المصائب "لاتأتي فرادى" كما يقول شكسبير، وبعد القنص والقصف والاختطاف والتتشرد
والبرد والعطش والجوع .. لن يكون خبر مهاجمة الضباع لمخيم لاجئين سوريين في موضع
الشك ..
فقد تناقلت بعض مواقع الانترنت المعنية بالشأن السوري وصفحات التواصل الاجتماعي على
نطاق واسع صورا لضبع مقتول الى جانبه صورة لساق رجل مهشمة جراء هجوم الضباع على
مخيم للاجئين في لبنان كما يقول الخبر مذيل بمئات تعليقات الاسى والاسف على البلة
التي زادت الطين الذي يعشي السوريين فيها منذ 4 سنين.
وسرعان ما بدأت صفحات التواصل بحركة عكسية تكذب الخبر وتنشر تاكيدا على ان الصورة
قديمة لضبع اصطاده صياد لبناني منذ عدة سنين ..
ليست هذه المرة الاولى التي تنتشر اخبارا عبر وسائل
اعلام التواصل الاجتماعي وتتناقلها مواقع اخبارية واحيانا وكالات انباء ، لنكتشف
بانها اخبارا كاذبة او مبالغ فيها ، ما يضع القارئ السوري في وضع التشكيك بالنسبة
لكل الاخبار التي يتم نشرها عبر الصفحات ووسائل الاعلام.
فقد اعتمد الاعلام الرسمي منذ بداية الازمة على "البروباغندا" والدعاية لتوجيه
الرأي العام باتجاه يخدم اغراض
النظام وانشأت مئات الصفحات المؤيدة التي دأبت على تناقل الاخبار التي لم تكن دوما
مؤكدة او ذات مصداقية لنقص التدريب والخبرة لدى القائمين عليها احيانا وعمدا لخدمة
اهداف سياسة محددة في كثير من الاحيان.
ولم يقتصر هذا على "المؤيدين" وانما طال ايضا اخبار بعض صفحات المعارضة ، على سبيل
المثال, عندما غطى الناشطون المعارك النهائية في المدن السورية التي انسحب منها
مقاتلي المعارضة بدءً من معركة القصير وانتهاءً بمعركة حقل غاز الشاعر الثانية
ومروراً بالحصن بريف حمص والمليحة بريف دمشق, وقرى ريف حماة الشمالي, وقرى طريق
السلمية حلب (طريق خناصر), حيث استمروا بنشر الأنباء عن اشتباكات وحتى تقدم في بعض
الأحيان لمقاتلي المعارضة, الأمر الذي انعكس سلباً على السوريين المعارضين الذين
يتابعون الأخبار وميلهم لعدم تصديق الكثير من الأخبار قبل البحث عنها من مصادر
أخرى.
وعند الحديث عن الأنباء التي تصل لحد "الشطحات الإعلامية" (كناية عن المبالغة الغير
الدقيقة), لايمكن أن ننسى السخريات والنكات التي أطلقها السوريون عن نبأ "انشقاق
فاروق الشرع" و"مقتل بشار الأسد عن طريق حراسه أو بدس السم في طعامه أو هربه إلى
الساحل السوري وتحديداً إلى مسقط رأسه القرداحة أو البوارج الروسية في ميناء
طرطوس", أو"مقتل ماهر الأسد شقيق الرئيس بانفجار خلية الأزمة أو خطورة حالته ونقله
لمشفى للعلاج في موسكو".
انا اعلامي ..
ومع انتشار مئات صفحات الاخبار عبر وسائل التواصل وعمل القائمين عليها في مجال نقل
الاخبار والمعلومات فقد اكتسب هؤلاء صفة الاعلاميين وبات هذا المصطلح متداول بكثرة
فيما عرف بالتنسيقيات والمكاتب الاعلامية للفصائل
المقاتلة دون ان ينال هؤلاء في اكثر الحالات اي نصيب من التدريب او المعرفة بالعمل
الاعلامي.
فالناشط الإعلامي أو
الصحفي المواطن بدأت فكرته مع الربيع العربي في تونس ومصر مروراً
بليبيا واليمن والبحرين فيما ترسخت ضرورته مع بدء الأحداث السورية عام 2011, وذلك
جراء منع الصحفيين من قبل أنظمة هذه البلدان من ممارسة عملهم بنقل حقيقة الأحداث
وصلت لحد الإعتقال وقتل لمحاولتهم نقل "الرأي الأخر".
وظاهرة المواطن الصحفي, برأي الصحفي ماهر (اسم مستعار), "كانت مهمة وضرورية في
مرحلة من المراحل, وخصوصاً مع صعوبة الوسائل الإعلامية لمكان الحدث ما اضطرها
للالتفاف على الصعوبات بالاستعانة بمواطنين عاديين لتصوير المظاهرات ومع تطور
الأحداث في البلاد تم تعيينهم كمراسلين".
ومع القصور الكبير الذي ابتده وسائل الاعلام المحلية في متابعة الاحداث ونقلها
بحياد وموضوعية ، فيما انحازات وسائل الاعلام الكبرة والمحطات الاخبارية
التلفزيونية كل بحسب ميله السياسي ، مع كل هذا اصبحت صفحات التواصل الاجتماعي مصدرا
اساسيا للاخبار للمواطن السوري واكثر مصداقية بالنسبة اليه من وسائل الاعلام
المؤسساتية في كثير من الاحيان.
وكما ذكرنا فان الناشط "الاعلامي" اليوم يعمل دون تلقيه المبادئ الأساسية للعمل
الصحفي, فيما تلقى عدد منهم دورات في أساليب العمل الصحفي, ولكن الصحفي ماهر
قال"بالرغم من الدورات الصحفية التي يخضع لها هؤلاء النشطاء, وإعطائهم مبادئ العمل
الصحفي والجانب التقاني بالعمل, إلا أن الكثير لا يطبق المبادئ الأساسية بالصحافة
وخصوصاً الدقة والموضوعية, بينما يستفيدون بشكل جيد من الجانب التقاني للدورات".
واستمر هؤلاء النشطاء بتصدر العمل الاعلامي مع استمرار خطورة الوضع في سوريا ونقص
التدريب في مجال عمل المراسل الحربي, والتضييق على الصحفيين من قبل النظام,
استهدافهم من قبل الكثير من فصائل المعارضة بالخطف والقتل.
حيث مازالت تعتبر سوريا هي "المكان الأخطر" بالنسبة للعمل الصحفي, وفقاً للأمم
المتحدة, فقد قتل منذ بدء الأحداث عام 2011 وحتى نيسان الماضي 236 صحفياً بحسب
"رابطة الصحفيين السوريين" المعارضة, كما أحصت منظمة "مراسلون بلا حدود" مقتل 66
صحفي عام 2014 بانخفاض 7% عن عام 2013, بينما خطف 119 آخرين بزيادة نسبتها 37% عن
عام 2013.
نشطاء ضحوا بانفسهم واخرون ركبوا على موجة "الحقيقة" ليصلوا
للشهرة ..
وفيما قام بالفعل العشرات من النشطاء بالاستمرار في العمل تحت الظروف الخطرة وضحى
الكثيرون منهم لنقل صورة وحقيقة ما يجري ، انحرفت لدى لدى البعض فكرة "التضحية
بنفسه من أجل إيصال الحقائق للعالم خارج البلاد عن معاناة الناس والأهالي في
مدينته" إلى السعي وراء الشهرة بأضعف الإيمان للظهور بوسائل الإعلام وصلاً إلى
الحصول على المبالغ المالية مقابل "تحقيق صحفي" أو "فيلم" يبرز معاناة الأهالي.
بالاضافة الى ان العديد من النشطاء الإعلاميين أصبحوا أدوات بيد زعماء "المناطق"
لتبييض صورتهم أمام الرأي العام, وعن هذا الموضوع اعتبر الصحفي ماهر أن "هناك كثير
من الصفحات التي بدأت من الناشطين و"المواطنين الصحفيين" تحولت لإعلام رسمي خاص
بالثورة, كما الإعلام الرسمي الخاص بالنظام, والإثنان بعيدان كل البعد عن الإعلام
المهني" وبالتالي عن تقديم خدمة حقيقية للجمهور تفيد في تخفيف اثار الحرب
والمعاناة.
وشرح ماهر مثالا على هذا بان إحدى الشبكات المتخصصة بنقل الأخبار عن طريق
النشطاء التي تعتبر مصدر أخبار للكثير من وسائل الإعلام نشرت على صفحتها بموقع
التواصل الإجتماعي "فيسبوك", لقاءات مع أهالي من الغوطة تعليقاً على ما أسمته "حملة
الفساد لجيش الإسلام ضد جيش الأمة", حيث عبروا جميعهم عن تأييدهم لقائد جيش الإسلام
زهران علوش, ما دفع الكثير من السوريين للسخرية على مقطع الفيديو ومعده, معتبرين
أنها أشبه بالقنوات الرسمية وشبه الرسمية المؤيدة للنظام.
في النهاية اصبح "الصحفي المواطن" امرا واقعا ليس في سوريا وحسب وانما في العالم
كله ، ويكفي ان نذكر بان معظم الصور والافلام التي تنشر عن معاناة وحقيقة ما يجري
بالمناطق الشاسعة التي يمتد فيها الصراع ما زالت تأتي عن طريق هؤلاء والذي يعمل
معظمهم من هاجس اظهار الحقائق ورفع الظلم عن اهالي منطقته ، ولكنها في الجانب الاخر
افرزت قطاعا من هؤلاء الذين استغلوا هذه الظاهرة وركبوا موجتها لتحقيق اهداف متعددة
لا تتصل باخلاقيات العمل الصحفي.
وكما تم الكشف عن زيف "الضبع" الذي "اكل" اللاجئ فالوقت كفيل بان يكشف عن "ضباع
الصحافة" ويفرزهم ليصبحوا جزءا من ماض مزيف لا احد يثق فيه.
م.ع
سيريانيوز
|