ومنحت هذه الوثيقة استثناءات
لابن وابنة الحلقي، رغم منع منح هذا الاستثناء للطلاب العاديين مهما كانت الظروف
الأمنية صعبة، ومهما كان الوصول إلى جامعاتهم محفوفاً بالمخاطر.
الوثيقة السابقة لا تشير إلى
استغلال الحلقي لمنصبه فقط، بل إلى فساد في وزارة التعليم العالي، إضافة إلى
تجاوزات رئيس جامعة حلب التي لم تنته بهذا الاستثناء، حيث تداول نشطاء مؤيدون
ومعارضون، ومواقع الكترونية سورية مؤخراً، خبراً عن تجاوز آخر قام به رئيس الجامعة
محمود على الدهان، حين نقل بتاريخ 22/10/2014 ابنه المهندس أحمد الدهان من الفئة
الأولى بوظيفة مهندس لدى ملاك جامعة حلب إلى وظيفة عضو هيئة فنية (قائم بالأعمال)
بعد حصوله على درجة الماجستير المستعجلة بعد يوم واحد من مناقشتها، وبعد 13 يوم من
قرار الجامعة الذي قد يستغرق عادة عدة أشهر.
وتوالت القرارات المتعلقة
بماجستير ابن رئيس الجامعة بسرعة كبيرة أثارت الريبة، فمن قرار مجلس الكلية بتاريخ
2/7/2014 رقم 502 إلى قرار مجلس الدراسات العليا والبحث العلمي بتاريخ 7/7/2014
رقم 2917 ومن ثم قرار مجلس الجامعة 8/7/2014 برقم 574 وكلها تمت خلال أيام.
وقال النشطاء أيضاً، إن رئيس
الجامعة منح ابنه استثناءاً للتقدم إلى مفاضلة الدكتوراه بشكل مخالف، وما أشار إلى
تأكيد هذه التجاوزات، إصدار الرئيس بشار الأسد مرسوما يحمل الرقم 318 أعفى بموجبه
رئيس جامعة حلب محمود على الدهان من مهامه على خلفية تجاوزات.
من غير المتوقع أن تقف
التجاوزات "الاستثناءات" الحكومية عند هذا الحد، رغم النفي المستمر من المسؤولين،
ووعودهم المستمرة بإتباع الصرامة بالتعامل مع هذا الملف، فالقوانين مرنة و"المصلحة
العامة" تقتضي ذلك.
سيريانيوز
|